العراق تايمز / ولد كيث روبرت موردوخ في 11-3-1931بمدينة ملبورن الأسترالية، ونشأ في أسرة غريبة التكوين؛ فجده لأبيه كان رجل دين، بينما كان جده لأمه أحد المعروفين بلعب القمار، وكسب الأموال من الطرق غير المشروعة، فورث عنهما اتجاهاته اليمينية، وحب المال والسعي وراءه أينما كان.
وكان والده يملك أكبر صحيفتين في أستراليا مما جعله أكثر الإعلاميين أهمية في تلك الفترة، وقد حصل على لقب فارس لما قدمه من خدمات للدولة، كما شغل كيث الأب منصب المستشار الإعلامي لرئيس وزراء استراليا أثناء الحرب العالمية الأولى، بيلي هيوز.. وكان حلمه أن يورث أعماله لولده إلا أن روبرت الابن خيب أمله بتقدمه البطيء في العمل.
وقد التحق روبرت بمدرسة "جيلونج جرامر" التي تخرج فيها الأمير تشارلز، ثم أكمل دراسته في جامعة أوكسفورد البريطانية، وهناك في أكسفورد تفاعل مع الحياة السياسية، وعايش صعود التيارات اليسارية والليبرالية ومعركتها مع التيار المحافظ ، وأُعجب بالأفكار الماركسية فأخذ منها ما يتماشى مع فكره الرأسمالي الذي اكتسى بعد ذلك بمسحة "الاستغلال والانتهازية".
وفي هذه الفترة كان والده يعاني مشكلات صحية في القلب، ومع قلقه حيال مستقبل ولده ــ الذي كان يهدر وقته ونقود دراسته على الحفلات ــ طلب من صديقه "اللورد بيفربروك" صاحب صحيفة "دايلي اكسبريس" في لندن أن يوظف روبرت في صحيفته.وسرعان ما اكتشف روبرت مواهبه الصحافية في صياغة المقالات واختيار العناوين الأكثر جاذبية.
في العام 1952 توفي والده غارقاً في الديون، مما اضطر الأسرة إلى بيع كثير من الأسهم والممتلكات الأخرى لسدادها. وقد استكمل موردوخ الصغير دراسته ليحصل على درجة الماجستير من أوكسفورد، وليعود فى العام 1953 إلى استراليا محاولاً إحياء صحيفة "ذي نيوز" الصغيرة التي تركها له والده، لكنه أخفق في اكتساب ثقة الناشرين خاصة مع انتشار سمعته كشخص يفتقر إلى الخبرة. إلا انه كرس وقته وجهده لتعلم واكتساب الخبرة اللازمة لإدارة الصحيفة التي منها انطلقت مسيرة الإعلامي الذي سيُعطى كل أنواع الألقاب في ما بعد، من "بارون" إلى "عميد" و"ملياردير" وصولاً إلى "إمبراطور الإعلام".
وكانت أول مواجهة لروبرت مع الصحف المنافسة في أستراليا هي التي حولت تفكيره من العمل بشكل "عادي" إلى العمل بشكل "تنافسي متسلط"، حيث تسلم خطاب تهديد من مجموعة إعلامية منافسة عقب بداية عمله كرئيس تحرير إما ببيع الصحيفة لهم أو الاستعداد للمنافسة بلا هوادة، فكان رد موردوخ هو إشعال المنافسة من ناحيته، حيث حافظ على تعاقدات الإعلانات بتقليل أسعارها، وعزز الصحيفة بالكاريكاتير والقصص المصورة الصغيرة التي تجذب أعدادا كبيرة من القراء، ثم قرر الهبوط بسعر بيعها.
بدأت صحيفته تستقطب الاهتمام منذ العام 1959 بعد انضمامها إلى صحيفة "سيدني مورتينج" في حملتها الناجحة ضد الحكم بالاعدام على "ماكس ستيوارت" المتهم في جريمة قتل. وعلى الرغم من أن مدير تحرير "ذي نيوز" روهان ريفيت هو الذي شن الحملة إلا أن الفضل كله نسب إلى موردوخ.. ومع السمعة الجديدة التي اكتسبها بدأ موردوخ يؤكد ويرسخ وجوده بقوة في مجال الإعلام بأستراليا.
وربما ساعدت الأجواء السائدة في أستراليا في سنوات الخمسينيات على تشجيع موردوخ في توسيع ثروته الإعلامية؛ فالصحافة الأسترالية في هذه الفترة كانت مزيجا غريبا من المدرستين الإنجليزية والأمريكية، وكانت تعتمد كثيرا على العنف وفرض السيطرة والقوة في مناقشة السياسة الإعلامية بين دور النشر ورؤساء التحرير. ويمكن أن يكون موردوخ قد رأى فيها نقطة ضعف يمكن من خلالها فرض سيطرته، وخلق نفوذ خاص به وسط هذا الصراع، مستغلا نقطة الضعف المهمة، وهي أن التحرك العملي أقوى من الكلام دون تنفيذ.
ويمكن تأكيد هذا التوجه من خلال السياسة التي اتبعها لتكبير حجم سلطته وممتلكاته الإعلامية؛ فكان لا يتردد في شراء أي جريدة على وشك الإفلاس، وكان يسعى للدخول في شراكة مع الصحف الكبرى حتى ولو بالقدر اليسير أولاً، ثم يتحين الفرص لزيادة نصيبه، عاملا بالحكمة القائلة "إذا أردت أن تمسك بالذراع فعليك أولا أن تمسك بالإصبع"، وتكفي الإشارة إلى أنه عام 1960 ــ أي بعد 8 أعوام من عمله الفعلي في الصحافة ــ اشترى 3 صحف ومحطة تلفزيونية ناشئة في أستراليا. وقد عمل على تشكيل لوبي إعلامي للضغط على المشرّعين الاستراليين، حتي يغيروا القوانين لمصلحته.
لم يمض وقت طويل حتى أخذ موردوخ ينطلق إلى العالمية.. فشارك في حرب تنافسية لشراء صحيفة "نيوز أوف ذي وورلد" البريطانية عام 1968، وفاز بحصة 4% من الصحيفة، وفي العام التالي قام بشراء صحيفة "الصن" في لندن وكانت الصحيفة وقتها تخسر 5 ملايين دولار سنوياً لكنه نجح في إضفاء الجاذبية على الصحيفة بتحويلها إلى واحدة من الصحف الصفراء ونشر الصور الفاضحة، ليزيد توزيعها بذلك من 600 ألف إلى 4 ملايين نسخة لتعود من جديد إلى در الأرباح.. وبعدها قام بحيازة صحيفتي "التايمز" و"الصنداي تايمز".
وبعد أن تأكدت سمعته كرجل أعمال عنيد وصاحب عزيمة فولاذية في انجلترا واستراليا، قرر موردوخ التوجه إلى الولايات المتحدة، وقد اضطر لتغيير جنسيته 3 مرات لكي لا يعامَل كأجنبي عند دخوله أمريكا. وفي العام 1973 اشترى صحيفة "اكسبرس نيوز" ليتبع معها أسلوبه المعهود في تحويلها إلى واحدة من الصحف الصفراء الحافلة بالصور والقصص المثيرة. ورصدت عينه الصحف التي تعاني من مشاكل مادية؛ فوقعت في عام 1976 "نيويورك بوست" تحت يديه وهي على مشارف الاحتضار، ومارس عليها نفس الأسلوب الذي اتبعه مع صحيفة "التايمز" اللندنية لتنطلق من جديد، وتتخذ لها موقعًا جديدًا في عالم الصحافة الأمريكية.
وفي العام 1985 أصبح موردوخ مواطناً أمريكياً، الأمر الذي سمح له بامتلاك وسائل إعلامية في الولايات المتحدة، حيث أن القانون يمنع على غير المواطن الأمريكي امتلاك مثل هذه الوسائل. لذلك، فقد أنشأ عدداً من الصحف المحافظة ذات الاتّجاهات الموالية لإسرائيل والولايات المتحدة والمناصرة لفرنسا، وكانت هذه الصحف ناطقة بلسان المحافظين الجدد.
ودخل في صفقة من عمليات الحيازة في سوق الإعلام الأمريكي، ليصل عدد حيازات شركته بحلول عام 1992 إلى 80 صحيفة ومجلة. كما شرع في شراء محطات تلفزيون مستقلة في جميع أرجاء الولايات المتحدة، ومن ثم أسس شركته "فوكس جروب" التي تمكنت من التنافس بقوة مع كبار اللاعبين في المجال.
وفي العام 1996 اشترى موردوخ مجموعة World Communications بالكامل، ثم قام بضم قنوات مجموعة "فوكس" معها، وبدأ في تشغيل شبكة فوكس بشكل جديد لينافس بها شبكة الإخبار العالمية "سي إن إن" CNN.
وكخطوة تمهيدية لهذا النجاح اتفقت المجموعة مع "الشبكة الأمريكية لتوزيع القنوات التلفزيونية من خلال الكابلات الأرضية TCI؛ لضمان وصول برامجها إلى جميع المشاهدين، وليس فقط من خلال الأقمار الاصطناعية، كذلك مدت نشاطها إلى البرازيل والمكسيك في تعاقدات مماثلة للوصول إلى وسط وجنوب القارة الأمريكية.
وبحلول عام 2002 استطاع موردوخ أن يستحوذ على حصص في أكثر من 750 مؤسسة اعلامية في العالم ونقل مقر عمله الرئيس من استراليا إلى الولايات المتحدة. إذ تصل عائدات شركته اليوم إلى 25 مليار دولار سنويا