كنت من المعترضين على اولئك الذين يتحدثون بسوء عن ما يسمى بالمرجعية العليا في العراق و كثيرا ما كنت احاول ثنيهم عن التشكيك بمواقف تلك المرجعية و وضع علامات الاستفهام امام سكوتها و غالبا ما كنا ندخل نقاشات لطالما اعتقدت انها عقيمة لا يجنى ثمرة من ورائها.
فوجئت كما فوجيء الكثيرين من الموقف الاخير حول قانوني الاحوال والمحاكم الجعفريين من الحاشية المحسوبة على السيستاني بل و لنفس السيستاني الذي لم يدرأ الشبهة عن نفسه فوجئت بردهم الذي نشر على موقف السيستاني و الذي الصق عنوة بأسم احد المقربين من المرجعية و كان الرد بمثابة الصاعقة علي و على كثير من المنصفين ربما من الذين قرأوا هذا الرد كونه يحوي اشكالات و يفتح الباب لتساؤلات اكثر مما يجيب و سأحاول ان أسلط الضوء على بعض نقاط الضعف فيه:
1- قال في النقطة الثانية من الرد (ان المرجع الديني الاعلى قد دأب كما يعلم بذلك كل متتبع لمسيرته خلال السنوات العشر الماضية على العمل بالاسلوب المناسب لتحقيق ما يتطلب تحقيقه موافقة مجلس النواب من القوانين والتشريعات متى وجد الارضية الصالحة لذلك بلا ضجيج اعلامي و من دون المواجهة مع الاخرين) اقول و هل كان في القانون الجعفري فيه مواجهة مع الاخر او ليس اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام اكثرية في مجلس النواب و القانون بحسب ما اخبرت لا يحتاج سوى الى موافقة الاغلبية البسيطة بمعنى نصف عدد النواب الحاضرين في الجلسة زائدا نائب واحد و هو ما متحقق في كتلة التحالف الوطني ذات الاغلبية في مجلس النواب و كذا في مجلس الوزراء, ثم ان القانون يتيح لابناء الديانات و المذاهب الاخرى الاحتكام لهذا القانون او للقانون السابق و هذا هو احد مرتكزات الديمقراطية و هو حرية الاختيار فلماذا يحجم السيستاني او حاشيته او وكلائه او مقربيه عن دعم القانونين المذكورين ام ان وراء الاكمة ما ورائها؟
2- قال في النقطة الرابعة من الرد (ان كل من له اطلاع على وضع مجلس النواب يعلم انه لا يمكن تمرير القوانين المهمة فيه الا بالتوافق بين الكتل الكبيرة و من المؤكد ان بعض الكتل الرئيسة لا توافق على اقرار قانون للاحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري و قد صرح بذلك العديد من اعضائها وذلك لعدة اسباب من اهمها ان المادة 246 من مسودة القانون تنص على انه (تسري احكام هذا القانون على العراقيين بناء على طلب المدعى او وكيله) و هذا يعني ببساطة ان القانون المذكور سيطبق على غير الشيعة من اهل السنة والمسيحيين و غيرهم متى وقع التنازع بين الشيعي وغيره و طلب صاحب الدعوى الشيعي تطبيق القانون الجعفري أي ان لهذا القانون مساسا بحقوق سائر المكونات من ابناء الشعب العراقي ) اقول جوابا على ذلك:
أ- انكم تعترفون ان وزير العدل جلب القانون الى مكتب السيستاني قبل عام ليأخذ رأيه فلماذا لم تخبروه بأن هذه المادة تمس حقوق الاخرين ويجب حذفها او تعديلها و سيتقبلها الوزير قطعا لانه جلبه ليأخذ رأي السيستاني.
ب- اذا كان وكيل السيستاني السيد عبد الحكيم الصافي قد عمل على قانون مشابه و لم يوفق فيه فهذا يعني ان السيستاني يوافق من حيث المبدأ على القانون اليس كذلك(راجع النقطة3) و لو فرضنا ان القانون الذي اعده السيد عبد الحكيم الصافي عرض على مجلس النواب و رفضه بعض النواب فهل يا ترى سيقف السيستاني في الانتخابات من هولاء الذين رفضوا فقه محمد وال محمد على حد سواء؟
ت- لماذا لم يوجه السيستاني التحالف الوطني للعمل على اقناع بقية الكتل لاقرار القانونين هل الامر مستحيل الى هذا الحد بحيث يقول ان من له اطلاع على وضع مجلس النواب يعلم انه لن يمرر و هل الامر لا يستحق المحاولة لتمرير القانونين في مجلس النواب لكي يبرأ المرء ذمته على حد تعبير رسالتكم العملية؟
3- في النقطة الخامسة يقول ان وزيرة المرأة لم يسبق لها الاتصال واخذ رأي السيستاني حول الموضوع و لكنها عادت و بعثت رسالة تستعلم موقف السيستاني حول القانونيين بعد الجلسة , اقول وهل حصل الرد على تساؤل وزيرة المرأة ام لم يجاوب كما في غيره من الاسئلة التي حيرت الكثيرين و لم تجد جوابا؟
4- و يقول في نفس النقطة الخامسة ان وزير العدل بعث بمشروعي القانونين عام 2012 و لكنه لم يتصل ليستفسر عن رأي السيستاني بعد ذلك حتى خرج بمؤتمر صحفي اعلن فيه انه انجز القانونين, و هنا أسأل لماذا لم يبادر مكتب السيستاني للاتصال بالوزير الذي قدم القانون قبل عام لكم ليوضح له رأيه وملاحظاته عليه.
5- في النقطة السابعة يقول (ان المرجعية العليا تدعم أي مشروع قانون يخدم الشعب العراقي و يساهم في تحقيق تطلعاته اذا وجد الارضية الصالحة لاقراره و لا يهمها من يكون هو مقدم المشروع و اما مع فقدان الارضية الصالحة لذلك فتمتنع عن الزج بنفسها في امر لا يستتبع الا مزيدا من الجدل العقيم) و هنا ارجو ان يوضح لي ما هي الارضية الصالحة المقصودة هنا؟
و متى تتحقق و هل علينا ان ننتظر ان تتحقق ارضية صالحة على حد تعبيرك لكي نقر القانون
اعتقد ان غياب مبدأ الرقابة من قبل الامة على المرجعية و عدم وعي مسؤوليتها تجاه القيادة هو الذي اوصلنا الى الحال الذي جعل المرجع الذي أمضى دهرا من عمره يدرس ويدرس فقه محمد وال محمد يرفض جعله واقعا و تطبيقا حيا ليرفع جزءا من ظلامة هذه الامة وعيشها تحت ظل قوانين بائسة وليرجع هذا الفقه مدسوسا في الكتب و المجلدات التي تعفنت في اقبية و سراديب النجف.
مقالات اخرى للكاتب