* جعل هواجس شعره مسكونة بالأحلام
* أشتغل على التكرار في قصائده للوصف و الدلالة التي لا تحتمل التأويل
يحمل عبق الجنوب وشذاه ، ولد في مدينة الفاو 1961 ومنغمس باجواءها وملحها الذي يحمله هاجساً مخزوناً بذاكرته يشعر بالحنين إليه كل حين، بدأ النشر في الكويت في سبعينيات القرن المنصرم ، واصدر مجموعته الشعرية الأولى ( لا شيء لنا) عن دار الأزمنة بعمان 1998 . ثم تلتها المجموعة الثانية في البصرة 2000 وكانت تحمل عنوان (تضاريس)، وتوالى إصدار مجاميعه الشعرية ومنها ( أصفى من البياض) .أقرب ما يكون عبد السادة بشعره من الوجداني الذي يتداخل مع واقعية المشهد ، إلا انه يؤخذ عليه تناوله لأسلوب التكرار ، وله في هذا الموضع جواب شافي .
يقول بتناوله للتكرار في حديث لإحدى الصحف، إنه يذهب الى أكثر من معنى ، والتكرار عنده يعني اختلاف المعنى الضمني ، وإن كانت الكلمة ذاتها هي المستخدمة في النص.
يجسد عبد السادة البصري ما لا يقال عبر تجليات صورة منظورة للجميع، لكن لم يسبق أن تناول أحداً غيره صورته الشعرية بنفس معنى ما أراد، هذا الإسقاط لا يحدث خللاً في شعره بقدر ما يدفع الى التناغم والتداخل المسبوق في سياق الكلمات ، حتى يخيل للقارئ بان التكرار الذي يذهب إليه عبد السادة هو نوع مكرر لا فائدة ترجى منه، أو أنه أراد أن يحشي سطوره بكلمات مكررة تحمل نفس المعنى الذي ذهب إليه شعراء آخرون، وعن موقفه هذا يدافع عن مجموعته ( تضاريس) فيقول : (سألني احد القراء ذات يوم بعد صدور مجموعة تضاريس : ماذا أضفت لهذه الكلمات ، إنها موجودة أمام أعين الجميع ؟ فأجبته : وهل الجميع أشاروا إليها مثلما أشرت أنا ؟ قال : لا .. فقلت له : إذن هذا ما أضفته أنا لهذه الكلمات ).
أعتمد التكرار للدلالة على المعنى، لكنه أغفل حالة السام التي تصيب القارىء من التكرار، كثيراً ما ركز عبد السادة على بيئته التي عاش فيها وهذا يدخل في سياق الواقعية، لكنه قد يأخذنا الى صورة التحامل على البيئات الأخرى إن جرى التركيز عليه وتكراره، استخدم البصري المبهم والغامض من اللفظ حتى ذهب للوصف المتخفي وراء صفة الأشياء، لكنه باستخدامه لتلك الكلمات لم يشأ أن يجعلها لغزاً يلفها الغموض ويترك للقارئ سر فهمها وتفسيرها بل سرعان ما لحق أوصافه وإبهامه للصورة بالتوصيف عبر جلاء غموضها، ما يدخل آبياته في قصيدة (هكذا دائماً) في عداد السهل الممتنع.
تَقَصد التضادات في كثير من آبياته سواء للمقارنة أو الوصف، وجاءت استقلالية تلك الأبيات واضحة جداً للقارئ لكنها تشي بمزيد من التكرار.
كرس الحنين في أبيات عدة من قصائده الى مسقط رأسه ( مدينة الفاو ) التي ظلت تسكن هواجس شعره وأحلامه ما ترك نزعة من الحزن بأبياته التي شكلت صورتها في بعض قصائده
ما يسميه (بوح الوعي الشعري) ، أي ما ينتج عن خزين الذاكرة ليَجسد على شكل كلمات توحي بما في داخل الشاعر من هذا الحنين.
جاءت قصيدته ( هكذا دائماً ) في المجموعة التي تحمل نفس الاسم بتكوينها عبارة عن نسق يحمل من الجمل المكررة والأسماء الكثير، ما يوحي للقارئ إن الشاعر ركز على هذا الوصف للدلالة الواضحة الجلية ، وليس الضمنية، وان اشتغاله على استقلالية المعنى بالتكرار يدل على الحالة الوصفية بدقة صورتها ، ولا تحتمل التأويل والمماحكة . الرجال الرجال الخشب الرجال الخشب الذين وسمتهم الشمس أبرموا اتفاقية مع الطقس في المطر
أعتمد عبد السادة على معان عدة في صياغة قصيدته ليس اقلها تشابك الصور مابين ظرف لغوي ، وصورة ناطقة، وأسماء لأشخاص أو جماد أو حتى معانٍ لفظية تمثلت بموجودات بذاتها، فتزاحمت رؤاه حتى باتت أبياته صورية أكثر منها لفظية ، ثم عرج لإدخال تناقضات ومتضادات ربما لم تنسجم في الظاهر من الوصف ، لكنها انسجمت مع سياق القصيدة لتضع النص في خانة الغريب على الفهم، أو المتناقض في سياق الإدراج .
يقيمون الولائم قرب المواقد ورحلات صيدهم ساعة إذ تهدأ الريح..
وبتداخل معلن ذهب البصري عبر الوصف المكاني لدفع القارىء الى حدود التخيل ليستدرك عبره فنية النص ، فجاءت خيالاته غير محدودة بل واسعة الآفاق مقرونة باستخدامه ظرف المكان والموصوف بصورة متداخلة مع الزمنية المحددة بفعل الأمر وصفة الأشياء بذاتها مجردة دون إيحاء، ليخرج النص عبر وضوح ما طرح شبه متكامل من الناحية السياقية الوصفية، لكنه جاء مشوشاً بعض الشيء إن حسبناه من الناحية الواقعية.
قصيدة عبد السادة البصري لا تدرج في باب الوصفي أو الوجداني ، وهي بعيدة عن الواقعية الوصفية إن جاز لنا تحليلها ، وهي اقرب لقصائد الرموز التي تحمل المبهم من الصور الشعرية وترتكز عليه،ولتشكل منه نمطاً يقرب من الواقع لكنه لا يطلق عليه واقعياً بتصرف السياق الشعري.
عند الباب.. أخلع
عن كتفيك، الشوارع ملاذات الأرصفة بطاقة التموين الجريدة، بقايا قصائد متناثرة، الأقاويل
بكائيات منتصف الليل، أعقاب السكائر الاعتقالات
هناك اتجاه تستشف معانيه بصورة واضحة نحو المفتوح او التخيل أو بمعنى أدق نحو الحلم ، واتخاذه معبراً يشكل منه الناتج اللفظي في القصيدة بمعالجة قد تحمل التزاوج في المعنى لتصل الى الدلالة الحسية لما أراد الشاعر ، وبتفاعل حواري متسع المساحة توضحت البينة من استخدام الكلمة بدالتها الفعلية لرسم صورة النص الشعري ، ففرضت ما يريده البصري في رأوه عبر خطابه الحالم. أسماء الدلالة ( طاولة العمر – امرأتي – بيتا ...- الشجيرات – العصافير – طفلي ) كانت شخصية بقدر ما يفكر الشاعر ، أو بقدر ما تحتويه بيئته من أحلام ربما هي هاجس جمعي، لكنها تعبر عن مشاعر شخصية حملها في قصيدته ليضفي عليها واقعية وجدانية محببة ، تدور بحبكة جميلة لتخلق جواً من التعايش مع القصيدة دون قصديه أو حتى معرفة الشاعر أو أسلوبه ، والذهاب معه الى أبعد حدود التعاطف ، وما يعطي شعره بعداً يضاف للبصري ، ربما لم نجده عند غيره ، رسم عبد السادة بعده الخيالي عبر قصيدته ليذهب الى سيناريو بكلمات قليلة معبرة تحمل من المعاني أكثر من صورة أو مساحة الحجم الذي تشغله على الورق ، صورة خيالية مبدعة ، أنقذ بها عبد السادة قصيدته مما لصق بها من حكم التكرار، وأخرجها الى الواقعية الوجدانية بدقة وصفية متناهية . على طاولة العمر افترشت امرأتي أحلامها رسمت، بيتا وشجيرات وعصافير كبر البيت وازدانت الشجيرات بالورد وزقزقت العصافير راحت في غفوة، لم تصح منها ألا وطفلي الصغير يصرخ ماما..ماما
مقالات اخرى للكاتب