يخطأ من يُهوّن من تعقيدات الوضع السياسي العراقي اليوم,حيث تتكالب عليه قوى الحقد والاطماع من عدة جهات إقليمية وعالمية إضافة الى الداخلية.كل هذا "بفضل" سياسيات الاحزاب الاسلاموية والتي تحكم البلاد منذ 2003 على أثر تركة كبيرة من القنابل السياسية والتي تركها نظام صدام الاجرامي,فهللت القوى الجديدة لهذا الوضع لتضع العراق في مطب المشاكل السياسية وعُقدها المستمرة ليومنا هذا,حيث تبنت هذه الاحزاب سياسة تقسيم "الكعكة" فيما بينها على أساس المحاصصة الطائفية والقومية المقيتة,ولذلك نجد إن الوضع العراقي السياسي يتعقد أكثر في كل تحول حتى لو كان إيجابياً نادراً فتنبري عندها المطالبات بالحصص وعدم التهميش ومن ثم تتوقف عقارب الساعة السياسية والبدأ من جديد من نقطة الصفر...
الحرب على داعش في أوجها وبالرغم من الانتصارات على مجرمي داعش في كل مناطقه نرى التصريحات الاقليمية مشبعة بالتدخل السافر في شؤون العراق,فهذا أردوغان تركيا ارسل جنوده ودباباته الى داخل العراق متحدياً شعب وحكومة العراق بحجة محاربة داعش مرة ومرة الدفاع عن التركمان في تلعفر وأساس وحقيقة التدخل لا هذا ولا ذاك وإنما ضرب مقاتلي حزب العمال الكردستاني وبموافقة حكام أربيل تحديداً وضرب أكراد سوريا على الجانب السوري بينما في بداية الامر سمح اردوغان للقوات الكردية العراقية في المرور على الاراضي التركية للوصول الى مناطق الاكراد السورية "دفاعاً" عن الشعب الكردي في محاولة مكشوفة للسيطرة على احزاب كردية سورية.العامل الدولي وتحديداً الامريكي الذي تتميز سياسته البرغماتية بغض النظر عما يفعله اردوغان في العراق,مُكرراً تجربة تقسيم جمهورية قبرص,وكلاهما اعضاء في حلف الناتو,ولم تحرك ساكناً بالرغم من قرارات الامم المتحدة ومجلس أمنها.لابل يرسل اردوغان قواته باستمرار الى الحدود مع العراق(مراقبا الاحداث) فيما أذا تجاوزت حشود الحشد الشعبي على تركمان تلعفر!اليوم يُصرّح اسامة النجيفي بضرورة أقامة إقليم نينوى ويعلن عن"خوفة" من اعمال انتقامية ضد اهالي الموصل بنفس طائفي مقيت بدل أن يشد من عزيمة الرجال المحاربين في الاسراع بالقضاء على مجرمي داعش والبدأ بالاعمار والبناء,ولقد كان صوته أقرب الى الخافت قبل ايام الى أن رجع مرة اخرى الى منصبه كنائب لرئيس الجمهورية فبدأ بتغريداته حول الموصل ,وكل ما يقول يريد منه أن يُجنّب أخيه المُدان العقاب والذي هو أحد المسؤولين الذين سلّموا محافظة نينوى الى مجرمي داعش,لكن من هو المسؤول الاول في ذلك؟لا يخفي على أحد أن من ركب رأسه واراد ان يدير العراق بعقلية صدام باسم آخر هو من كان قائداً للقوات المسلحة ,نوري المالكي,حيث كان ضباطه هناك هو من عيّنهم وهربوا بكل جبن وهوان وهو من هرّبهم بعد سقوط نينوى.فهل يعفي الشعب العراقي عن المسؤولين في احتلال مجرمي داعش ثلث مساحة العراق ليسقط الآلاف من المدنيين الابرياء جراء هذا الاحتلال الغاشم وتدمير البنية التحتية للمحافظات المحتلة واستمرار التفجيرات وخصوصاً في بغداد.أما وإن انتصار العراق على داعش وقرب سقوط آخر معاقله في الموصل انبرى النُجيفي لاحياء فكرة الاقليم وخوفه من القتل بالثارات" الطائفية" لتكون تصريحاته مطابقة لتصريحات المجرم اردوغان وتبريراً لاحتلاله اراضي عراقية وسوف يستمر في غروره ما لم يتخذ العراق الخطوات الضرورية في المحافل الدولية لاجباره على الانسحاب واحترام سيادته.
إن قرار المحكمة الاتحادية بشأن ارجاع نواب رئيس الجمهورية الى مناصبهم يبدو إنه قرار قضائي صحيح حسب خبراء القانون لكن كان عليهم أن يشكروا المحكمة الاتحادية لقراراها وتقديم استقالاتهم(كما صرح بذلك المجلس الاسلامي الاعلى) من هذه المناصب بسبب الوضع المالي الصعب الذي يمر به العراق بدل أن يطالبوا بالمخاصصات 5و3 مليار دينار كان الاولى بهذه المبالغ تُخصص لطباعة الكتب للمدارس وتقديم خدمات بلدية أفضل لبغداد ومحافظات اخرى وخصوصاً بعد تصريحات رنانة سابقة بعدم الاكتراث بالمناصب تلك وما أن صدر قرار المحكمة بهذا الشأن حتى تراكض النواب الثلاثة للقاء رئيسهم معصوم ,وتصريحات نواب حزب الدعوة بضرورة صرف المخصصات للنواب,كما قال جاسم محمد جعفر أمس.
مَن يحرس مَن؟ من يحرس ساسة العراق(المنتخبون) الجدران الكونكريتية أم الشعب؟مازالت الجدران الاسمنتية والتي تملاْ العراق في كل محافظاته مشوهةً مناظر المدن ,لو كان ساسة المحاصصة فعلاً منتخبين من قبل الشعب وبدون تزوير لكان الشعب هو من يقف لحمايتهم لكنهم مرعوبون في كل لحظة ويغلقون المناطق متى ما شعروا بتحرك شعبي وان كان بسيطاً وتنزل قوات الشرطة والسوات الى الشوارع وتوضع الاسلاك الشائكة عند كل مدخل للطرق والفروع فزعاً.
العراق يمر في مفترق طرق فأما أن يسير على خطى البناء والاعمار ونبذ المحاصصة المقيتة طائفيا وقوميا وأما ان يتلاشى بين الفرقاء الاعداء ويًقسّم الى دويلات ضعيفة تنهش بها دول الجوار كيفما اتفق والخاسر الاكبر هو الشعب العراقي..ومن هنا تقع المسؤولية الكبرى على توحيد الجهود من قبل كل القوى الخيّرة في العراق تيار ديمقراطي,يساري,مدني ,وكل القوى التي تؤمن بالتغيير الحقيقي والاستمرار في الضغط على القوى التي تمسك بالقرار والضغط على البرلمان لانجاز قانون انتخابي حقيقي منصف وبدون تزوير ارادة الشعب واقرار القوانين الاخرى المعطلة منذ أعوام بسبب تقاطع مصالح القوى المتنفذة الفاسدة,كل هذا يقودنا الى تقوية عود الحراك المدني لتصحيح مسار العراق واسعاد شعبه والعمل المستمر بين الجماهير لتنفض اياديها من الساسة الفاسدين وتتجه نحو البناء الذي طال انتظاره
مقالات اخرى للكاتب