(1)
أنا سعيدٌ جداً بضياعِ ثروتكَ يا سيّد "برنت" Brent.
سعيدٌ جداً بتدهور صِحّتِك..يا شيخ عموم عشائر النفط الباسلة.
وعندما تموتُ..سيكونُ العالمُ أفضل بدونك.
وحتّى إذا لم تَمُتْ،وكانت"الجلطةُ" دائمة..ستحتفلُ الأسرةُ بذلك.
أشياء كثيرة جيّدة ستحدث،عندما تكون مُفلِساً،وعاجِزاً عن الحركة.
سيغادرُ الضيوفُ البيت.
ونتحرّرُ من صلةِ القرابة الزائفة.
ويختفي اللصوص من الواجهات.
ويلحَقُ القراصنةُ بكنوزهم في الجُزُرِ السريّة.
ويخيبُ ظنُّ الوَرَثة.
وتنبشُ الدولةُ في دفاترها القديمة.
ويبدأُ أفرادُ العائلة..
بالبحث عن عمل.
( 2 )
في مديرية الأحوال المدنية في الكرخ،التقيتُ بفتى في الثامنة عشرة، وعرفتُ منهُ أنّه " أميّ " لايعرف القراءة والكتابة.
وبعد محاضرة طويلة عن سلبيات ذلك،وضرورة التحاقه على الفور بمركزٍ لمحو الأميّة،إستمعَ اليها بأدبٍ جم،ردّ بهدوء:
-استاذ.أنا هنا لأنّ مديرية الجوازات طلبتْ مني هويّة جديدة للأحوال المدنية .
وعندما استلمُ جواز سفري،سأغادرُ هذا البلد على الفور.وهناك في "بلدي" الجديد،سأتعلّم لغة البلد الذي سأهاجر اليه.
لا أمتلك الحافز هنا لتعلّم اللغة العربية.سأوفّر جهدي لتعلّم لغة بلدي"الجديد" ،الذي سأعيشُ وأعملُ فيه في نهاية المطاف.
لماذا يحدثُ ذلك ؟
لماذا يفكّرُ فتى في الثامنة عشرة من العمر بهذه الطريقة؟
الشبابُ هم مستقبل هذا البلد.
ولهم الأولوية في الأهتمام والموارد.
هذه بديهيّة.أليست كذلك؟
أم أنّ هناك أولويات أخرى،وبديهيّات جديدة،لأولئكَ الذين أصبحوا"اولياء أمورنا"..وعلى أيديهم،وعقولهم،ونمط تفكيرهم،وسلوكهم،يتوقف مصير هذا البلد.
( 3 )
في قديم الزمان..
عندما كان النفطُ يُباعُ بسعر التراب.
كنتُ شاباً حُلواً،طيّب القلب..وأحبّها حبّاً جمّاً.
كنتُ أراها حلوة جدّاً.
ولسنواتٍ عديدة..كانت تحبّني جدّاً ..وتغمرُ روحي بالعرفان العظيم.
وعندما أصبح النفطُ يباعُ بسعر الذهب..
جاء جروٌ صغير
كان يلعَقُ الكثير من"الرَيْعِ "
من"ضِرْعِ" الدولة-البقرة
وأخذَ حبيبتي منّي.
حبيبتي ..لم تقُلْ شيئاً.
قالتْ لي انّها بدأتْ تحبُّ هذا"الجُروَ"جدّاً.
تحبّهُ أكثر ممّا تحبّني بكثير.
بعد ذلكَ بأيّامٍ قليلة ..عافتني وحدي ،
و ذهبَتْ معه.
( 4 )
أنت تحبُّ الجميع.
أولئكَ الرائعونَ،الذين يكتبون أشياء رائعة.
أولئكَ الذين لم تلتقِ بهم يوماً..ولم يجمعكَ بهم بارٌ،أومقهى،أو نادٍ، أو جيلٍ، أو مدرسةٍ، أو شارعٍ،أو مدينة،أو.. منفى .
أولئكَ الذين تعرف اسماءهم،وصوراً لوجوهِ البعض منهم.
تلك الوجوه التي تتمنى لو أنّها كانت قريبةً من وجهك،لتتلمسّها بأصابعكَ بفضولٍ ودهشةٍ،مثل أعمى.
الوجوه التي قد لاتصادفها أبداً،فيما تبقّى لك من الوقت المُضاف إلى زمنك المهدور، في لعبة حياتكَ الخاسرة.
أنتَ تحبُّ الجميع.
الجميع الذين لايحبّون بعضهم،لأسباب تجهلها..وأيّامٍ لاتنتمي اليها..حيث الكثيرُ من قصص التاريخ البائد،والثاراتِ التي لم تبْرَد بعد.
ولأنّهم كذلك..
سينتهي بكَ الأمرُ إلى ان لايحبّكَ أحدٌ منهم،كما تحبّهُم أنتَ.
وأن لا تكون مقبولاً من أحدٍ منهم،كما تتقبّلهُم أنت.
سيعاملونكَ كشيءٍ مُريبٍ،ومُلتَبِسْ،وفائضٍ عن الحاجة.
كجسدٍ مجانيّ،صالحٍ للعرض،في دكاكين العبث.
وهناك..في تلك الواجهات الباردة،ستسوّق نفسكَ اليهم،مثل أبلهٍ حديث الولادة.
لا يفترضُ بكَ أنْ تحبّ الجميع.
من يحبّ الجميع..
يستحّقُ ذلك.
صديقي الجميل مارك زوكربيرغ..
أنا لا أكادُ أمدُّ رأسي من باب البيتِ..إلاّ لأتأكدَ من أن بعض الكائنات الغريبة،لاتزالُ قادرة على التنفسِ.. في هذا السخام .
أنا لا أكادُ أعرفُ أحداً.
ماهذا الذي تجعلهُ يحدثُ لي
..عليكَ اللعنة.
مقالات اخرى للكاتب