أيام الاحتلالين العثماني والبريطاني كان البغاددة يسمون الشحاذ بــ (المكدي) أو (المجدي)، وهو الفقير الذي يتجول في العكود أو الدرابين لاستعطاف الناس واستدرار شفقتهم مستعينا بالمسكنة وبنداءاته التي تحنن قلوبهم لجمع قوت عياله، وقد زاد عدد المكادي في بغداد نتيجة الظلم الذي أوجد طبقة الأثرياء (الزناكين) وطبقة الفقراء والمعدمين الذين لا يجدون قوت يومهم فيضطر بعضهم للتسول (الكدية)، وكانت الكدية أنواعا:
فهناك من يقف على أبواب الجوامع أيام الجمع عند صلاة الظهر أو قرب المزارات في المناسبات أو يتجول في الأسواق المكتظة بالناس وهو يقرأ الآيات القرآنية والأدعية والدعوات التي تحض على الكرم والاحسان والصدقة واعانة المحتاجين، ومنهم من يستخدم الوسائل الموسيقية كالضرب على الدف والتغني بمدح النبي.
وهناك من يتظاهر بالعمى أو العرج أو يتفق مع بعض المعوقين ليستعطف الناس، وهناك من يمتهن (الكدية) حيلة اذ يمتلك ما يكفيه للعيش عيشة حسنة لكنه يمثل دور الفقير المعدم فيفرش قطعة قماش على الأرض كي يرمي الناس عليها ما تجود به أكفهم من (الخردة) أو يدور على المقاهي ليجمع رزقا أكثر.
وقد وردت الكدية على لسان احدى زوجات البخلاء فكانت تردد كالعدادة:
ياريت ماخذتلي مكدي
ويصير جراب الخبز عندي
يخلص جراب الخبز
أكله كوم يارجال كدي
ومن نداءات المكادي: المال مال الله والصخي (السخي) حبيب الله، عطايا قليلة تدفع بلايا كثيرة عند الله، هنيالك يا فاعل الخير، وينك يا فاعل الخير، وين اليرحم الضرير بليلة جمعة والثواب عند الله، الصدقة تدفع القضا والبلا، دفعة بلا عنكم وعن أولادكم.
ووردت الكدية في الأمثال، ومنها: ابليس اشتغل بكل شغلة يوم.. واشتغل بالجدية أربعين يوم، مجدي من مجدي والله يرحمك يا جدي، اليشتغل بالغروب يكدي بالبوب، يجدي ويهدي، مثل فلس المجدي، الطشت مكدي (من أمثال النساء)، الجدية كيميا، مثل مجدي باب الشيخ، مجدي مايحب مجدي، زلك الشادي أبيت المكادي، مجدي وعليجته قديفة: وهذا المثل يضرب للمعدم الذي يتظاهر بالكبر والأبهة وبما لا يلائم وضعه، فعندما كانت البيوت البغدادية تعطي للمكدي ما يتبقى من غدائها أو عشائها لا سيما التمن والمرق كان المكدي يسكب الطبيخ في اناء معلق برقبته، كان يسكبه فوق بعضه (التمن مع المرق)، وكان يعزل الخبز في "عليجة" يعلقها على كتفه، وعادة ما كانت العليجة تصنع من بقايا "الكواني" الخشنة، أما القذيفة أو حسب النطق البغدادي "قديفة" فهي قماش عالي الجودة، غالي الثمن، أي مثل سعر القمر الصناعي "دجلة" الذي بلغ 200 مليار دينار.
مقالات اخرى للكاتب