بما أن الإستفتاء هو تصويت لجميع المواطنين المٶهلين علی مشروع أو مسودة وضعت من قبل البرلمان أو الحكومة أو أية سلطة حكومية ، فهي إذن آلية من آليات الديمقراطية المباشرة ، عن طريقها يبدي المواطن الناخب وبكل شفافية رأيه في مسألة سياسية أو مصيرية. ولنتائج التصويت علی الصعيدين الدولي والوطني درجة عالية من الشرعية.
صحيح بأن شعب كوردستان إختار وبشكل طوعي ان يكون جزءاً من العراق شرط أن يكون فيه شريكاً حقيقياً وفاعلاً و شرط أن يكون النظام في العراق ديمقراطي تعددي إتحادي فدرالي ، لكن الذي رأە هذا الشعب المناضل هو السياسة الفاشلة للسيد المالكي المصبوغة بالرفض والإلغاء والجهل والخداع ، الذي حكم کرئیس للوزراء مدة ٨ سنوات عجاف ، بعد تحويله الهوية الی فخ وعصاب والعراق الی مصنع للإرهاب و اللاإسستقرار بعد ممارسته الحكم الفردي والإستبداد بعقليته الإصفائية و ثنائيته الحصرية و منهجه الأحادي و شعاراته المقدسة وإدعاءاته المركزية حول السلطة والحكم ، مهملاً قيم المساواة والعدالة والعقلانية ، مولداً بذلك الحروب الأهلية والإختلافات الوحشية بين عناصر المجتمع وفئاته.
فالهاجس الوحيد لنوري المالكي في السابق وللآن هو الحفاظ علی الولاية والسلطة والإستمرارعلی العمل في سبيل قولبة وتدجين وتعبئة وعسكرة المجتمع و رفضه لحفظ كرامة الإنسان العراقي إحتكاره للسلطة وممارسته الوكالة الحصرية و خروقاته المتكررة للدستور الإتحادي أنجبت الأزمة الحالية.
من جانبنا لانخفيە علی أحد ، هدف شعب كوردستان هو الاستقلال و هو حق طبيعي لهذا الشعب ، الذي كان في الماضي ضحية السياسات القمعية والوحشية للحكومات المتعاقبة في العراق المصطنع وهو لايستطيع بعد الآن أن يبقی مدی الدهر رهينة مستقبل مجهول ، بل يعزم وبكل جرأة على إجراء استفتاء شعبي على خيار الاستقلال بعد فترة قصيرة من الآن بعد موافقة برلمان كوردستان على ذلك.
في السابق كررنا أكثر من مرة بأننا نريد ممارسة حيویتنا الفكرية و حرياتنا الديمقراطية لنحتل موقع علی خارطة العالم ولانريد أن نمارس علاقتنا بهويتنا علی سبيل العجز والتخلف والضعف والهشاشة. عراق اليوم.
أما التصريحات الأخيرة الغير مسٶولة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، الذي لم يتخذ سياسات كفيلة بوضع حد لحالة الفوضى والعنف التي أغرق العراق على صعيد يومي وبمباركة ودعم واضح لحكومته للنهج الطائفي والإقصائي ضد المكونات الأخری للشعب العراقي ، فهي تحمل في طياتها
العدوانية ، خلالها يتهم هو إقليم كوردستان جزافاً وإفتراءً ويقول بأن شعب كوردستان يستغل الأوضاع للسيطرة علی الأراضي ، المسمی بـ"المتنازع علیها".
فالسيد نوري المالكي الذي عاش في كوردستان وأكمل دروسه في جامعاتها يعلم علم اليقين بأن تلك المناطق كوردستانية بحتة وأن الكورد لم ولن يتمددوا أو يتحركو أو يتوسعوا في يوم ما علی حساب الآخر ولم يسيطروا علی أراضٍ غير كوردستانية خارج إقليمهم. فهو بعمله هذه يريد قلب الحقائق وإلقاء اللوم على الآخرين ، لتغطية إخفاقاتە الكبيرة في الداخل ، تلك الإخفاقات التي وضعت العراق تحت خدمة أطراف إقليمية أسهـمت في إذكاء نار الفتنة الطائفية بشكل لم يعهده العراق في تاريخه.
لو كان المالكي مهتماً بالأدب والفن لأقترحنا له أن يشاهد مسرحية «أنريكو الرابع» للكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو ، كي يكشف إزدواجيته في الشخصية و تماهیه بين الممثل ودوره.
نقوله هنا وبكل صراحة أيضاً بأن سياسة المالكي أنتجت كل هذا الخطرعلى العراق وعلى المنطقة. فالعقلية والأيديولوجية المتطرفة والسياسة الأحادية المتهورة هندست مآسي العراقيين والاضطرابات في المنطقة. لو قام هو بتوظيف قدرات الدولة العراقية ، وثرواتها لخدمة تنمية العراق ومصالح مواطنيه ، ولو لم يقم هو بإقصاء السنة و تهميشم أو بقطع ميزانية إقليم كوردستان و لم يفرض علی الكورد والسنة الحصار لكان العراق والمنطقة بألف خير وسلام.
شعب كوردستان يريد أن يساهم مع إخوانە السنة والشيعة في معالجة الأزمة ، التي تمر بها العراق ، لکن التطورات الأخيرة في العراق أثبتت بأن هذا البلد لا يستطيع أن يبقی علی ماكان علیه في السابق. فهو مقسم حالياً وللشعب الكوردستاني الحق أن لايتخلی عن هدفه ومشروعه الأساس المٶدي الی استقلالية إقليم كوردستان. وما علی القيادة الكوردستانية إلا إحترام قرار الشعب والإلتزام بە ، علی أمل أن يحترم الآخرون ودول الجوار والمجتمع الدولي قرار شعب كوردستان.
وختاماً نقول: لا أحد يستطيع هدم التجربة الكوردستانية و كسر إرادة شعب كوردستان أو جرؔهم الی الطريق المسدود ، فلا يمكن بعد اليوم أن يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي في كوردستان ولا عقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل. ففي عالم ينهض فیها الشعوب ضد الحکومات المركزية المستبدة لا يمكن للشعب الكوردستاني الأبيؔ أبداً أن يقبل بأن يحكمه طغاة غرباء كما في السابق يطلون الطغيان برأسهم كلما سنحت لهم الظروف. فأهلاً بالإستفتاء ومرحباً بالإستقلال.
مقالات اخرى للكاتب