من أكثر شعارات نظام البعث في شقيه العراقي والسوري سخرية (البعث مدرسة الأجيال )، ذلك الذي حاولوا طبعه في أذهان الناس وإيهامهم بأنهم امتداد لفكرة الرسالة الدينية المحمدية، على اساس إنهم حاملو تلك الرسالة والمبشرون بإعادة الإمبراطورية العربية تحت مسمى دولة البعث وشعاراتها المعروفة، وطول ما يقرب من نصف قرن ذهب ضحية تلك الشعارات مئات الآلاف من البشر في كل من سوريا والعراق، تحت عجلات نظامهم الدكتاتوري ومدرستهم الإرهابية، التي اعتمدت إيديولوجيا مهجنة وظفت فيها العقيدة الدينية لاستخداماتها القومية، خاصة في الشق العراقي الذي اعتمد ما سمي في حينه بالحملة الايمانية على مقاسات قومية وبأساليب وسلوكيات تنفذها القاعدة وداعش اليوم.وقراءة سريعة لمعظم الشعارات التي رفعت خلال النصف قرن من حكم هذا الحزب، ندرك هول ما حاول إنتاجه وبشر به خاصة مقولة رئيسه حينما شعر بالخطر في إزالة حكمه، حيث قال أنهم لن يستلموا العراق إلا حفنة تراب، وفعل الرجل ذلك من خلال مجموعات تم تنظيمها بعد سقوط هيكل نظامه الإداري، تحت مسميات عديدة لمقارعة المحتل الأمريكي تارة، أو من خلال الاندغام أو الاندساس في الأحزاب الدينية الشيعية والسنية والعمل من خلالها، وقد نشرت في حينها وثائق مهمة عن أوامر من قيادة صدام حسين وأجهزته الخاصة إلى معظم كوادرهم (العقائدية) بالانضمام إلى تلك الأحزاب، وقسم آخر ولاسيما رجال المخابرات والأمن والاستخبارات والحرس الخاص والجمهوري بتشكيل منظمات (مقاومة) للمحتلين والتنسيق مع القاعدة ومن ماثلها من المنظمات العالمية للإرهاب.ويتذكر العراقيون قبل سقوط النظام السابق بأسابيع تصريحاتهم بشأن توافد الآلاف من الفدائيين (الانتحاريين) العرب والمسلمين الذين فتحت لهم معسكرات إيواء بانتظار بدء الحرب للقيام بإعمال انتحارية، وحقا أظهرت وسائل إعلام البعث آنذاك عمليات انتحارية لمتطوعات ومتطوعين قادمين من الدول العربية والأجنبية، قاموا بها مع أول دخول للقوات الأمريكية في جنوب البلاد وغربها، وفي حقيقة الأمر كان هؤلاء من أعضاء القاعدة والتنظيمات الدينية المتطرفة الأخرى التي نسق معها نظام صدام ومن بعده بشار الأسد لإرباك الأمريكان وتخريب أي محاولة لبناء نظام ديمقراطي، وتدمير كل ما تستطيع أن تصل إليه أيديهم، وهذا ما حصل حقا، حيث نرى الدمار الشامل لمدن سنجار وزمار وجلولاء والسعدية والمقدادية والرمادي وتكريت وبيجي في العراق وفي سوريا كل المدن والبلدات التي طالتها المعارضة السورية ووصلت إليها داعش فمسحتها من الأرض!يقينا هناك حبل سري يربط مشهد آلاف الجثث التي رميت في شوارع بغداد والموصل وكركوك من المعارضين للبعث مع أول أيام انقلاب شباط 1963م، وبين مشاهد حرق حلبجة وكرميان وبادينان والأنفال والمقابر الجماعية، واخيرا ما يفعله الجيل الجديد للبعث المسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، لتكتمل الصورة مع ظلالها في أفعال وممارسات الميليشيات في بغداد وغيرها من المدن العراقية والسورية، حيث السلوك الإرهابي ذاته الذي مارسته عصابات الحرس القومي وسرايا الدفاع ومنظمات سيف وفدائيو صدام والحرس الخاص وعشرات التنظيمات الفاشية التي انشطرت وتكاثرت من هذه المدرسة عبر عشرات السنين في الفكر والسلوك.حقا كانت مدرسة الأجيال للإرهاب والسادية والخراب، وتميزت داعش ووصيفاتها بتخرجهم من هذه المؤسسة بتفوق كبير!
مقالات اخرى للكاتب