الشخصية التأريخية ببساطة هي تلك الشخصية التي تغير ما حولها فﻻ يعود عالمها بعدها كما كان قبلها ..وبمقدار سعة ذلك التغيير يكون ثقلها التاريخي ..
و العلماء بطبيعة الحال يصنعون التأريخ بعلومهم وتخصصاتهم التي تغير العالم بعدهم وتنشر التقدم والمعرفة الى رحاب اوسع مع الزمن ..
وﻻريب ان السيد الشهيد الصدر الثاني نقش على صفحة التاريخ بصمة خالدة بما تمكن من احداثه من تغيير معرفي وسلوكي في مجتمعه ..
اقرأ واسمع للعديد من الباحثين وهم يحللون جوانب حياة هذا المرجع الشهيد مركزين على جانب الشجاعة ومقارعة الظلم وقيادة الجماهير وهذا لعمري اهم جوانب تعلق القواعد الشعبية بشخصه وتغنيها بامجاده .. ولكن حين اعود بذاكرتي الى تلك اﻻيام واستذكر ما صدر عن الشهيد محمد الصدر من نتاج معرفي ﻻ اجد شيئا معتدا به من السياسة او التحدي المباشر للسلطة او التهيئة ﻻنقﻻب او ثورة ..
بل اجد الفكر اﻻسﻻمي والفقه واﻻصول والاحوبة العلمية فضﻻ عن النشاطات الحوزوية باعلى مستوياتها وباسرع وتائرها .. وﻻ شك عندي قطعا ان ثورة الصدر كانت ثورة معرفية خالصة ..على اﻻقل في مرحلتها اﻻولى الظاهرية التي لم تكتمل بسبب شهادته رحمة الله عليه..
واﻻثر المباشر والتغييري الذي احدثه الصدر في الحوزة والمجتمع كان زيادة المعرفة والتفقه ...بشكل واسع ومضطرد التنامي.. 
فقد ادار عملية تفقه واسعة بدأها من المؤسسة الحوزوية ومن موقع ادنى في بعض اﻻحيان .. كيف ؟!
كان هناك في بداية تصديه شحة في مدرسي الكفاية (كتاب كفاية اﻻصول لﻻخوند ) وهو من دروس السطوح العالية وﻻ يعهد ان يقوم بتدريسه المراجع ﻻنه ادنى مستوى من البحث الخارج ...ولكن السيد محمد الصدر تطوع لملء الفراغ وقام بتدريسه. . فضﻻ عن البحث الخارج في الفقه واﻻصول ضمن جدول زمني خاص يستثني كثيرا من مناسبات التعطيل الحوزوية المعروفة ...بل ضمن اسلوب تربوي خاص يحض طلبته على احترام الدرس وعدم تضييع يوم منه ... فقد تغيب طلبته يوما عن الدرس فتغيب السيد في اليوم التالي عقوبة لهم وجعل معظم درس اليوم الثالث موعظة اخﻻقية حدد فيها مﻻمح رؤيته و اشار فيها الى انه في سباق مع الزمن ..
الفقه كان هو الغذاء اﻻساس الذي قدمه الصدر الى المجتمع ... لم يرتبط مع انصاره عبر طلبته بتوجيهات سياسية وﻻ خطط عسكرية بل باستفتاءات خطية ممهورة بختمه كان لها وقع سحري في القلوب ..فتصبح حديث المحبين والمبغضين ... ولعل من عجائب مرحلة مرجعيته الشهيدة انه اسهم في تفقه محبيه ومبغصيه معا !!
فالمحبون تفقهوا بارائه والمبغضون تفقهوا عبر النقد لارائه الفقهية واﻻنتقاص منها ليزدادوا علما بانه لم يكن اول من قال بها ..
اذن كان الفقه سﻻح محمد الصدر ومضمون ثورته ...هل تنبهتم لذلك ايها الباحثون المتحدثون عن الزعامة والشجاعة الصدرية ؟! 
الفقه احد اهم اركان الدين .. لقد حصل في تلك اﻻيام وعي فقهي نادر المثيل وكانت المجالس ﻻ تخلو من تذاكر المسائل الفقهية وتعليمها والغوص في ادلتها ومداليلها وبيان اﻻراء المختلفة للمسالة الواحدة ... هذا من جانب معرفي... ومن جانب سلوكي فان الفقه كمعرفة يخلق حالة نفسية وسلوكية للفرد تجعله يتحرك ضمن دائرة الحﻻل والحرام متحريا اﻻول ومتجنبا الثاني ... والفقه مقدمة اساسية للعﻻقة الصحيحة مع الله سبحانه ... 
لقد نجح الشهيد الصدر في صناعة مجتمع متفقه (في وقته طبعا ) ينظر بقدسية للفتوى ويحترمها وينشرها .. ليس عبر الرسالة العملية التي ﻻتخلو من تعقيدات بنوء بحملها المختص ( واذكر اني سالت احد كبار تﻻمذة الشهيد عن معنى عبارة وردت في المنهج فلم يستطع تفسيرها !) بل عبر اﻻف اﻻستفتاءات التي وجهت اليه وتم طبعها بشكل رسائل استفتائية او وريقات تنشر على نطاق واسع..اسهمت في تبيين ارائه حول مختلف المسائل ﻻيبما اﻻبتﻻئية منها 
لهذا وغيره تقدم على استاذه الصدر اﻻول قده في جانب نشر الفقه اجتماعيا على نطاق اوسع مما كان عليه ايام الصدر اﻻول ﻻسباب ﻻ محل لﻻفاضة فيها ههنا ...
والمؤسف ان هناك اليوم استخفافا واضحا وهجرانا للفقه في اﻻوساط اﻻجتماعية المتدينة فضﻻ عن غيرها بل ظهرت اتجاهات تحط من شان الفقه وتعتبره من المعارف التي ﻻقيمة لها في صناعة (الوعي ) ولهؤﻻء المساكين اقول لستم مخطئين فحسب بل ضالين ومضلين ... فالفقه اهم بوابات العﻻقة العبادية مع الله سبحانه واعظم مسببات نجاح حركة الشهيد الصدر قائدا وفقيها