نوع جديد من الكتابة الصحفية
قبل أن تسقط في التاريخ.. مانشيتات سريعة للحظة عابرة
لقاء سريع مع الزميل عبد الغني علي يحيى
هل هي ومضة، ضربة، فكرة، خبر..؟ إنها تحتمل كل ذلك.. يمكن عدها خبرا فهي لجهة راهنيتها تصلح لأداء وظيفة الخبر، في الوسع النظر إليها كضربة فهي تختار المكان الموجع وتسدد إليه، ويمكن أن تكون ومضة فهي تبرق بسرعة الضوء. يمكن القول أنها فكرة لأنها تعتمد على وضع الحدث في سياق محدد من الرؤى والأفكار والاستنتاجات..؟ ويمكن في بعض الحالات التعامل معها كمزحة فهي تتوفر على روح الدعابة والهزء. هذا النوع من الكتابة لا ينبع من ردة فعل مباشرة على الحدث، إنه مزود بذاكرة وخبرات وتجارب تضفي عليها قدرا من العمق الضروري إلى جانب الإختزال.
في حوار مع الزميل عبد الغني علي يحيى سألته عن أسباب تمسكه بهذه الطريقة في الكتابة، رغم النقد الذي وجه إليه من لدن بعض الزملاء. أجابني أن التجربة برهنت أن هذه الكتابة هي الأنسب والأكثر مقروئية في هذا الوقت بالذات.
الصحفي: أنت تقرر ذلك بكيفك..؟
عبد الغني: لا ليس بكيفي، لكنني أستقريء ردود الفعل بالأرقام، في أول محاولة قمت بنشرها في النت، تلقفها في حدود علمي عدد (5) مواقع، وبعض الصحف المحلية، منها صحيفة النبأ، الآن تجاوز عدد الجهات الناشرة لهذه الكتابة التي أمكن رصدها الـ40 جهة. بينها صحف ومجلات ومواقع وصحف الكترونية. تجربة هذه الكتابة مشجعة جدا. والأصوات المطالبة بالاستمرار بهذه الكتابة أعلى بكثير من الأصوات الناقدة. وأنا بطبيعتي لا أقف مطولا عند الذين لا يفهمونني بل أمضي إلى الاستمتاع والاستمرار بعملي. أتذكر تشيخوف لما وجهوا اللوم له بسبب كتابته للقصة القصيرة، أجاب لو أستطيع لكتبت القصة بعشرة أسطر.
الصحفي: كيف بدأت هذا النوع من الكتابة..؟
عبد الغني: البداية تعود إلى تسعينات القرن الماضي، وقتها كنت أعمل في جريدة الاتحاد، وكان عندي عمود يومي، وكنت أيام الجمع بسبب الاستعجال أكتب عمودي بهذه الطريقة، أختزل أكثر من موضوع بأقل عدد ممكن من الكلمات، ويومها كان بعض الزملاء يعبر عن ارتياحه، ويطلب مني الاستمرار يوميا بهذا النوع من الكتابة.
الصحفي: ولماذا الآن بالذات عدت إلى تجربة هذه الكتابة بكيفية متواترة أسبوعيا..؟
عبد الغني: في الماضي كانت هذه الكتابة بسبب ضيق الوقت لدي وكثرة مشاغلي، أما هذه الأيام فأنا أخطط لتكريس هذا النوع من الكتابة الصحفية بوصفها لونا جديدا من ألوان الكتابة، أو منتج إعلامي جديد، يتناسب مع هذه اللحظة التي تعيش آنيتها المثقلة بالمشاغل حد التوتر، وإذا كانت ارتبطت أولى محاولاتي بضيق الوقت لدي، فإن مروق الزمن المتسارع هو أبرز ملامح هذه اللحظة، فلم تعد الساعات الـ 24 كافية، والوقت ضاق على الناس. أتذكر كانت إذاعة صوت أميركا تبث تعليقا يتناول أهم الأحداث بعد نشرة الأخبار في دقيقة واحد.
الصحفي: ألاحظ أن تجربتك في الكتابة المختزلة تكتسب شيئا فشيئا طابعا محددا، وهي تتبلور مرة بعد أخرى بطريقة واضحة..؟
عبد الغني: في العموم لم تتغير فكرة الكتابة كثيرا، لكن الممارسة اليومية جعلتني أبلور أفكارا كثيرة، وأضيف إليها الخبرات المتوالدة عن الممارسات، وأغنيها بما تردني من ملاحظات الأصدقاء والزملاء. إنها كتابة تنتمي إلى لحظتنا التقنية التي صار الزمن فيها صفرا.
الصحفي: بعض النماذج التي كتبتها أتخيلها بحاجة إلى رسم كاريكاتير فهي تشبه تعليقا على رسم كاريكاتوري، أو أنها فكرة لرسم كاريكاتوري، وهي بحاجة إلى قوة تركيز واختزال غير عادية لبلورتها في نص قصير ومحدد..؟
عبد الغني: هذا الوصف يقترب إلى حد بعيد من فكرة الكتابة المختزلة التي أمارسها، وأود أن أضيف إنها ليست دائما من نوع الكاريكاتور الساخر، لكنها على الدوام كتابة ناقدة، كاريكاتور تعبيري مرسوم بالكلمات، لو كنت أمتلك أدوات الرسم ربما كنت فضلت التعبير بالرسم على التعبير بالكلمات، أو كنت سأرسم شيئا إلى جانب الكلمات.
الصحفي: أود أن نتفق على تسمية لمخلوقك الصحافي الجديد، ماذا تقترح أن نسميه..؟
عبد الغني: إنها كتابة في شكل برقي، نوع من الخدمة الصحافية التي لا تستهلك من القارئ طويل وقت، ربما هي مانشيت يختزل سرد الحدث في بضع كلمات، مانشيتات مبرقة، عناوين أو بوابات للحظة قبل انفصالها وسقوطها في التاريخ. ألم يقولوا أن الصحافة هي النسخة الأولى للتاريخ، هذا النوع من الكتابة هو مانشيت سريع لنسخة التاريخ قبل أن تصبح تاريخا. هذا هو التوصيف لهذا النوع من الكتابة، أما عن التسمية فأنا لا أميل إلى إبتكار اسم محدد وجديد لها. إنها كتابة مختزلة، سرد مكثف، مانشيت للحظة قبل أن تسقط في التاريخ. وأنا غالبا ما أكتب تحت عنوان بسيط: خبر ورأي. رغم شعوري أن هذا العنوان غير دقيق. ولا يفي هذه الكتابة حقها من الفهم.
الصحفي الصحيفة المركزية لنقابة صحفيي كردستان