كان يمكن ان تكتظ الشوارع والازقة بالمحتفلين وترتسم الابتسامة على وجوه ملأها البؤس والحزن منذوقت طويل ، كان يمكن ان تهتف الحناجر وتصدع بالأغاني وتزغرد بالهلاهلللقائد الهمام ، كان يمكن ان يخرج طلبة المدارس والجامعات منتظمين على جانبي الشارع المؤدي الى مطار بغداد الدولي وهم يتهيئون لاستقبال رئيس الوزراء المالكي بأكاليل الغار عند عودته منتصرا من جولته العظيمة التي كان يتبختر فيها وهو يجول في أروقة البيت البيضاوي ، كل ذلك كان ممكنا وليس اقرب للخيال ، ولكن الذي حصل ان رئيس حكومتنا والوفد الرفيع المرافق له لم يكونوا على قدر الاستقبال والحفاوة سواء على المستوى الرسمي او بما يقتضية العرف الدبلوماسي . بل كان الاستقبال قمة في المهانة والاذلال والاستخفاف .
يبدو ان ساسة العراق لا يهمهم في هذه الدنيا سوى اللهث وراء ملذاتهم ومكتسباتهم حتى لو كلفهم ذلك ان يمرغوا رؤوسهم وانوفهم الف مرة في اليوم طالما ان ذلك يكمن في بقائهم في مناصبهم ، ان يسقط الماء عرقاً من جباه الرجال شجاعةً، غير ان يسقط ماء الحياء من جباههم ضعفاَ وجبناً ، ان تختار الموقف فيحفظ لك الكرامة ويجعلك قوياً في نظر الأعداء قبل الأصدقاء ، غير ان تختار المنصب ليوفر لك جاهاً مفقوداً ، ومالاً كان شحيحاً ، ووجاهةً كلما اقتربت منها هربت منك .
قيل أن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عرض منصب وزير على أستاذ في جامعة أكسفورد ، فرفض الأستاذ قائلاً : إن منصب الأستاذ في جامعة أكسفورد أعلى من منصب رئيس الوزراء !.
الأمم العظيمة يا حكام العراق ، تُبنى بوزراء علماء ، وساسة أفذاذ ، وزعماء كبار ، وأساتذة نوابغ في مجالهم .. لا أن يأخذ الجاهل ، والأمّي ، والفاسد ، والمرتشي ، مكان الوزير ، ويملأ بأمواله الحرام كلّ فم فيخرسه !.
ذهب رئيس حكومتنا الى واشنطن طالبا النصح والعون والمباركة لولاية ثالثة ، لكن الذي جرى انه لم يحصل على آداب وتقاليد حسن الضيافة ، وقبل ان تحط طائرة العودة الى بغداد ، انهال عليه الشركاء السياسيين بأشد واقسى عبارات الفشل والضعف إضافة الى الخسائر المالية الضخمة التي كلفت ميزانية الدولة في وقت كان الاجدر بهذه الملايين ان توزع على عوائل الفقراء والمعوزين الذين لا يجد الغالبية منهم ما يسد رمقهم اليومي ،
من يخسرون المال ينسَون خسارتهم بعد ربحٍ بسيطٍ ,أما من يخسرون المواقف ,فإن خسارتهم جرحٌ يظلُ نازفاً يوجِعهم حد البكاء ويبكيهم حدّ الهوسِ والجنون!!
الخسارةُ أن تترك أثراً سيئاً والربحُ أن تُخلفَ ذِكراً طيباً يتحدث به الأبعدون قبل الأقربون!فماذا تقول فيما صنعت من زيارتك يا رئيس الوزراء ... اخاسر انت أم رابح ؟
مقالات اخرى للكاتب