عقيل ذلك الرجل الذي كان من أحبِّ أولاد أبي طالب(رض) على نفسه الطيبة ، وهو من تفاخر به الشاعر العربي جعدة بن هبيرة المخزومي (ابن أم هاني بنت أبي طالب) :
أبي من بني مخزوم إنْ كنتَ سائلا
ومن هاشم أمي وخير قبيل ِ
فمن ذا الذي ينأى عليَّ بخالهِ
كخالي عليٍّ ذي العُلا وعقيل ِ
وتفاخر به الشاعر قدامة بن موسى الجمحي :
وخالي عليٌّ ذو التقى وابن أمِّه ِ
عقيلٌ وخالي ذو الجناحين جعفرُ
ومن مرثية بحق سيد شهداء زمانه جعفر الطيّار(رض) للشاعر حسّان بن ثابت شاعر الرسول الأكرم(ص) :
وما زال في الإسلام من آل هاشم
دعائم عزٍّ لا ترام ومفخرُ
بهاليلُ منهم جعفرٌ وابن أمِّه ِ
عليٌّ ومنهم أحمدُ المتخيرُ
وحمزة والعباس منهمْ ومنهمُ
عقيلٌ وداءُ العُوْدُ مِنْ حيث يُعصَرُ
ويروى؛ إن رسول الله (ص) كان يحب عقيل حبين ..
فقد روى ابن عباس إن الامام علي (ع) قال لرسول الله(ص) إنك لتحب عقيلا ؟
فقال (ص): ((إي واللهِ إني لأحبه حبين ، حباً له ، وحباً لحب أبي طالب له ، وإنَّ من ولدِهِ لمقتول في محبة ولدِكَ ، تدمع عليه عيونُ المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون)) ... ثم قال(ص) :
((اللهم إني أشكو إليك ما تلقى عترتي من بعدي)) ـ أمالي الصدوق :191الحديث 3
ومن أولاد عقيل(رض):
1ـ مسلم ـ (...هج ـ 60 هج) ـ سفير الحسين(ع) وشهيد الإسلام الخالد
2ـ جعفر الأكبر استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
أنا الغلام الأبطحي الطالبي
من معشر في هاشم وغالبِ
ونحن حقاً سادة الذوائبِ
هذا حُسَيْنٌ أطيب الأطايبِ
3ـ عبد الرحمن ـ استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
أبي عقيل فاعرفوا مكاني
من هاشم وهاشم إخواني
كهول صدق سادة القرآن
هذا حسين شامخ البنيانِ
4ـ علي الأكبر استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
5ـ عبد الله الأكبر ـ استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
6ـ عبد الله الأصغر: استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
7ـ عون : استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
8ـ محمد : استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
اليوم أتلو حسبي وديني
بصارم تحمله يميني
احمي به عن سيدي وديني
ابن عليِّ الطاهر الأمينِ
9ـ عثمان : استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء
رثاهم الشعراء بقصائد كثيرة ؛ منها :
عينُ جودي بعبرة وعويلِ
واندبي إن ندبت آل الرسول ِ
سبعة كلهم لصلب عليٍّ
قد أبيدوا وتسعة لعقيل ِ
وقد تألم الامام الحسين(ع) لمصارعهم البطولية ، حتى قال : ((اللهم اقتل قتلة آل عقيل))
وكان الامام زين العابدين (ع) يقول : ((إني لأذكر آل عقيل مع ذكر أبي أبي عبدالله، فأرقُّ لهم)).
ومن أولاده الذين بقوا في مكة أو المدينة المنورة أو توفوا قبل واقعة كربلاء أو كانوا مرضى:
ـ أبو سعيد ـ وكان متكلماً بليغاً كأبيه موالياً لأمير المؤمنين (ع)
ـ يزيد : وكان عقيل يكنى بأبي يزيد
ـ حمزة
ـ عيسى
وكلهم كانوا أبطالاً صناديد ، لا يُشق لهم غبار ، ولا تُكسر لهم كشكيمة ، وهي حال آل أبي طالب!
مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم من نسل إسماعيل بن نبي الله إبراهيم (ع)
قاد فيلقاً في صفين مع عمّه الإمام علي (ع) عام 37 هج في حربه مع معاوية بن أبي سفيان ، لما امتاز به (رض) من صفات ، لعلَّ أهمها :
1. الولاء المطلق للإمام علي(ع)
2. عنفوان الشباب
3. الروح القيادية العالية
4. المكانة المرموقة في المجتمع العربي الإسلامي
في منتصف رمضان من عام60 هج أرسل الحسين(ع) وفداً استقصائياً للحقائق برئاسة مسلم بن عقيل بن أبي طالب(ع) حاملاً إلى أهل العراق بشرى القدوم الرسالي الحقّ.. بشرى أمل انطلاق الحسين(ع) من المدينة المنوّرة إلى الكوفة .. عاصمة دولة علي بن أبي طالب(ع).. ملبياً لله ورسوله ووصيه نداءَ أهل الكوفة: أنْ أقدمْ لنا يا حُسِين ، فنحن مبايعوك خليفة على المسلمين ، إنْ كانوا صادقين !!!؟
وقد ضمَّ الوفد كلاً من :
1ـ قيس بن مسهر الصيداوي
2ـ عمارة بن عبدالله السلولي
3ـ عبد الرحمن بن عبدالله الأزدي
4ـ دليلين مستأجرين من قيس يدلانه على طريق العراق .
وكان أن بعث الكوفيون بجميع طبقاتهم في شعبان عام 60 هج الرسائل إلى الامام الحسين(ع) يحثونه على القدوم ليتولى قيادة الأمّة ، ومن نماذج تلك الرسائل :
((أما بعد .. فالحمد لله الذي قصم ظهر عدوك الجبار العنيد ـ يعني يزيد ـ الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزها واغتصبها وتآمر عليها بغير رضىً منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود.
انه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعه ولا نخرج معه إلى عيد ولو بلغنا انك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله والسلام عليك ورحمة الله وبركاته)).
وكانت بعد البسملة تحمل عبارة ((إلى الحسين بن علي من شيعة علي والمسلمين)) :
(( أما بعد .. فحي هلا ؛ فان الناس ينتظرونك ولا رأي لهم غيرك فالعجل ثم العجل والسلام ))
(( أما بعد .. فقد اخضرت الجناب وأينعت الثمار وطمت الجمام فأقدم على جند لك مجندة والسلام))
(( إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة فأقدم علينا فنحن في مائة ألف سيف فقد فشا فينا الجور وعمل فينا بغير كتاب الله وسنة نبيه ونرجو أن يجمعنا الله بك على الحق وبنفي عنا بك الظلم فأنت أحق بهذا الأمر من يزيد وأبيه الذي غصب الأمّة وشرب الخمور ولعب بالقرود والطنابير وتلاعب بالدين)).
هذه نماذج من العديد من رسائل أهل الكوفة ، أليست هي حجة ظاهرة على الإمام الحسين (ع) بظهور الناصر وقيام الحجة ، الأمر الذي لا يسمح له بعدها أن يتخلف عن تلبية شورى الأمّة ، وهو شأن أبيه الذي قال: ((لولا حضور الناصر وقيام الحجّة ، لتركتُ حبلها على غاربها ...)) .
ولم يكتفِ الحسين(ع) بتلكم الرسائل العصماء، فراح يتحرى الحقيقة من ينابيعها ، فأرسل أخاه وأبن عمه السيد الهاشمي الهمام مسلم بن عقيل (ع) سفيراً متأكداً ومتحرّيا ومطلعاً على الواقع السياسي الحقيقي لأهل الكوفة ، فيما لو كانوا مفتعلين تلك الرسائل استدراجاً لقدوم الحسين(ع) بنيّة الإجهاز عليه وقتله بعيداً عن يثرب مدينة جده الطيبة ( وربّما ؛ بعضها كذلك)أم إنها رسائلُ حقٍّ يُراد بها الحقّ !!!؟
اختار الإمام الحسين(ع) في سفارته ثقته وكبير أهل بيته المبرز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل (رض)وهو من أفذاذ الرجال ومن أمهر الساسة وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف والصمود أمام الأحداث ، فحمل جواب الإمام الحسين(ع) إليهم بما يلي :
(( من الحسين بن علي إلى من بلغه كتابي هذا من أوليائه وشيعته في الكوفة سلام عليكم أما بعد:
فقد أتتني كتبكم وفهمت ما ذكرتم من محبتكم بقدومي عليك وأنا باعث إليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه أمركم ويكتب إلي بما يتبين له من اجتماعكم فإنْ كان أمركم على ما أتتني رسلكم أسرعت بالقدوم إليكم والسلام )).
وصل مسلم (رض) الكوفة بعد عناء مرير وطويل لا تتحمله جمال الفيافي والبطاح الصابرة، حتى حلَّ ضيفاً كريماً لدى المختار الثقفي ، الذي كان من أشهر أعلام الشيعة واحد سيوفهم ومن اخلص الناس للإمام الحسين (ع) وأحبهم له ، كما أنه كان زوجاً لابنة حاكم الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري ، وهذا ما يجعله في مأمن من بطش أعوان يزيد وغدرهم ، وهو أراد هذا لا خوفاً على حياته ، بل؛ لأجل أن يعلن رسالة الحسين(ع) في مكان حصين آمن ، فيؤدي أهدافها بنجاح إلى أهل الكوفة .
ما أن سمع أهل الكوفة بنبأ قدوم سفير الحسين(ع) حتى ابتهجوا في شوارع الكوفة وأزقتها ، دون أن يأبهوا لرغبة مسلم بن عقيل بكتمان سرِّ قدومه، حتى يصل الإمام الحسين(ع).
وأعلن أهل الكوفة بيعتهم إلى الإمام الحسين(ع) على يد سفيره مسلم بن عقيل(رض) بواسطة حبيب بن مظاهر الأسدي(رض)،حتى بلغ عددهم قرابة الأربعين ألفا ـ (تاريخ الأمم والملوك)ج6ص196. وقيل ثمانية عشر ألفا ـ حسب رسالة مسلم إلى الحسين (ع):
(( أما بعد .. فإنَّ الرائد لا يكذب أهله،وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فعجِّل الإقبال حين يأتيك كتابي،فإنَّ الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى))ـ تاريخ الأمم والملوك ج6 ص 224
وعندما وصلتْ يزيدَ بن معاوية أخبارُ مبايعة الكوفيين للحسين(ع) ، سارع باستشارة الروم فنصحه مستشاره السياسي المقرب سرجون الرومي بخلع النعمان الأنصاري وتولية أمر العراق إلى عبيد الله بن زياد (ابن مرجانه) من البصرة ، أملاً بقمع الثورة الشيعية في الكوفة ، وإحباط أهداف الحسين(ع).
فولاّه يزيدُ إمارة الكوفة والبصرة ، وأخضع العراق لإمرته ، فاستبشر عبيدالله وفرح فرحاً غامراً ، ودخل الكوفة متلثماً معتمراً عمامة سوداءَ لكي يوهم أهل الكوفة بأنه الحسين(ع) حفاظاً على حياته ، ولكي يستخبر الأمرَ متوجساً خيفة وارتباك من أهل الكوفة !!!؟
إلا أنه سرعان ما أسفر عن وجهه الجائر الغاضب ، فاستيقن الناس حقيقته المتجبرة التي ستنتقم منهم واحداً واحدا بأشنع أساليب القتل والتنكيل تحقيقاً لرضاء يزيد.
وما أن أحس المبايعون الكوفيون بخطر الموقف السياسي بعد عزل النعمان الأنصاري المسالم وتولي المجرم عبيد الله بن زياد أمر الكوفة ، حتى ضؤل فتيل فورة مبايعة الإمام الحسين(ع) ، فلم يشأ مسلم(ع) أن يحرج المختار في بيته فآثر أن يغادر منزله في جنح من الليل حتى لا يكتشف الأمر جواسيس الأمويين معقل الثورة الحسينية القادمة، وأنتقل إلى بيت الزعيم العربي المسلم المقدام هانئ بن عروة(رض) وكان قائداً قوياً خلفه رجال محبين للإمام الحسين(ع)، فكان بيته (رض) ملاذاَ لأنصار الحسين(ع) ومأوى، لكنَّ عبيد الله بن زياد نفّذ تصفية عاجلة لهانئ بن عروة بعد أن استدعاه إلى قصر الإمارة وغدر به ، وشنت حملة واسعة لاعتقال أقطاب المبايعة في الزنزانات القاسية وتعذيبهم ، فأمست الكوفة موحشة في الليل الأليل الذي لا أليل منه إلا ليلة العاشر من محرم الحرام عام61 هج القادمة ، وكان مسلم متواجداً في بيت هانئ الذي لم تجرؤ على اقتحامه مرتزقة ابن مرجانه خوفاً من مذحج قبيلة هانئ التي لم تصن حرمة زعيمها ، فكيف ستصون حرمة ضيفه الهاشمي الكريم ، فآثر(رض) أن يغادر هذا المنزل تحت جنح من الليل ، حتى قبض عليه الجواسيس وقتلوه(رض) في التاسع من ذي الحجة عام 60 هج، حيث قطعوا رأسه الشريف ورموا بجسده الطاهر من فوق قصر الإمارة ، ليصعد إلى الله روحاً مطمئنة راضية ، وضريحاً ذهبياً يسامق السماء خلودا .
***
المصدر: حياة الشهيد الخالد الإمام مسلم بن عقيل ـ المرحوم الشيخ باقر شريف القرشي(رض)