بقلم الكاتبة المغربية : ايمان الفاضلي
ربما لن يروق للبعض ما اكتنفه العنوان من رسائل... وربما قد يذهب البعض الاخر لاتهامي بمعاداة الشعائر، ولكن هذا كله لا يهم، فليعلم من يعلم انني هنا لست بصدد انتظار ما قد يستحسن الناس ولا اسعى في البحث عما يروقهم، بقدر ما اود ان ابلغه من افتاءات الضمير المتقض ورجاحة العقل التي يتميز بها بعض علمائنا ومراجعنا الاجلاء
شهر محرم يطرق باب الذاكرة من جديد، ليرخي سدول الحزن على ارواحنا، ويفتح في الأفئدة تصدعات جرح غائر أبى ان يلتئم، لان أمة الاسلام ايها الناس تخوضت في مظالم كبيرة، وظلمت احق الناس بان يتقرب الى الله ببرهم وتوقيرهم واجلالهم وهم ال بيت محمد ابناء رسول الله صل الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين وسلم، ولازال هذا الظلم قائما الى يومنا هذا اولا بسبب جحود البعض وانكار الحقائق، وثانيا بسبب ضحايا هؤلاء الجاحدين الذين افرزوا لنا امما كانت وستبقى ضحية للتجهيل والتطميس وتزوير التاريخ الذي اصبح تاريخا مشوها بلا طعم او معنى، وأبعد من ان يكون نزيها او يحمل بين طياته عدلا او انصافا.
وكيف ننتظر العدل والانصاف من مؤرخين كانوا عبيدا لشهواتهم وملذات الحياة الفانية التي كانت تسكن اروقة قصور بني امية وكل من ولاهم.
تطل علينا ذكرى استشهاد سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، الذي لا يتناوله الغافلون في احاديثهم الا لمامة، ونادرا ما يكلف البعض نفسه باستحضار شهادته واهداف ثورته مع العلم بانه لم يكن ليستشهد ويضحى بروحه واولاده الا من اجل هذه الامة التي اشتبه عليها الحق بالباطل فكانت تسير نحو الهاوية.
لم يعد يحز في نفسي كثيرا ان ارى بعضا من اهل السنة الذين كنت منهم يوما ما... انهم يعلمون علم اليقين مدى مظلومية سيدنا الحسين لكنهم يتوجسون من استحضار سيرته خوفا من اتهامهم بالتشيع.
ان الذي يحز في النفس حقا ان بعض الشيعة نفسهم لا يدركون المعاني الحقيقية للثورة الحسينية حتى اصبحت بالنسبة لهم مجرد اسلال السيوف وضرب الرؤوس واراقة الدم في مظاهر مقززة حاشا الله ان نسميها شعائرا.
لقد نسى العالم ان المبادئ السامية للثورة هي الثورة على الباطل ونسفه بعدم السكوت للظلمة والصدح بالحق كيفما كان مكانه وزمانه، ان المبادئ الحقيقية للثورة هي استرخاص الحياة الفانية والزهد فيها وترك ملذاتها وجعل الغاية منها افشاء العدل والعدالة، والقضاء على التهميش والفقر الذي هو صناعة بشرية بامتياز، فلو كانت حكوماتنا القائمة على امورنا تعدل في الناس توزيع الثروات لما رأينا فقيرا يتأوه من ألم الحاجة .
ان الذين جهلوا معاني الثورة الحسينية وانصاعوا الى اقامة طقوس دخيلة على الاسلام والمسلمين حظهم ان يكونوا مناصرين للظاليمين لانهم من جانبهم يظلمون الثورة الحسينية ايضا، زيادة على من ظلموه ظلما فاقعا واقعا كادت ان تنشق السماء لهوله، هذا في حين ان الكثير من المفكرين المسيحيين وغير المسلمين وعوا بمعنى ثورثه واعتبرو شهادته وملحمته اعظم ملحمة في التاريخ وارقى شهادة عرفها التاريخ الانساني على الاطلاق.
لا يروقني ان اطلق على واقعة كربلاء "الفاجعة " لانها ومن كونها فاجعة، لها وجها آخر وهو وجه البطولة والفداء والتضحية والقدسية والتي هي قدسية الحق لان الحق قيمة في ذاته سواء انتصر صاحبه او هزم ... الحق يبقى حقا.
ولو سألنا انفسنا ايها الناس كم مرة انتصر فيها الباطل وانتفش ؟؟؟ ...ستجدونه قد انتصر مرات كثيرة ولكن هذا لا يحيل الحق باطلا ولا يحيل الباطل حقا.. فيبقى الحق حقا وهذا هو المنطق المحمدي ومنطق كتاب الله تبارك وتعالى.
ان المسالة ليست من ينهزم او ينتصر، ان المسالة هي من يشايع اغراض الحق ومن يثأر له ويبقى معتصما به في مثل هذه المدلهمات المظلمة و الحالكة ومثلما الحق يبقى حقا فحتى الصدق يبقى صدقا فهناك انبياء قتلو وفصلت اجسادهم عن رؤوسهم وهذا يعني ان ليس كل نبي انتصر ولكن حتما ان الحق انتصر.
واقعة كربلاء ايها الناس ليست بكارثة بل الكارثة هي التي خرج من اجلها ابا عبد الله سلام الله عليه لانه وجد امة باكملها انحنت وجثث على ركبتيها للظلمة ولكن الحسين ابى ورفض ان ينحني للظلم حتى ترك فينا درسا لن ينساه الا الذين باعوا اخرتهم بالحياة الدنيا.
ليس غريبا ان نسمع من مزوري التاريخ ووعاض السلاطين ادعائهم ان الحسين قاتل من اجل الخلافة، فماذا كان يصنع حسينا بالخلافة وهي لن تزيده شرفا يكفي ان شرفه الحقيقي هو كونه ابن بيت النبوة، ابن امام مختار و سيدة نساء العالمين .
الامام الحسين اراد تخليص الامة من دنس الاستعباد فهو ليس طامعا بخلافة ولا ان يتسلط من خلالها على رقاب المسلمين وسلب اموالهم، بل كان ذلك هاجس بنوا امية الذين لم يريدوا الا ان يكونوا ملوكا وجبابرة.
الامام الحسين استشهد ولازال البعض لم يدرك لماذا استشهد، فكيف ستعي ذلك وانت لازلت مصرا على السكوت في وجه الفساد والظالمين، وكيف ستعي ذلك وانت تكتفي بالتطبير واراقة الدم التي لن تفيد الحسين في شيء، بل ربما كنت ستصنع معروفا لو قمت بالتبرع بها للمرضى الذين هم في امس الحاجة اليها.
وفي هذا الصدد قال سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله الوارف "اننا نستطيع تحقيق المواساة بفعاليات هادفة كالتبرع بالدم لضحايا التفجيرات الإرهابية والأطفال المصابين بفقر الدم (الثلاسيميا) مواساة لنزف أبي عبد الله (عليه السلام) و لإنقاذ الإنسان وإصلاحه، وإنشاء مؤسسات رعاية الأرامل والأيتام والمحتاجين لمواساة العقيلة زينب (عليها السلام) والهاشميات وأيتام الشهداء بدل مواساتهم بالمشي على الجمر والنار أو تقطيع لحم الظهر بالسكاكين، فتكون تلك المشاريع الخيرية صدقة جارية للإمام الحسين (عليه السلام).
ان لم تستطع استعلاء الحق وضحد الباطل وان تقرر ان لا تكون ضحية لحكم فاسد ولا لمرجع ضال، فاعلم انك لست بمناصر الامام الحسين أبدا.
ان الغالبية العظمى من حكامنا العرب اليوم يسيرون في نفس خط بني امية، لانهم اشبعو ا الناس فقرا ومذلة وجعلوهم يتقممون ارزاقهم من القمامة في حين لايزالوا يظنون ان مجرد الانتماء للاسلام والايمان بكتاب الله شفيعا لهم، وهم ولا يفقهون بان الاسلام دين العدل والكرامة الانسانية، ولعل خير دليل ان الذين قتلوا الحسين واولاده وساقوا بنات رسول الله سبايا الى دمشق كانوا ايضا مسلمين ويؤمنون بالله واليوم الاخر لكن حب الجاه اعمى بصرهم وبصيرتهم.
لقد قال الله عز وجل فيي كتابه العزيز" والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنو وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر والتواصي بالحق هنا هي اظهاره واجلاله والتضحية من اجله....فهل كلنا مضحين للحق ام يا ترى كلنا خاسرون؟؟؟