ينتفض العراق اليوم من ركام الطائفية والتحزب بعد ان انهال عليه وابل التطرف والطغيان وتفشي الميليشيات الغير نظامية التابعة لبعض الاحزاب المتنفذة في البلاد والتي ظهرت بشكل منقطع النظير بعد سقوط النظام العام 2003 وما تبعه من قرارات كحل الجيش العراقي وبعض المؤسسات الحكومية والتي اسهمت بفوضى خلفت مآسي كثيرة، ومن هنا بدأت فصول المعاناة مع اطلاق يد تلك المليشيات المدعومة بموافقة اولي امر العراق الجدد، الامر الذي حولها الى وحش كاسر يحمل السلاح ويفسر ويطبق القانون وفق هواه.
ومنذ ذلك الوقت والبلد يسبح بدماء المغدورين ويستغيث بمن يحقن ويوقف هذا النزيف المستمر والمستبيح بقانون تلك الاحزاب والجماعات المتمردة والمرتبطة بأجندتها الرامية الى تعزيز نفوذها في البلاد والمنطقة برمتها.
وهنا يجب ان نثني على قانون الاحزاب الذي صوت عليه مجلس النواب مؤخراً, باعتباره انطلاقة حقيقية راسخة الخطى ضمن حزمة الاصلاحات البرلمانية لتنظيم عمل الأحزاب السياسية في البلاد، بعد ان بقي في ادراج البرلمان لنحو ثمان سنوات بسبب الخلافات السياسية، ولا يخلو القانون المذكور من التعديلات الايجابية ومنها انزال عقوبات رادعة تصل الى السجن لمدة 6 سنوات اذا تبنت اية جماعة تابعة للاحزاب، تشكيل مليشيا مسلحة داخل التشكيل السياسي, بالاضافة الى حظر أي نشاط عسكري أو تشكيل ميليشيات خاصة كما حدد القانون مصادر التمويل بوضعه عقوبات على التمويل الخارجي الذي يمثل ديمومة بقاء أغلب الاحزاب العراقية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول الجوار سيما ايران التي تقدم تدعم بشكل قوي الاحزاب التي تحكم البلاد بقبضة مالها وتبعيتها من اجل بسط نفوذها واستنزاف خيرات البلد, كما عمد القانون الى منح حزمة من الصلاحيات للمحكمة الادارية في اصدار اجازات الاحزاب السياسية وهذا قد يجعلنا ان نضع العديد من علامات الاستفهام، حول فعالية هذه المحكمة في عدم اعطاء الاجازات لكل من هب ودب.
ويعد التشريع البرلماني الجديد خطوة الى الامام بالرغم من المناكفات والخلافات التي رافقت اقراره لكنه سيمهد لاتخاذ كل التدابير اللازمة لحظر الميليشيات التي اثخنت البلاد الماً وفرقة، وعلها ان تكون خطوة اساسية في مكافحة الارهاب والفساد وصوتا مدويا من اجل احياء مشروع المصالحة الوطنية وفق اطار اقره مجلس النواب بإيقاف نشاط هذه الجماعات والجهات العدائية والعمل على تقديم كل الجناة المتورطين بدماء العراقيين الى العدالة في خطوة لاعادة اللحمة الوطنية العراقية وهو امر قد يكون بعيد المنال لكن بالنظر الى خطوات البرلمان الراسخة يمكن ان تكون واقعاً ملموساً خاصة اذا توفرت الارادة من قبل الجميع.
ان الإصلاح والتغيير امران مهمان تقوم عليه حصانة البلد وامنه ووحدته، وقد يكون تشريع قانون لحظر المليشيات خطوة من اجل عراق خال من اي نشاط عدواني يقوم على الغاء الاخر.
ان التوافقات السياسية كانت وراء اقرار القانون الذي ياس الجميع من ان يظهر الى العلن بهذا الاجماع الملفت من قبل الاطراف السياسية، وهو امر جاء بعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة وتقديم تنازلات كثيرة من اجل تهدئة الشارع العراقي الذي خرج باحتجاجات شعبية طالبت بإجراء اصلاحات جذرية شاملة ترتقي بالشارع العراقي نحو فجر طال انتظاره.
فتلتحم القوى وتتوحد الجهود لاقتلاع جذور اليأس وتهيئة الارض التي تجردت من الوان الربيع بسنوات خريفية صماء, ليكون للعراق سماء خير تغدقه امطار السلام, وشمسا للحرية والامان تشرق صباحاته المرتعدة خوفا من ظلمة المجهول.
مقالات اخرى للكاتب