يبدو أن التخطيط لخارطة الشرق الأوسط السياسية والاقتصادية تسير وفق المطلوب ، فالدستور الجديد لدول الشرق الأوسط يكتب بطريقة صحيحة بعد أن أعِدّ في المطبخ الأمريكي - الخليجي بعلم إيران ؛ فإعلان المملكة العربية السعودية قطع العلاقات مع إيران لم يكن قرارا متسرعا بل كان مخططا له ومدروسة وبدقة ، سيما وان ايران ايضا كانت على يقين من أن العلاقات مع السعودية ستنقطع ؛ بعد أن انقطعت مرتين ؛الاولى كانت في عام ١٩٨٦ عندما اكتشف الأمن السعودي عددا من الحجاج الإيرانيين القادمين لمطار جدة وهم يخبئون في حقائبهم مادة شديدة الانفجار وتٌعرف باسم c4، وخلال تفتيش رجال الجمارك ل٩٥ حقيبة تم ضبط ما يعادل ٥١ كغم من هذه المادة وسجلت اعترافاتهم وأعلنت بالتلفزيون السعودي عنها ؛ حين ذاك بدأت العلاقات تأخذ مسارا آخر ..
وبسبب الخلافات السياسية والاختلافات المذهبية على مر التاريخ بين السعودية وإيران فقد اتسمت العلاقات بين البلدين بالاحتقان الشديد، فقد قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع ايران في ١٩٨٨ بعد مصرع أكثر من ٤٠٠ شخص معظمهم إيرانيين اثناء أدائهم فريضة الحج في منى ، في صدامات مع الشرطة السعودية ، وتمت استعادة العلاقات عام ١٩٩١ من خلال تسيير مشترك تحت مظلة منظمة التعاون الاسلامي لمناسك الحج .
إن قطع العلاقات السعودية - الإيرانية في هذا الوقت يعد جزءا من خطة تم الاتفاق عليها قبل الإعلان عن إعدام الشيخ نمر النمر ، وقبل ان أخوض بتفاصيل أخرى لابد ان يعرف الجميع أن أكبر المتضررين بل الوحيد المتضرر من قطع العلاقات هو الشعب العراقي ؛ من خلال الطائفيين من السنة والشيعة الذين يبرز تجمعهم بهكذا مواقف ؛ فهناك من سيصبح المتحدث الرسمي باسم إيران والآخر باسم السعودية ، وكلاهما وقود لحرب اقتصادية اكثر منها عسكرية ، ولا استبعد ان تكون هناك حربا عسكرية لكن ايران لن تدخل بمثل هكذا حرب الا اذا كانت حربا عالميةجديدة .. لكن ستدخل بحرب اقتصادية كبيرة ؛ فالسعودية ستستخدم كل الطرائق الممكنة في هذه الحرب التي ستتضرر منها ايران بشكل كبير ، وقد تدخل السعودية بشكل فعال لدعم المعارضة في ( الأحواز) كأفضل رد على ايران وتعاملها ؛ ولكن السعودية ايضا ستتضرر كونها تعهدت بذلك ، وهنا الولايات المتحدة الامريكية والغرب بشكل عام خرج من حلبة الصراع " بذكاء" لكن أغلب دول المنطقة هي على علم ان هناك خلافا كبيرا سيحدث بين السعودية وإيران ؛ وقد سارعت بعض هذه الدول بالانضمام للتحالف الاسلامي ليكون موقفها معروفا واُخرى تدعم التحالف ولكن لم تعلن عنه بشكل رسمي .. سيما وان اعلان التحالف الاسلامي كان خطوة استباقية واستعدادات مبرمجة قبل إعدام الشيخ النمر وقطع العلاقات، واعلان البحرين والسودان قطع العلاقات وتخفيف التمثيل الدبلوماسي للامارات مع ايران جزء من التحالف الاسلامي .
البعض يقول ان صداما خطيرا سيحدث قريبا في منطقة الخليج تحديدا بين المحاور ، وهذا مالن يحدث بحسب توقعاتي ، بل ستبدأ الإمارات بالمطالبة بالجزر الثلاث ( طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى ) ولديها الاستعداد بخوض معارك من اجل استعادتها ؛ بالمقابل لا نستبعد ان يكون هناك لقاءا سريعا بير رجال الدين الشيعة من العراق مع قيادات حزب الله اللبناني بزعامة السيد حسن نصر الله للحوار في كيفية مواجهة السعودية في المستقبل القريب وبالأخص بعد إعدام الشيخ النمر وقطع العلاقات مع ايران ؛ وهنا نأمل الا ينجر العراق الى ماهو في غنى عنه ..
ان اتخاذ الرياض قرارا شديد الجرأة ، وقناعتها بان لديها استحقاقات اقليميا بالغ الأهمية متوجهة هي اليه يجعلنا ندرك ان قطع العلاقات ليس الخطوة الاخيرة ؛ بل ربما الاولى في سلسلة خطوات ستسرعها او تبطؤها طهران ايضا ،وفي كل حال فان السعودية تعلم يقينا ان قرارها هذا وتأثيره على ملفات سوريا وفكرة تسريع خطوات دعم المعارضة السورية واليمن وضرورة حسمه العسكري ، ولبنان واهمية تقوية وضع الأقلية السنية فيه ، والعلاقات مع تركيا ومدى استعدادها لتطويرها بشكل متسارع ، والعلاقات مع دول خليجية تحتفظ بعلاقات ما مع طهران ، وكذلك تدرك مسئوليتها حيال حلفائها داخل مجلس التعاون الخليجي ، وايقانها بضرورة دخول التحالف الاستراتيجي مع الدول الاسلامية مرحلة أكثر فاعلية وتماسكا .
المهم في الامر المعركة ليست عراقية مع بقية الأطراف ، فالعراق مطالب اليوم باتخاذ الموقف المحايد وان لا يعود الخطاب الطائفي وقتل الأبرياء العراقيين بسبب مواقف خارجية ؛ لكن المخاوف موجودة من خلال تفجير ثلاثة مساجد في محافظة بابل ، والاهم ان يبتعد الاعلام العراقي عما يجري كونه اهم الركائز التي ستساهم باستقرار الوضع او لا سامح الله تأجيجه طائفيا .. وان يلتزم الطائفيون من السنة والشيعة الصمت ، فبعضهم هكذا كتب ( وهنا نود ان نعلن تأييدنا ومباركتنا لقيادة المملكة وعلى رأسها خادم الحرميين الشريفين لخطوتهم المباركة هذه ، سائلين العلي ان يوفقهم الى المزيد من الخطوات الهادفة الى الذود عن دين الله وشرعه القويم ، فسيروا على بركة الله فنحن جميعا جنودا خلفكم حتى يتم تركيع ملالي طهران وعملائهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن ان شاء الله تعالى ) وكأنه الناطق الرسمي باسم السعودية ، بل يعلم انه سيساهم بقتل العراقيين . والآخر "يستنكر إعدام رجل الدين نمر النمر " عادا " هذا الامر هو بداية لنهاية حكم آلِ سعود " وطالب الحكومة العراقية ب" تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق الإرهابيين العرب والأجانب والابتعاد عن التسويف في هذا الجانب " وهنا ايضا الناطق الرسمي باسم ايران !! اتقوا الله بابناء العراق فأنتم وقود للحروب الطائفية ومن تساهمون بقتل ابنائكم .
فتركيا ستلقن ايران درسا كبيرا على الرغم من حجم التبادل التجاري بينهما ، والسعودية ستنتقم من ايران بعد ان طفح الكيل ، وإيران ستضرب العمق السعودي ، وأمريكا ستستنزف السعودية وإيران ماليا وسياسيا ، والعراق هو وقود الحرب.
مقالات اخرى للكاتب