يُعزى نجاح الشركات أو فشلها في غالب الأحيان إلى المديرين التنفيذيين فيها، والذين يمكن أن تكون قدراتهم أو نواقصهم مسؤولة بشكل مباشر عن نجاح تلك الشركات أو فشلها. الأستاذ في علوم الإدارة، سيدني فينكلشتين، يكشف لنا سمات المدير الناجح.
كنت أستاذا جامعيا منذ عشر سنوات عندما التقيت لأول مرة بآلان إيلكينز، الذي كان يختلف كثيرا عن أغلب طلبة الماجستير الذين كنت أشرف عليهم.
كان إيلكينز طبيباً نفسيا، ويعرف أفضل مني كيف يوجه أسئلته لمن يقابلهم. وكان عمره 68 عاماً، بينما كان معظم الطلبة من زملائه في العشرينيات من أعمارهم.
كنت حينها أجهز مشروعا بحثيا مكثفا عن أسباب فشل المديرين التنفيذيين. وقد جمعت عشرات الدراسات حول حالات خاصة أخفق فيها مديرون بارزون في بعض الشركات، ومنهم ستيفن ويغينز الذي كان يعمل في مجموعة "نظم أوكسفورد الصحية"، وجورج فيشر، وغاري تووكر من شركة "موتورولا"، ووليام سميثبيرغ من شركة "كويكر سنابيل".
ولم يكن من دواعي الدهشة أن يهتم إيلكينز بذلك المشروع. وقد شجعني على مقابلة هؤلاء المديرين، وغيرهم، لمعرفة السبب الحقيقي وراء خروج هؤلاء المديرون وشركاتهم عن المسار الصحيح، وبتلك الأساليب اللافتة للنظر.
كان جميع من التقيتهم مديرين تنفيذيين رفيعي المستوى، وقد تعرضوا لانتقادات في العلن لعدم كفاءتهم. لم أكن أتخيل أن يوافقوا على مناقشة أسباب فشلهم وتدوينها بغرض الدراسة. لكن إيلكينز كان يتمتع بقوة إقناع كبيرة، وعرض علي المساعدة في تنظيم المقابلات معم.
كلنا بشر حقا
إذا أردت حقاً فهم الأسباب الكامنة وراء نجاح أو فشل الشركات، فعليك أن تعير الانتباه لكبار المديرين والمسؤولين فيها. كما أن عليك أن تدرك أنهم بشر أيضاً. ليس من قبيل الصدفة أن كتابات عظيمة في الاستراتيجية عبر التاريخ، بداية من كتاب "فن الحرب" للمؤلف سون تزو، إلى "ريتشارد الثالث" لشكسبير، تنقل القاريء إلى مساحات تمكنه من سبر أغوار عقلية القادة، وخاصة قدراتهم، وعيوبهم.
إن ما قاله أولئك التنفيذيون لإيلكينز، ولي أيضا، ساعدني على أن استرجع من ذاكرتي حقيقة أساسية عن المديرين التنفيذيين، فقد تبيّن لي أنهم لا يختلفون عنّي وعنك. فهم ليسوا في الحقيقة أناسا عديمي الشعور، وإنما هم أناس واقعيون، مع كل ما يعنيه ذلك، ولديهم مشاعر، ونزعات، ونواقص أيضا.
على سبيل المثال لا الحصر، هل حدث أن ارتكبت خطأً كبيراً في أمر ما، وعندما سألوك عنه ألقيت اللوم على شخص آخر؟ تلك هي الطريقة التي قيّم بها أحد المديرين التنفيذيين أسباب انهيار الشركة التي يديرها، وهو ما كلفه وظيفته.
وخلال مقابلتنا مع هذا المدير، واصل حديثه بنفس الطريقة ليقول إن هناك "سبعة أسباب" لانهيار الشركة، "أولاً، خذلني المدير المالي لدي؛ ثانياً، لم يكن زبائننا بما يكفي من الذكاء ليدركوا ما كنا نحاول القيام به؛ وثالثاً، كان المسؤولون عن تطبيق القواعد والأنظمة يقفون لي بالمرصاد،" إلى آخر ذلك. لا بد أنكم تفهمون الآن معنى كلامي.
رغم ذلك، فقد تحدث آخرون إلي وإلى إيلكينز بشكل منفتح ليعبروا عما بداخلهم، وليزيلوا عن كاهلهم عبئا ثقيلا. وكانت تلك فرصة لهم ليأخذوا حريتهم في الحديث عن الأخطاء التي وقعوا فيها.
جوهر الأمر
وكشف حديثهم عن بعض النظرات الثاقبة حول كيفية تفكير المديرين التنفيذيين. وحصل ذلك عندما أجريت مقابلة مع مديرين عظام ممن ساهموا في نشأة جيل من الموهبين في مجال الإدارة، كل في مجال عمله، وهم أناسٌ أسميهم أنا "زعماء الإدارة".
ومن السهولة الوقوع في فخ الاعتقاد بأن زعماء الإدارة هم أشخاص متحجرو القلوب، وأنهم تولوا مراكزهم لأجل المال فقط. لا أدعي هنا بأنه ليس مِن بينهم مَن جاء لهذا الغرض فقط. فما أدركته، رغم ذلك، هو شيء مغاير تماماً.
فقد رأينا، مراراً وتكراراً، مسؤولين تنفيذيين كبارا، ومديرين تنفيذيين ممن عملوا لصالح زعماء إداريين، وقد تحدثوا عما يعنيه لهم مديروهم السابقون في حياتهم، وبشكل شخصي. وقد تحدثوا عن أمور مثل الدعم، والولاء، والروابط القوية.
قابلت تشيس كولمان، الملياردير والمستثمر فيما يسمى بصناديق التحوط، وهو من تلاميذ زعيم الإدارة جوليان روبرتسون (مؤسس شركة "تايغر مانيجمانت" والمسؤول المباشر عن نشأة وتأسيس العشرات من الشركات الاستثمارية الناجحة).
كانت المديرة "أليس واترز" تحظى بحب العاملين معها، حتى الذين فصلتهم من العمل
في تلك المقابلة، وصف لي كولمان كيف كان بإمكان روبرتسون من خلال إشارة بسيطة منه، أن يقدم تزكية قوية بشأن عمل "كولمان" ونشاطه لكل من يطلب ذلك. كان كولمان متفاهماً مع "زعيمه في الإدارة" بشأن أية تزكية يريدها، تماماً مثل التفاهم القائم بين أب وإبنه.
وقد انعكست هذه العلاقة الأبوية في مقابلات أخرى أجريتها. فهذا، على سبيل المثال، ستيفان ألبورتي، مدير بشركة "تشيات-دَي" للدعاية والإعلان (والمعروفة بابتكارها لإعلان شركة أبل عام 1984 الخاص بإطلاق جهاز كمبيوتر "ماكنتوش".
أخبرني ألبورتي بأن مديره السابق، جَي تشيات، "كان ذا وقع مؤثر عميق على حياتي وقيمي في الحياة أكثر من والديّ. كان شخصاً ذا وقعٍ لا يصدق، وأعتبر نفسي محظوظاً لأنني عملت معه".
عمل جان بيير مولي طباخاً رئيسياً لفترة طويلة في مطعم "تشي بانيز". وكانت الزعيمة الإدارية له، أليس واترز، قد طردته من وظيفته سابقا. ومع ذلك، يصفها مولي قائلا: "إن العاملين لديها سيقدمون كل ما لديهم، ويقومون بكل ما تطلبه منهم. ولكنهم أحياناً قد يتضايقون، لكن ذلك يشبه تماماً ما تطلبه منك أمك مراراً وتكراراً (من أجل مصلحتك)، كأن تنظف غرفتك مثلا. وهي محقة في هذا. ذلك كل ما في الأمر."
الوفاء والندم
كما أنني سمعت خلال بحثي هذا عن مشاعر الحب والودّ، والندم. فقد استعمل عدة مديرين سابقين، عملوا مع مصمم الأزياء رالف لورين، كلمة الحب ليصفوا مشاعرهم تجاه زعيمهم الإداري ذلك. عمل سال سيساراني في سنواته المهنية الأولى، لدى لورين، وكان من تلاميذه المتميزين، وقد نال سيساراني فيما بعد عدة جوائز في مجال تصميم الأزياء.
ويعبر سيساراني عن الأمر بقوله: "إذا أتيحت لك فرصة التحدث إلى أي منهم (أي العاملين السابقين لدى لورين)، فإنهم سيقولون لك نفس الشيء: كانوا سيفدونه بأرواحهم."
ولكن عندما حان وقت ترك العمل لورين، يتذكر سيساراني ذلك باعتباره قراراً مؤلماً، ويقول: "لم يغضب لورين على الإطلاق، ولكنه لم يصدق ما يجري، وكأنني خنته. فقد كان يظن بأني سأكون بجانبه دوماً. كنت حقاً قد استجمعت قواي لكي أتخذ قراري هذا."
ورغم مرور سنوات عديدة بعد ذلك، بدت تلك الذكريات الخاصة بلورين وكأنها تثير الحزن والأسى لدى سيساراني؛ فقد كان ذلك ظاهراً بقوة على نبرات صوته خلال تلك المقابلة.
إننا ننصب أحيانا منصات عالية لنضع المدير التنفيذي فوقها، وخاصة في الوقت الراهن، وفي أماكن مثل "وادي السيليكون"، ولكننا ننسى أحياناً أنهم ليسوا سوى بشر، وبالتالي ينبغي أن نعلم أن هناك مشاعر مختلطة تنتابهم أيضاً.
إن كثيراً من مكامن الضعف التي نعاني منها، هم أيضاً يعانون منها. وكثير من العلاقات التي تربطنا وتتحكم في حياتنا، تربط حياتهم وتتحكم بها أيضا.
لقد رحل إيلكينز عن حياتنا، لكن رؤيته حول الناس ـ مهما كانوا أغنياء أو من المشاهيرـ لا تزال معي. كثيرون هم أولئك الذين يبنون صروحاً خرافية عن قادتهم وزعمائهم، وعن أنفسهم .إن ما يبدو وكأنه صرح متماسك ومنيع، عند النظر إليه من بُعد، قد يكون في الحقيقة أكثر هشاشة مما يبدو لنا.