العراق تايمز: يلفت الكاتب العراقي سليم مطر انتباه قراءه من خلال مقالته الجديدة والتي يمكن اعتبارها كرسالة وجهت للشعب السوري على وجه الخصوص، خاصة و ان سوريا حاليا تعيش اوضاعا مأساوية في ظل نيران "الثورة" التي لم تخمد بعد، وقد نبه سليم مطر في هذا المضمار حول الخطة التي وصفها بالجهنمية والتي يتم الترتيب لها في كواليس البيت الابيض الامريكي والرامية الى خلق دولة عليلة تتطاحن فيها الطوائف ويتقاتل فيها ابناء الشعب الواحد وهي الخطة نفسها التي تم بلورتها في العراق والتي تعيد نفسها اليوم في سوريا.
لقد أطلق الكاتب سليم مطر على الدولة السورية بدولة الاقطاب المتصارعة، والتي يتأرجح فيها الصراع بين الثلاثي: العلوي، السني والكردي كونه سلط الضوء على التوزيع اغير العلني للسلط على هذه الاقطاب بطريقة بحيث تكون متساوية في قوتها رغم اختلاف النسب السكانية والامكانات الواقعية.
وفد تساءل مطر عن سبب حفاظ القوى الغربية الامريكية والاسرائيلية على وحدة بعض الدول مثل تركيا ومصر، وكذلك بلدان الخليج والسعودية وشمال افريقيا و استهداف سوريا والعراق فقط، ثم أجاب بان دول الغرب على اتم المعرفة بتاريخ المنطقة وتدرك ان العراق وسوريا، هما مركز الشرق الاوسط جغرافيا وسياسيا وسكانيا. وجميع المشاريع الحضارية الدينية والسياسية والثقافية والامبراطورية التي قادت الشرق الاوسط خلال آلاف السنين نبعت من هذين البلدين. ومن دون اضعاف هذين البلدين لا يمكن ابدا السيطرة على الشرق الاوسط.
نص المقالة:
ايها السوريون، هذه هي الخطة الامريكية التي تنتظركم / سليم مطر
حسب النموذج العراقي: دولة الاقطاب المتصارعة الثلاثة، علوية وسنية وكردية!
جميع المعنيين بالوضع السوري، يستغربون موقف امريكا واوروبا ((المتردد)) بحسم الوضع السوري، لصالح المعارضة او لصالح النظام؟!!.
والحقيقة ليس هنالك أي (تردد) ابد ابدا ابدا، وكل الايحاءات والتصريحات الغربية بهذا التردد هي مجرد فبركات اعلامية ودبلوماسية من اجل اخفاء الخطة الجهنمية التالية:
ترك الوضع السوري يتعفن ويتعقد اكثر واكثر، لجعل الاطراف المتحاربة تستقوي وتتطرف من دون السماح بأي طرف ان ينتصر بصور تامة. والغاية المطلوبة تنفيذ ذات الخطة التي سبق وان نفذت بكل جهنمية وشيطانية في العراق:
تدمير سورية دولة ووطن وشعب وجعلها مريضة كسيحة لفترة طويلة قادمة من خلال خلق ثلاث اقطاب متصارعة:
ـ القطب العلوي ومعه باقي الاقليات المسيحية والدرزية والاسماعيلة. والذي يسيطر على العاصمة ومدن الساحل.
ـ القطب الكردي والذي يسيطر على شريط البلدات الكردية المحاذية للحدود التركية، وهذا الامر قد تم تنفيذية منذ العام الماضي بالتعاون التام مع ميليشيات البرزاني في شمال العراق، بحيث تم تكوين ادارة كردية برزانية منفصلة في هذا الجزء السوري.
ـ القطب السني والذي يسيطر خصوصا على محافظات شرق وشمال سوريا مثل الجزيرة وحمى وحلب.. التجربة العراقية.
علما بأن هذه الخطة سبق وان نفذت بشكل جهنمي شيطاني في العراق بالشكل التالي:
الابقاء على العراق موحدا، ولكنه ضعيفا مريضا مقسما بين ثلاث اقطاب: شيعية وسنية وكردية.
وهذا الوضع العراقي المريض المتفجر المتأزم على الدوم يجب ان يبقى لحين الانتهاء من التنفيذ الكامل للخطة الامريكية في الشرق الاوسط، وبالذات تغيير الوضع في سوريا على الطريقة العراقية، كذلك ارغام ايران بالموافقة الكاملة على دخول الحضيرة الامريكية.
ومن اجل الضمان التام بمنع أي اية محاولة من قبل أي قطب بتجاوز حدوده المرسومة له، فقد قام الامريكان بتقسيم السلطات لصورة غير علنية ورسمية على هذه الاقطاب بطريقة بحيث تكون متساوية في قوتها رغم اختلاف النسب السكانية والامكانات الواقعية. وقد حرصت الخطة الامريكية على التوزيع العقلاني لأهم واخطر سلطتين: العسكرية والاعلامية. بالعسكر تسيطر على البدن والسكن، وبالاعلام تسيطر على النفس والعقل. وحسب التالي:
ـ الشيعة لهم الدولة كلها ولكن بدون اعلام: بما انهم يمثلون اكثرية السكان، فمن الطبيعي ان يسيطروا على الدولة والاجهزة التنفيذية، وبالذات العسكرية والمخابراتية وكذل الاقتصادية(المالية النفطية). اما السلطة الاعلامية فقد تم الاتفاق على حرمان الشيعة منها بصورة شبه كاملة ومنعهم من الاقتراب منها الا بصورة محدودة ومشوهة. والسبب لأنهم يمتلكون الشارع والحشود المليونية والنخب الثقافية والاعلامية الجاهزة. ولو سمح لشيعة العراق ببناء المؤسسات الاعلامية العصرية والكبيرة فأن هذا يعني بكل بساطة سيطرتهم الاعلامية(النفسية والعقلية) ليس على العراق وحده بل على المنطقة بأكملها، مما يؤدي الى تخلخل وتخريب كل الاستراتيجية الاعلامية الامريكية ـ الخليجية الهائلة التي فرضت نفسها على المنطقة خلال السنين الاخيرة. والذي يثير العجب في هذا القرار، انه حتى ايران متقيدة به، فهي غائبة تماما عن أي نفوذ اعلامي في المنطقة!.
ـ الاكراد لهم البيشمركة واعلام الوطن كله: اما القطب الكردي، فرغم منحه السلطة الكلية على المنطقة الكردية والكثير من مناطق الشمال الاخرى، الا انه في الواقع يبقى ضعيف عدديا واقتصادية واستراتجيا وعسكريا وحتى ثقافيا وتاريخيا وروحيا، وبالتالي فأنه عرضة سهلة للذوبان في باقي الوضع العراقي، بالاضافة الى سهولة اجتياحه من قبل الدولة العراقية بماكنتها العسكرية والبوليسية والاقتصادية.
لهذا فقد تم الاستفادة من التجربة الاعلامية الاسرائيلية والخليجية والتي اثبتت بأن أية قوة مهما كانت ضعيفة في ارض الواقع، فأنها تستطيع ان ترهب وتضعف اية قوة منافسة مهما كانت متمكنة ماديا وواقعيا، من خلال سلاح الاعلام ( الارهاب الثقافي النفسي)! نعم ان سلاح الاعلام لو حسن استخدامه فهو اقوى من سلاح العسكر والاقتصاد! لهذا فأن الامريكان حتى قبل اجتياح العراق في 2003 قد استعانوا بالمستشارين الاعلاميين الاسرائيليين لبناء شبكة كبيرة من المؤسسات الاعلامية العراقية الصغيرة والكبيرة في الخارج والداخل، بحيث تكون بغالبيتها الساحقة مرتبطة بدرجات متفاوتة بالحزبين الكرديين، وبدرجة اقل بالقطب السني ـ الخليجي. وعلى رأس هذه المؤسسات الاعلامية الجبارة: مؤسسة المدى ومؤسسة الزمان، بالاضافة الى الدور المباشر لمحطة الجزيرة في دعم المشروع التقسيمي الطائفي السني والقومي الكردي.
ـ السنة لهم اعلام الخليج ومنظمات الارهاب: اما القطب السني، فانه ايضا يعاني من الضعف السكاني والاستراتيجي، ثم انه بعد حرمانه من الجيش والمخابرات السابقين، فقد اصبح اعزلا من السلاح. لهذا فقد تم تعويضه بناحيتين:
ـ اعلاميا، بصورة غير مباشرة من خلال الماكنة الاعلامية السعودية الخليجية(الجزيرة والعربية وغيرها) بالاضافة الى جزء من امبراطورية البزاز.
ـ عسكريا من خلال (المنظمات الارهابية) التي تمارس دورا اساسيا باضعاف القطب الشيعي كلما حاول ان يتجاوز حدوده المرسومة له. وهذه المنظمات غالبيتها وهمية او حقيقية ولكن مخترقة من قبل مرتزقة امريكا والاكراد والسعودية. وهي تنسق عملياتها بصورة مباشرة وغير مباشرة مع القيادة الامريكية. ويتم تسهيل عملها من قبل القيادات الحكومية الشيعية نفسها مجبرة او راضية !!.
لماذا العراق وسوريا؟!
ثمة سؤال معقول يفرض نفسه: لماذا تسمح امريكا واسرائيل وعموم الغرب، بقيام انظمة موحدة شبه مستقرة في باقي دول الشرق الاوسط، مثل تركيا ومصر،وكذلك بلدان الخليج والسعودية وشمال افريقيا.
بالحقيقة ان دول الغرب بحكم معرفتها الجيدة بالعصر الحديث وكذلك بتاريخ المنطقة، تدرك جيدا الحقيقة الخطيرة التالية: ان العراق وسوريا، هما مركز الشرق الاوسط جغرافيا وسياسيا وسكانيا. وجميع ىالمشاريع الحضارية الدينية والسياسية والثقافية والامبراطورية التي قادت الشرق الاوسط خلال آلاف السنين نبعت من هذين البلدين.
ومن دون اضعاف هذين البلدين لا يمكن ابدا السيطرة على الشرق الاوسط. وهنا يكمن سر التحالف العجيب بين هذه القوى التي تبدوا خارجيا مختلفة: المعكسر الامريكي ـ الاسرائيلي ـ الاوربي مع معسكر الاسلام الوهابي القطري ـ السعودي.
لانها جميعها لها مصلحة بالتدمير الكامل للعراق وسوريا دولة وشعبا وووطنا. مع ابقاء كل منهما موحدا لان التقسيم والتشرذم يؤدي الى شرذمة المنطقة كلها وفلتانها التام، ولكن ايضا مع الابقاء على كل منهما هشا مريضا تتقاسم دولته وشعبه اقاسام ثلاثة متصارعة تتحكم بها جميعا امريكا والخليج واسرائيل.
الخلاص
على جميع النخب العراقية والسورية وكل من له ضمير انساني ووطني، ان تدرك بأن سياسات العنف والحرب والتدمير والتعصب القومي والطائفي، مهما كانت حسنة نية ومشروعة آنيا، الا انها رغما عنها تخدم خطة تدمير الوطن واضعافه.
أن خلاصنا من هذه المؤامرة لا يتمثل بانتظارنا رحمة الامريكان والقوى الاقليمية، بل بوعينا نحن وتمسكنا بهويتنا ووطننا وكرامتنا، وكفاحنا السلمي والثقافي من اجل دراسة عوامل ضعفنا الثقافية والتاريخية وكذلك فضح الاحزاب والقيادات الخائنة والمتآمرة.