يقال دائما أن القانون لا يحمي المغفلين حينما يجهل الناس ما يترتب على الافعال والقضايا من آثار وعقوبات نتيجة لها، لكن ماذا إن كان القانون هو الذي يستغفل الناس ليورطهم بنتائج هي حصيلة تطبيق تلك القوانين وجهل المشرعين ؟ اعتقد ان هذه معضلة كبيرة، وان المواطن الذي يطبق ما نص عليه القانون والمشرعين الحمقى لا يتحمل مسؤولية النتائج المترتبة على خطأهم وبالتالي فان الجهة التي شرعت هذا القانون عليها الالتزام بكلمتها والا يعتبر ذلك نصب واحتيال كما نصت عليه المادة 56 من القانون العراقي.
اسوق هذه المقدمة لأوضح ذلك بالأرقام وليس بالإنشاء ما يبدو غموضا في الفقرة الاولى وهو ما صدر بكتاب هيئة التقاعد العامة المرقم 1360 بتاريخ 15 / 9 / 2015 والمتضمن صرف الحقوق التقاعدية لموظفي الشركات والدوائر الممولة ذاتيا الخاسرة لمدة ثلاث سنوات متتالية استثناء من شرط اكمال 50 سنة من العمر استنادا الى كتاب مكتب رئيس الوزراء م.ر.و /10 /11391 بتاريخ 11/8/2015 وموافقة وزارة المالية وطبقا لأحكام المادة (12 /ثالثا ) من قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 حيث نص كتاب هيئة التقاعد على انجاز المعاملات التقاعدية وصرف الراتب التقاعدي استثناء من شرط العمر .
ضمن هذه الموافقات القانونية قدم الالاف الموظفين في وزارات الصناعة والاتصالات وغيرها معاملاتهم التقاعدية وبلغ عدد الموظفين بحسب بعض الاخبار الى 10 آلاف موظف تم تقسيمهم على وجبات نال 4 آلاف موظف هويات التقاعد والبطاقة الذكية فيما بقي ستة آلاف آخرين مستمرين بالمراجعة لغرض اكمال اجراءات التقاعد ليفاجئوا بإيقاف معاملاتهم وايقاف اجراءات التقاعد دون سبب واضح لهذا الاجراء .
الطامة الكبرى جاءت بعد توريط الالاف الموظفين بالإحالة على التقاعد وتسلم البعض منهم رواتب تقاعدية بكتاب آخر من رئيس هيئة التقاعد بتاريخ 23 /8/ 2016 والذي اوعز فيه بإيقاف المعاملات واعادة النظر بالمعاملات التقاعدية المنجزة واستعادة الرواتب من المتقاعدين بعد صرفها !! والتساؤل الذي يطرح نفسه هل أن مجلس الوزراء وهيئة التقاعد تنصب على الموظفين وتورطهم ثم تلغي قراراتها ؟ وما ذنب المتقاعد الذي تسلم الحد الادنى من الراتب البالغ 400 الف فقط ضمن الاستحقاق القانوني كي يعيد المبلغ وهو حقه، رغم أن فروقات رواتبه كموظف ضمن الدرجات الوظيفية في الدوائر قبل تقاعده تعادل اضعاف المبالغ البائسة من هيئة التقاعد ؟ ثم أن مجلس الوزراء كان قد وافق على صرف الحقوق التقاعدية استثناء من شرط العمر فما الذي تبدل كي يتم الاصرار على ان يكون عمر المتقاعد 50 سنة؟ وهل على الموظف الذي يتقاعد في سن 40 سنة مثلا ان ينتظر 10 سنوات كي يحصل على تقاعده ؟
حقيقة ان هذا الامر مخزي ومخجل ان يتم ملاحقة اضعف حلقة في سلم الرواتب التقاعدية فيما يتم التغاضي عن رواتب مجلس الحكم المستمرة لحد الان ورواتب تقاعد ضباط الدمج الذين لم يخدموا يوما واحدا في الجيش واصحاب الخدمة الجهادية في شوارع اوروبا وسوريا وبيروت والكويت وايران واعضاء البرلمان والرئاسات الثلاث الذين لا تتجاوز خدمتهم 4 سنوات .
أن من المعيب على الدولة وعلى المشرعين اذا كانوا يمتلكون ضميرا أن ينصبوا على الناس ليسرقوا قوت حياتهم او يدعون الاف الموظفين الذين خدموا في دوائرها لفترة لا تقل عن 15 سنة معلقين بين دوائرهم التي تخلت عنهم باعتبارهم متقاعدين وهيئة التقاعد التي ترفض اكمال معاملاتهم نتيجة لاجتهاد بعض المتنطعين بالوطنية دون رواتب ودون ما يؤمن حياتهم بعد أن قدموا خدمتهم ضمن ما نص عليه القانون .
ان على الموظفين الآن ان يرفعوا دعوى ضد هذه الحكومة ضمن المادة 56 بالنصب والاحتيال والا فما معنى ذلك سوى هذه المادة والتي تذكرني بنكتة طريفة تقول أن احدى النساء جاءت الى الطبيب بصحبة طفل صغير وقالت له ساعدني يا دكتور فقد ابتلع ابني هذا ورقة نقدية من فئة 250 دينار فابتسم الطبيب وقال لها لا تخافي عليه فهناك من ابتلع مليارات الدنانير ولم يحدث له شيء .
مقالات اخرى للكاتب