رأينا أمّنا العراقية، التي فقدت ابنها في قاعدة سبايكر، وهي ترمي "شيلتها" أمام المسؤولين في موجة غضب عارمة، وكيف انتقدت وهي كاشفة شعرها القطن، رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بسبب تجاهله للحادث، وطالبت بإجراءات سريعة للكشف عن جثث الضحايا الشباب الذين أعدمهم الأوباش، ونددت بسكوت الحكومة والنواب.
وصرخت وهي ترفع غطاء رأسها وترميه على الجالسين من النواب: "1700 فقدوا ولم يستنكر ولا نائب واحد منكم أو يكلف نفسه بالسؤال عنهم، وحتى عندما كان نوري المالكي رئيسا للوزراء فانه لم يكلف نفسه بزيارة قاعدة سبايكر" ولم تهدأ أمّنا الثكلى، بل زأرت بهم: "نحن أتينا بكم وانتخبناكم وحطيناكم، نحن بدمنا وبعشائرنا وبشيوخنا وبأولادنا، يا برلمانيين، لماذا تنسون 1700 طالب وجندي ماتوا ببرود وهم يلوبون".
لكلامها بكينا، وتعطبت منا القلوب المكلومة والاكباد الحرى، وسالت من عيوننا الدموع الحقة وليس دموع التماسيح التي ذرفها المسؤولون الذين لم يحفظوا حياة أولادنا كما يحافظون على حياة ودراسة ومستقبل أولادهم المدللين المتنعمين بفلوسنا، ولا فضّ فوه شاعرنا:
يمّه ذوله كبالهم فرّعتي ليش؟
يمّه ذوله امنيلهم ذرة حنان
ليش ذبيتيهه يمّه؟ وعين أبوي
انتي تسوين النفط والبرلمان
ومن كلام أمّنا نستشف أن الذئاب اذا ما هاجمت الحلال فالراعي هو من يتحمل المسؤولية، ولا يكفي قولنا أن الذئب يتربص بالقطعان وأنه رمز للغدر والشراسة والتعطش للدماء، وهنا نذكر أن أحد الناجين من المجزرة نقل لنا تذمر الكونت دراكولا الداعشي من كثرة عدد أبناء الشعب عندما قال للناجي: لك انتو متخلصون؟ صار سنين نذبح بيكم وبعدكم، لا وفوكاها دتزيدون، حتى الغنم مو مثلكم.
وطبعا لا يجيب المكبّل أمام مصاص الدماء، ولا ينطق، ولا يتحرك، ولا يتنفس، وهو محاط بالمسدسات والرشاشات والرمانات والسكاكين المسوّمة، ولكن "بهلول" تململ في مكانه وهو يسمع ما قيل وما دار وما حصل، فقال لي ساخطا:
ـ يسمّونه غنم مايخالف، شيسمونه خلّ يسمّونه، لأن حتى عند الغنم، رغم النعجة تجيب راس واحد كل سنة، وتلكه الناس تذبح بالغنم ابكل مناسبة، بالعرس، بالفاتحة، بالنجاح، بالفوز بالبرلمان، بالعيد، كل هاي وتشوف بكل مكان ويومية وكت الغروب آلاف الروس ويه رعيانها راجعة للبيوت.
ثم التفت "بهلول" صوب الشمر والحجاج وبهجت العطية وناظم كزار وفاضل البراك وبرزان والذباحين المستجدين من أهل الخلافة:
ـ خو ما مثلكم انتو، شو مثل الجلبة اللي هَم تجيب بالسنة خمس ست جراوي، وهَم محد يذبحكم بأي مناسبة، لا فرح ولا حزن وكل هاي وما الكم لا سيرة ولا مسيرة.. لا وجمالة ابيضكم وأسودكم نجس.
مقالات اخرى للكاتب