لا يمكن لأي مراقب موضوعي لتصرفات المالكي وخطبه للسنوات الطويلة والأليمة التي كان من سوء حظ العراق أن يحكمه بها؛ إلا أن يرى وبوضوح افتقاد الرجل لكفاءة القيادة، وحصافة التفكير، وعمق الشعور بالمسؤولية والحرص،التي يجب أن يتحلى بها كل من يتولى مراكز عليا تتعلق بمصير الناس والوطن!
فهو في نطاق تصرفاته أجهد نفسه في التنصل من كل التوافقات الوطنية التي كان قد وقع عليها بنفسه.فانفرد بالحكم جامعا بيديه صلاحيات وزارات عديدة. وفي عهده وقعت صفقات الفساد الكبرى،أبرزها تهريب مليار دولار إلى بيروت، لا يعرف سرها سوى مكتبه. ولم يحاسب عليها حتى الآن! وتزايد التعذيب والقتل في السجون، وفرار الإرهابيين منها بظروف وملابسات غامضة ومشبوهة!
وفي ظله الثقيل شحت الخدمات، وارتبكت الحصة التموينية، وعم الغلاء،وصار الفقراء يتضورون جوعا، وتصاعد الإرهاب، وافتقد المواطن الأمن تماما، وتأجج الصراع الطائفي، وتسلط المزيد والمزيد من النفوذ الإيراني على العراق.
وهو من خرب الصحوات التي تصدت للقاعدة، وكان يمكن أن تتصدى للدواعش، وتحول دون قدومهم للعراق! وعلى يده أنهار آخر أمل في مصالحة وطنية شاملة عميقة، ووفاق طبيعي بين طوائف وقوميات وشرائح الشعب العراقي. وخربت العلاقات مع دول الجوار.
وهو بصفته القائد العام للقوات المسلحة، وبإدارته السيئة، المسئول الأول عن انهيار الجيش العراقي أمام الدواعش، واستيلائهم على ثلث مساحة العراق تقريبا،وهو المسئول عن دماء ضحايا سبايكر، وغيرها كثير وكثير!
أما في نطاق أقواله؛ فحدث ولا حرج؛ فالرجل قد صدق من قال له أنه خطيب مفوه، فراح يطلق لسانه في خطب رنانة أقرب للثرثرة، وابعد ما تكون عن حكمة الحاكم الذي يزن كلامه كلمة كلمة، وحرفا حرفا، قبل أن ينطقه!
فكان صاحب ( ما ننطيها) وكأن الدولة صارت ملكه وحزبه وورثتهم! و( ما بيننا وبينهم بحر من الدماء) ( ومعركتنا هي معركة الحسين مع يزيد) ، وإن اعتصامات أهل الأنبار (مجرد فقاعة ) ( بهكذا رعونة في الحكم خرجت من الفقاعة دولة الدواعش) ، وإن الإنترنيت ( مكب للنفايات) ، وتشكيكه في القرآن وهو في موقع رسمي مسئول، ينبغي أن يتحاشى المسائل الحساسة، المستفزة لدول إسلامية كثيرة. وغيرهم كثير؛ مما لا يحصى ولا يحصر!
آخرها مطالبته بوضع السعودية تحت الوصاية الدولية ( بينما من حق وواجب السعودية اليوم أن تطالب بوضع العراق تحت الوصاية الدولية لسبب موضوعي وجيه: أن إلى جانبها دولة فاشلة على وشك الإفلاس والانهيار! وقد يعرضها لموجات هائلة من النازحين؛ كما حدث في تسعينات القرن الماضي ).
حين يشعر المرء إنه غير جدير بموقع متقدم، وغير قادر على ملأه بما هو صحيح ونافع، يروح يملأه بالصخب والضجيج الفارغ،محاولا أن يكون فارس الميدان الذي تتسلط عليه الأضواء،وفق قول المتنبي: وإذا ما خلا الجبان بأرض؛ طلب الطعن وحده والنزالا!)
في البلدان التي تعيش أنوار هذا العصر يستقيل المسئول أو يقال لجنحة بسطة جدا، لكن في العراق الذي يعيش ظلمات عصور حروب الطوائف والأقوام،يكافئ المسئول بعد أن يقترف جبالا من الأخطاء والخطايا ، فالملكي الذي لم يمثل أمام مجلس النواب لمحاسبته عن كل المصائب التي حدثت في عهده كوفئ بتعينه نائبا لرئيس الجمهورية، وأحد أعوانه هدد: سنقطع اليد التي تمتد إليه!
وهو اليوم أشبه بدولة داخل الدولة، متمرد على كل أمر رئاسي أو تشريعي،ودلائل كثيرة تشير إلى انه يعد نفسه لدور أكثر فظاعة في المستقبل! فهو الآن يسيطر على الحشد الشعبي. وعلى تواصل يومي مع من يسمونهم المستشارين الإيرانيين. وهم جميعا يعملون على جعل الحشد بديلا عن الجيش الرسمي، ومؤسسات الدولة. على غرار الحرس الثوري في إيران!
بعد الانتهاء من داعش، سيسجلون النصر باسمهم، ويلتفتون إلى العبادي وحكومته، وكل نزلاء المنطقة الخضراء؛ ليقولوا لهم( كش ملك)! وسيسمون ذلك بالثورة
الوطنية! وبذلك سيفرغ المالكي الثورة الوطنية الحقيقية التي بدأت بشائرها تتجلى في مظاهرات العراقيين الواسعة، من محتواها، كما أفرغ ثورة أهل الأنبار من محتواها باستقدام الدواعش!
كل ذلك تحت بصر وسمع الأمريكان الذين لن يتدخلوا بحجة أن الأمر شأن عراقي، ثم يبدأ عهد المالكي الجديد، وقد تسربل بما تبقى في عروق الناس من دماء!
مقالات اخرى للكاتب