Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
To Be Black In Iraq أو مارتن لوثر كنغ فـي البصرة
السبت, أيار 4, 2013

 

 

 

 

 

العراق تايمز: كتب سعد سلوم ــ قبل أسابيع نشرت لي "المدى" مقالا بمناسبة مرور عقد على الاحتلال الأميركي للعراق، وكتبت في فقرة عنونتها بـ"خامنئي في الشارع وأوباما داخل الغرفة" عن صراع صورتين وثقافتين في البصرة، الأولى اعلنت انتصار إيران على الشيطان الأكبر في العراق، والثانية كانت تشير لصحوة هوية غير متوقع في مناطق الأقلية السوداء في البصرة.

مساء يوم الجمعة الماضي حسم الصراع بين الصورتين برصاص أخترق جسد صديقنا "جلال ذياب" احد ابرز رموز الحركة المدنية للدفاع عن حقوق السود في العراق.

من هو جلال ذياب؟ ولماذا تم استهدافه؟ هل هناك أشباه له يبلغ عددهم العشرات وربما المئات، لا يجذب عملهم  انتباه الناس إلا إذا خطفهم ملاك الموت. 

 ألح علي الاصدقاء ان اكتب عن الراحل لكي تتضح صورة عملنا المشترك وحلمنا الصغير في الحفاظ على تعددية المجتمع وتنوعه الثقافي، وبقيت حائرا لمدة يومين وأنا استجدي بيانات إدانة لمقتله وسط عاصفة استقطاب طائفية تطيح بالبلاد، من سينتبه إلى اغتيال ناشط مدني مغمور وسط الجنون الطائفي لقادتنا السياسيين، وصراخهم القبيح حول تمثيل الوطن والمواطن وتخوين الآخر وشيطنته. 
سأبدأ القصة من البصرة حيث كنت أحاضر قبل أشهر في ورشة حول حقوق الأقليات، كان هناك ممثلون عن الأمم المتحدة، المجتمع المدني، الحكومة المحلية، ممثلو الجماعات المختلفة في البصرة من أرمن وكلدان وشيخية وسنة وشيعة وبهائيين ومندائيين وصوفيين، وكنت قد دعوت "جلال ذياب" ليتحدث عن حقوق السود  ومطالبهم.  
اصطدم "جلال" بجدار صلب من الإنكار وهو يعري ثقافة التمييز السائدة، اذ لم يكن من السهل على من كان حاضرا أن يتقبل فكرة اضطهاد السود ويعدها جزءاً من ميراثنا الثقافي، فقد كان الإنكار يختبئ تحت ستار المساواة التي جاء بها دين الأغلبية، ونفاق خطاب "سواسية مثل أسنان المشط" الذي يدفن أية محاولة للحديث عن ازدواجية المعايير والنفاق الاجتماعي والعقائدي السائد.
اذكر أن احدى طالباتي أنكرت عليّ قبل عامين الحديث عن التمييز ضد السود، قالت إن الإسلام حررنا من كل هذا؟. وضعتها تحت الاختبار بسؤال استفزازي: إذا تقدم شخص اسود لخطبتك هل تقبلين به؟. صمتها يشرح التمييز الاجتماعي الذي تحول إلى مرض عضال يفتك بمجتمع "التقية" وازدواجية الشخصية، ويفضح "الدونية" التي حجرنا بها الإنسان الاسود في سلم تراتبي يقع فيه في  مرتبة أدنى.
تقبلت الطالبة  الفكرة أخيراً إذا توفر شرط الحب، لكن اعتراضها هذه المرة يلخصه سؤال آخر: كيف ستتقبل عائلتي الأمر؟. وإذا تقبلت العائلة كيف ستتقبل العشيرة؟
صديقي "عمار" الذي كان يرافق "جلال" في السيارة يوم مقتله، تقدم إلى انتخابات مجالس المحافظات كممثل عن السود، يشرح لي بألم كيف أن الإنكار موجود حتى داخل مجتمعه، فهناك استاذ جامعي انكر عليه مطالبته بحقوق السود وعدها بدعة، وضعه عمار تحت الاختبار،  توجه الى احد الطلاب وسأله: أين اجد الاستاذ فلان، فقال له تقصد الدكتور "العبد". إن حصول   أستاذنا الجامعي على لقب الدكتوراه لم يخلصه من وصمة العبد. 
صديقتي "مروة" القادمة من البصرة الى أربيل، انزلها رجل امن من السيارة في السيطرة الامنية الحدودية، ومن بين جميع الركاب سأل عن جواز سفرها، استنكرت طلبه، فهي تحمل هوية الاحوال المدنية، رد عليها بجدية: اريد ان ارى فيزا الدخول إلى العراق، فقد كان يظنها افريقية؟.
سألها صديقنا الكردي "بيشكوت" إذا كان التمييز ضد السود يحدث في الجزء العربي من العراق فقط، أجابته بحادثة: خرجت إلى مطعم  في المساء، وطلبت العشاء،  سرعان ما استجاب النادل في المطعم بالقول: مايكل جاكسون يريد نفر كباب؟!.
لا يحتاج القتل الى رصاصة مثلما يفعل المجرمون مطلقو السراح في العراق، بل كلمة تمييزية واحدة تكفي لقتل إنسان، كلمة أقوى من جميع الرصاص والعبوات الناسفة والمفخخات، كم مارسنا من القتل دون ان نعي اننا نطلق الرصاص مثل القتلة؟.
مئات من القصص الشبيهة كانت تقصها علينا شهرزاد كل ليلة، وهي دواء لكل داء إنكار لاضطهاد ذوي البشرة السوداء في العراق، هناك أيها الأصدقاء ذاكرة جريحة أخفيناها تحت قناع عجيني من الأكاذيب والأساطير عن تفوقنا السوبرماني في الأخلاق. 
كان دور "جلال ذياب" محوريا هنا مثل شهرزاد تعري شهريار من رجولته، فقد كان بليغا والبلاغة "أن تسمي الأشياء بمسمياتها"، وبهذا ارتقى الى ان يكون ابرز ممثل لذوي البشرة السوداء في العراق، وهو بقيادته "جمعية أنصار الحرية الانسانية" استحق ان يحظى بتكريم بعثة الامم المتحدة "اليونامي" في العام الماضي بوصفه من ابرز المدافعين عن حقوق الانسان في العراق، كما أن لتأسيسه "حركة العراقيين الحرة" في العام 2007  أسهم في ولادة أول حركة تطالب بحقوق السود في الشرق الاوسط، وتدعو إلى رفع الحيف عنهم، وتبلورت في الاعوام التالية كحركة سياسية معبرة عن تطلعات السود، وتدافع عن قضاياهم، وتسعى لإعادة إحياء هويتهم، الى أن فاز "أوباما" بمعركة الرئاسة الأميركية، فأعطى ذلك قوة دفع جديدة لعمل "جلال" وزملائه. 
 سألته ذات مرة: أنت تتصدى للعنصرية ولكنك أسست حركة سياسية تتوجه للسود فحسب، رد بهدوء ان السود لا يمثلون عرقاَ واحداَ بل هم متعددي الأعراق.  لا ينحدر السود في العراق من سلالة واحدة، منهم من هو نوبي (من بلاد النوبة)، وزنجباري -نسبة إلى زنجبار (جزيرة في البحر العربي مقابل اليمن)- ومنها اشتق اسم (زنجي)، الذي عرف به السود خلال ثورتهم المعروفة بثورة الزنج، وهناك من هو من غانا، وبعضهم من بلاد الحبشة (اثيوبيا حاليا). 
نادت  "حركة العراقيين الحرة" بالحرية والمساواة، وبذلك صاغت خطابا توجه للحرية الانسانية التي تهم جميع البشر، متجاوزة أي تحديد ديني أو طائفي، وتصدت  للتمييز ضد السود، محاولة بلورة حركة مدنية تطالب بحقوق السود.  
ولست انكر ان لحركة الحقوق المدنية  الشهيرة تأثيرا كبيرا على تفكيره، وكان لـ"مارتن لوثر كنغ" الذي علق جلال صورته على حائط مكتبه مكان خاص في قلبه، ويمكن تمييز ذلك في تبني "جلال" خطه المدني اللاعنفي، على نحو يماثل تأثر مارتن لوثر كنغ بحركة المهاتما غاندي وإيمانه بالاحتجاج اللاعنفي.
لم يمتلك "جلال" فصاحة "مارتن لوثر كنغ"، ولا ذكاء "أوباما" الخطابي، ولم يكن مفكرا خطيرا، أو صاحب دين جديد، او مبدع ضلالة، لكنه كان مؤمنا حقيقيا بدور المجتمع المدني، وكان سعيه فريدا من نوعه الى بناء حركة للحقوق المدنية تكون حركة اجتماعية سلمية هدفها تجريم التمييز العنصري ضد السود ورفع مستوى تمثيلهم السياسي. 
لا أبالغ في القول إن له دورا مماثلا لدور "مالكوم إكس" في العراق، فقد  بلغت به الشجاعة حد وضعنا أمام تاريخنا الفظيع في انتهاك حقوق السود، وكان يواجه الإنكار بالقصص التي تمزق أقسى القلوب.
 هل يستطيع الإنكار ان يمحو تاريخ حضارتنا العربية الإسلامية القائم على الحروب والغزوات التي استهدفت القارة السوداء لأسر الآلاف من الافارقة الذين جلبوا بالأغلال والقيود إلى مناطق الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام، والبقية الذين اشتراهم زعماء القبائل والأغنياء من تجار الرقيق العرب كما يشترون الإبل والنعاج.  
تاريخنا مثل فيلم سينمائي طويل عن عبودية السود في بيوت الأمراء والحكام، وعملهم في ظل ظروف لا إنسانية في استصلاح الاراضي وكسحهم السباخ  في ارض السواد، اتأمل مشهد  الجنود المحاربين الذين يغزون العالم لتوسيع رقعة إمبراطورية "خير أمة أخرجت للناس" وهم يتركون وراءهم أراضي واسعة يفلحها السود المخطوفين من إفريقيا في ظروف عمل لا تليق بالبشر، وهم يتناولون عجينا مصنوعا من  نوى التمر  يسمى "هيس"  يستخدم كعلف للحيوانات. 
وحين ثار هؤلاء الكومبارس المعذبين بين سنة 255- 270 هجرية، ربطوا بأبشع النعوت لأنهم تجرأوا على ان يتحدوا مخرج الفلم الملقب بـ" خليفة الله على الارض" و"أمير المؤمنين" من اجل حريتهم وكرامتهم. 
 ومن ذلك الوقت وهم في أدنى سلم اجتماعي ذائبين بين العشائر التي أعطتهم أسماءها وألقابها دون ما يرتبه اللقب من امتياز ان تكون إنسانا، فهم ليسوا من صلب عشائر آدم وإبراهيم ونوح، انهم ليسوا عبيد الله بل عبيد خلق الله بالفطرة، والعبودية قدر لا مرد له، وهي قدر الهي حسب الميثولوجيا التوراتية، التي تحيل اللون الأسود الى غضب الهي "وصمة قابيل" وثوبا أبديا للعقاب الذي لبسه "حام بن نوح". 
 تجاوز المسلمون العرب سورة الروم "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" فالسود لم يخلقهم الله هكذا، بل تجار الرقيق العرب (المسلمون) الذين باعوهم مع الجواري في أسواق النخاسة بأسعار زهيدة أدنى من اسعار الحيوانات.
هل نملك الجرأة على القول إنهم ما يزالون يعيشون في بعض محافظات الجنوب في بيوتات حقيرة، وإنهم مرغمون على العمل في ظروف وأعمال تحط من كرامة البشر، بل ما يزال بعض الشيوخ والأغنياء يستخدمونهم في البيوت كعبيد، هنيئا لدولتنا المدنية المؤمنة، وشكرا لك أيتها القوى العظمى الأميركية على وهم الانتقال الى الديمقراطية.
كان "جلال" يفتح لي باب ذاكرة آبائه واجداده، فأسمع عن قصص الشيوخ الذين يتسلون بالتهديف على السود، يدعو الشيخ ضيوفه الى تسلية لطيفة قائلا: سوف أريكم طيحة الأسمر، وهكذا يصوب بندقيته نحو الارنب البشري الذي يركض مسابقا الرصاصة التي تستقر في ظهره. اما قصص بعض الشيوخ الذين يضاجعون زوجاتهم أمام عبيد يستخدمون مراوح لتخفيف وطأة الحر عن الشيخ وحرمه، فهي لا تترك أي احتمال في انه كان ينظر إلى الاسود بوصفه أدنى من البشر، لذا لا خجل منه ولا استحياء. كان "جلال" يضحك وهو يحدثني عن قانون 15، وهذا القانون المضاد للجاذبية يتلخص بوجوب جلوس الأسود على بعد 15 رجلا عن كبير القوم، اي على بعد 15 سنة ضوئية عن الاعتراف به كبشر. لم تذكر نسختنا الانتقائية من التاريخ دور بيت السعدون، وآل النقيب، وبيت الشيخ خزعل الكعبي في استرقاق السود واستعبادهم، فقد كانت العشائر دوما هي دولتنا حين تسقط الدولة، وهويتنا الاولية حين تتلاشى الهوية الوطنية. وحين يفقد النص المقدس تأثيره نهرب إلى الشعر، فالشعر قرآن العرب الدائم، وفيه نحتفي بعظيمنا المتنبي الذي قال:  
لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
من علم الأسود الزنجي مكرمة
أقومه البيض أم آباؤه الصيدُ
هي ليست قصيدة من الشعر العظيم فحسب، بل هي احتفاء بطريقة تفكير لا يمكن لنا الخلاص منها باحتلال او تحرير او حرب أهلية جديدة. 
وبعيدا عن قصائد النرجسية العربية العصماء، وأفلام الذاكرة السينمائية كان لـ"جلال" حلم  بسيط عظيم، ان يبني "متحفا" للثقافة السوداء في العراق، ومن وراء حلمه إيمان بأن للسود فضلا تم انكاره في تحديد هوية البصرة الثقافية في الموسيقى والغناء والرقص، بل ومن خلال مكانة البصرة المركزية في تشكيل خريطة الهوية الثقافية للخليج بأسره.  
وكان سعيه دائبا لإعادة تصنيع الآلات الموسيقية التي اختفت معها القصص والذكريات، فضلا عن تجميع الآلات المرافقة للطقوس الإفريقية مثل: امصوندو الطنبورة، وكيكانكا، ووباتو، والصرناي وغيرها. 
وحين كنت اعمل على فيلمي الوثائقي الذي لم ير النور بعد "To Be Black in Iraq"  قادني  "جلال" مثل ضوء في غابة الطقوس المبهرة للسود في البصرة، حاولت تسجيل الطقوس التي يؤديها السود في "المكايد" وهي عبارة عن طقوس شفاهية  ترافقها معزوفات وراقصين من كلا الجنسين بقيت تنتقل من جيل إلى آخر من ذاكرتهم القديمة، وساعدتهم عاطفيا في تحمل عناء هذه الرحلة الطويلة التي فرضت عليهن عبر الزمن في سجن لا تبدو له نهاية.
كانت موسيقاهم الاحتفالية صرخة قادمة من أعماق ثقافة مختنقة، تتحرك في مجال يتبنى تحديدا حصريا لحرية الدين والمعتقد يسجنه في بعض الآراء السائدة، وأمام هذا التحديد الذي يجعل هويتهم خارج البنية الثقافية للبلاد، اندفع "جلال" إلى التفكير بها على مستوى آخر وشحنها كجزء من الذاكرة بدوافع حديثة بحيث تصبح تعبيرا مستقلا عن ثقافة فريدة، وفرصة لنشرها كثقافة عراقية افريقية تحمل سمات الثقافات الإفريقية في جميع بلدان العالم التي انتشر فيها السود وواجهوا مصيرا واحداً. 
كان التحدي بالنسبة له مختلفا قليلا، كيف يمكن إعادة إنتاج هذه الثقافة وتقديمها شعبيا للأجيال الجديدة، كيف يمكن لها ان تعيد إحياء الغنائية المفقودة في بلد حزين ومغبر تخيم عليه شعائر الحزن منذ عقود، كيف يمكن لنا ان نحيل جراحنا الى أغنية ورقصة، بدلا من ان نحيلها الى تطبير وضرب زناجيل. كيمياء سوداء ساحرة لتحويل لعنة الظلم والعنف في العراق الى " هيب هوب" عراقي، ومثلما انبثق الهيب هوب في الولايات المتحدة كرد فعل على مظاهر العنصرية الأميركية، كان المجتمع العراقي بعد 2003 مناخا ملائما لانتشار أساليب تعبير رابية (من الراب) والذي يعد العنصر الأساس في ثقافة الهيب هوب، إذ يمثل منطقة وسطى بين الكلام والنثر والشعر والغناء ويمكن أن يكون بإيقاع أو بدونه وهو ما يتيح إمكانيات هائلة للتعبير عن الاضطهاد والتمييز ومواجهة التحديات التي يواجهها العراقيون بالسخرية في كل ساعة.
هل تبخر حلمه مع موته؟  لم يكن حلما معزولا بقدر كونه حلم لكل منا في ان نحيل قبح هذا العالم الى جمال وصراخه الى غناء وضجيجه الى موسيقى.
أتذكر سخريته التي تحيل الطاقة السلبية الى ضحك مطلق، كانت السخرية بالنسبة له طريقة حياة، واعلم ان ذاكرة الاضطهاد الطويلة علمت السود كيف يتصدون للاضطهاد  بالسخرية، حتى انه كان يسخر من فكرة اغتياله، قال لي : 
-  لو فزت كمرشح في البرلمان سوف لن يستطيع أي شخص اغتيالي.
- لماذا؟ 
- سوف يحتار المجرم حين يصوب بندقيته لأنه لن يستطيع التمييز بيني وبين حرسي، فنحن السود في ليل العراق نضيع.

كنت اشكو له من الذهنية الطائفية التي تسيطر على أحكام الناس بحيث يعتقد الناس إنني مسيحي او يهودي او مندائي  أو شبكي لمجرد انني ادافع عن حقوق المسيحيين او اليهود او المندائيين او الشبك، وكان يقول، لن يتهمك احد بأنك اسود والحمد لله،  فاللون لا يمكن افتراضه، لذا ستكون بمأمن من الاتهام إلا اذا صبغت وجهك بفحمة. 
لكي لا يضيع صوت "جلال" وتضحيته نحن مطالبون بأن لا ننسى رسالته ومشروعه، وأن نعمل على تحقيقها.
لذا احفر الكلمات التالية كتذكير للقوى المدنية والحكومة والبرلمان بواجبهم تجاه السود في العراق، ولكي لا تضيع تضحية "جلال" أدارج الرياح، وسأكون واضحا للغاية: ان مشاركة السود في الحياة العامة شبه معدومة، ولا يسمح لهم بالتعبير عن معاناتهم بخطاب مداهن عن المساواة، مع استمرار النظرة الدونية لهم، هل يستطيع احد ان ينكر انهم بسبب ذلك تم رميهم خارج العملية السياسية، بمسوغ أنهم جزء من المجتمع ويحظون بما يحظى به غيرهم، ولو كان ذلك صحيحا، لكان منهم الوزراء، أو النواب، أو المديرون العامون على الاقل. 
ان مطالبة السود بالكوتا أسوة ببقية الأقليات مطلب عادل لمعالجة الخلل في التمثيل، ومن دون ذلك سيكون الصوت الوحيد المعبر عن مطالبهم ناشطا مدنيا تتبعه سيارة قتلة وترديه قتيلا دون ان يحفل به أحد وسوف ننساه جميعا يوم غد حين نحتفي بشهيد جديد. 
سوف أتجاوز موقف الحكومة المشغولة بأزماتها وصراعاتها وحروبها الداخلية واكتب هذه الكلمات وأنا احمل في داخلي غضبا من موقف الأمم المتحدة و السفارة الأميركية من مقتله،  فهو شبيه بموقف من يدخل عزاءً ويقرأ سورة الفاتحة على روح الميت، اذ لم يتضمن بيان الأمم المتحدة أو بيان السفارة الأميركية أي كلمة تحث الحكومة على التحقيق في ملابسات اغتياله او وجوب دفع الجناة إلى العدالة، هل بلغ اليأس من قدرة الحكومة أو استجابتها الى درجة عدم التأكيد على مسؤوليتها او حتى ذكر واجبها؟، أم أن موقفهما (السفارة والامم المتحدة) من قضايا حقوق الانسان لا يتجاوز الشجب والإدانة التي تمارسها بائعة الخضار في السوق، هذا سؤال يبقى بلا إجابة، في الوقت الذي نبقى فيه "نحن" بلا حماية ولا نصير حقيقي في مواجهة قتلة لا يتورعون عن فعل اي منكر خارج عن اي شريعة او قانون، فليس لنا إلا أن نتكاتف معا على ظهر هذه السفينة المشرفة على الغرق. 
أملنا الأخير ان يكون موقف الاتحاد الأوربي أكثر جدية، وأن بيانا يصدر من الليدي "كاثرين أشتون" منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي يكون أكثر وضوحا وصرامة في تحقيق العدالة. 
كانت صورة "أوباما" التي علقها جلال ذياب في مدرسة أنشأها لتعليم فقراء السود في البصرة احتفالا بالامل،  فهل يستحق ان يطلق عليه الرصاص من أجل صورة، لم يفهم القتلة ان هذه لم تكن صورة رئيس الولايات المتحدة أو الشيطان الاكبر، بل كانت "ايقونة" تحفز فيه الايمان بأن التغيير يحتاج الى تضحية والى عمل دؤوب، ففي ستينيات القرن الماضي كان السود محرومين من حق الانتخابات في بعض ولايات الجنوب الاميركي، وفي العام 2009 فاز مواطن اسود برئاسة اكبر امبراطورية بنيت بجهود العبيد على مر التاريخ.  كانت رسالة من "جلال" الى أقرانه وزملائه ان التغيير ممكن. وهي رسالة لنا جميعا بأن الصمت منذ الان اصبح نوعا من الخيانة، اكرر مرة اخرى هذه العبارة: نحن بحاجة الى ان نتكاتف جميعا قبل ان تغرق السفينة في وحل حرب التقسيم القائمة. 
الرصاصة التي اخترقت جسد "جلال ذياب" اغتالت حلمنا المشترك،  كانت رصاصة تستهدفنا جميعا، فمن هو التالي في قائمة القتلة: أنا ام قارئ هذا المقال؟
اقرأ ايضاً

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.39474
Total : 100