الخالص، قصبة من أعمال محافظة ديالى، وهي مدينة معروفة للعراقيين جميعا، فلا طريق لنوروز، ولا طريق للمصايف، ولا طريق للاعياد، ولا طريق لكردستان الا عبرها، ولأنها طريق الناس من شتى المشارب فانها ميناء برّي بامتياز، وتحمل أخلاق الموانئ، ومن أخلاق الموانئ الانفتاح والتحضر والتماشي مع العصرنة والتأثر بالجديد ـ أو الاصح ـ تقبل الجديد، فما بالك اذا كان الميناء على مرمى عصا من العاصمة، وهكذا هي الخالص أو "دلتاوه" على سنّة كلام الختيارية من أهلنا.
وتفتخر الخالص أن لها ومنها قرية أبية هي "جيزاني الجول" التي حملت بشرف كنية "حلبجة العرب" لان النظام السابق قصفها بالطائرات أوائل الثمانينات، ورشها بالمبيدات الكيمياوية، فطال البشر والبهائم والزرع، وكان شبابها ـ جميعهم ـ اسلاميون وشيوعيون وفرارية، ولانها أبية فهي لا ترضى أن يأتي مقاولو الانتخابات ويحوّلونها الى مزاد رخيص، ويجردونها من هويتها التي تفتخر بها، فهي لا ترضى أن تتعارك الكتل المرشحة لاستمالتها وتلعب على المشاعر الصادقة للمواطنين المغلوبين على أمرهم ودهرهم.
فهل ترضى المفوضية، وحتى لو رضيت، وهل يرضى القانون، وحتى لو رضي، فهل يرضى الامام الحسين، والكل موقن ومتأكد أن الامام الحسين أسمى وأرفع وأنزه وأعلى من أن يستغل صغار المرشحين حبّ الحسين ليحجزوا للمواطنين السيارات مجانا، والفنادق في كربلاء مجانا، لمجرد أن انتخابات مجالس المحافظات على الابواب، فالحسين الكبير الذي ركل كرسي الخلافة لا يزكي المتكالبين على مقاعد مجالس المحافظات، حتى لو حجزوا كل السيارات التي تحمل أرقام العراق وجيرانه، لانهم يحجزونها حبّا بالكرسي وليس حبّا بالحسين ومأثرة الحسين، فالحسين ثار ضد الطغيان والاستبداد والفساد، ثار ضد الكرسي.
فما هكذا يكون الترشيح، ولا هكذا يكون الانتخاب، ولا هكذا يكون التنافس، فالتنافس بقدر ما يحتاج الى البرنامج والحجة والبيان والصدق والمقبولية والموقف فهو يحتاج الى اللطف اكثر من حاجته الى كسر عظم، لان الانتخابات هي عملية سياسية لخدمة المواطنين وليست حربا، وهي مناسبة للمباراة ووسيلة للاعلان وليست مناسبة للخداع ووسيلة للتسقيط، ولنا من الماضي القريب دروس وعبر وقصص ما أحوج سياسيينا التجار أن يعتبروا منها، ففيها شيء من شروط التنافس الشريف.
مرة، نظم الجواهري قصيدة حيّا فيها مزاحم الباجه جي ومطلعها:
كيفما صورتها فلتكن
أنا عن تصويرة الناس غني
فلم يرق الاطراء هذا للفريق المنافس، فريق جعفر أبو التمن، ومنهم نوري ثابت (حبزبوز) الذي كان ينشر في جريدة (الكرخ) لصاحبها الملا عبود الكرخي وله صفحة باسم (خجة خان)، فكان ان حشد جماعة من الشعراء الفكهين فأعانوه على معارضة قصيدة الجواهري بأبيات هي:
كيفما صورتها فلتكن
انها طبخة طاه أرعن
غاية الشعر لديكم أكلة
فإلفح التشريب ملء اللكن
اترك (الباجة) لاتلهج بها
ليست (الباجة) مثل (التمن)
مقالات اخرى للكاتب