تسأل عن الوزارة الفلانية. فتجد ان الوزير من كتلة سياسية هي غير كتلة وكيل الوزير، وكتلة المستشار هي غير كتلة عشرة او اكثر من المدراء العامين وكل يريد ان يكون وجهه ابيض امام كتلته ولتكن وجوه اصحاب الكتل الاخرى سوداً مثل ليل دامس، كل واحد يحفر تحت اقدام الاخر استناداً لنظرية المحاصصة البغيضة التي جاء بها الامريكان اذاقهم الله عذاب الدنيا قبل الاخرة!، ونتساءل كيف يمكن ان تمشي امور الوزارة اذا كان هيكلها الاداري على هذه الشاكلة، ولقد قال تعلى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى).
يجتمعون مع بعضهم البعض وينصبون الموائد لبعضهم البعض ويتضاحكون مع بعضهم البعض، ولكن قلوبهم راجفة بالضغينة وكل يريد ان يمسك على الاخر مأخذاً يضمه الى ملفه الشخصي، بل ان كل واحد منهم يصرخ حين يحين الامر، ان عندي كذا وكذا من الملفات، وصارت الملفات حديث الجميع حتى ان الزوجة صارت تقول لزوجها (تسكت لو افتح ملفك)، فيسكت الزوج خانعاً ذليلاً لان ملفه اسود مصخم.
ملفات تعلوها ملفات. وكان الله في عون هيئة النزاهة من كثرة ما تردها من ملفات، والملف هو كل ما يمكن ان يجمع من اوراق ادانة ومساتندات للنيل من الشخص الذي يكون اسمه ومنصبه عنواناً له، وانا على يقين بأن قضاة التحقيق اذا ما احيلت لهم بعض هذه الملفات سيشربون عشرات الفناجين من القهوة وسوف تمتلئ منفضات السجائر بالاعقاب وتتحول الغرفة التي يعملون بها الى كالة من الدخان!.
هذا صحيح وهذا خطأ. هذا يحتاج الى دليل وهذا يقبله العقل، وهكذا دواليك والملف يتبعه ملف اخر، وتستمر المعمعة حتى ينجلي الظلام ويحل الصباح ويصيح الديك وتستيقظ شهرزاد طالبة فطورها من الخدم، ولكن الامر يستفحل يوماً اثر يوم، وتزداد اعداد الملفات وتتكوم فوق بعضها البعض وكل يبكي على ليلاه، في وقت تتكاثر فيه العقبان والغربان والضباع لتنهش لحم الوطن من خارج الحدود ومن داخلها، وفي وقت تتزايد فيه اعداد المجرين الذين تهدمت مدنهم وبيوتهم ويعيشون الان في الخيام وتحت السقائف يشربون ماء النهر ويفترشون الحصى والذل والمهانة وفي وقت يعاني فيه المجتمع من انتشار المخدرات وحالات تفكك الاسرة والجرائم الاخلاقية والبطالة بين الشباب، فانك مازلت تسمع باسطوانة الملفات المشروخة التي تذكرنا بالفخاخ التي ينصبها الصيادون لكي يصادوا بها ومن خلالها الطيور والغزلان والثعالب.
مقالات اخرى للكاتب