نها باتت تفتخر على باقي دول المنطقة بهذه الديمقراطية التي بها يتم تداول الحكم والسلطة من خلال مشاركة الشعب ودوره الفاعل الرئيسي في الاختيار والتصويت وهذا جيد جدا ولكنه وسيلة وليس هدف نهائي!!!! لان المهم في الحكم العدل والمساواة والإنصاف ومحاربة الفقر والمرض والجهل وتوفير الأمن والاستقرار ..والغريب إننا نفتخر بالديمقراطية والحرية التي تميزنا عن الدول العربية ولكننا نتغافل عن أمور أخرى تتميز بها تلك الدول كالأمن والاستقرار والخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود .. فبدأ المواطن يفقد ثقته بالديمقراطية والحرية لولا هاجس الخوف من رجوع الدكتاتورية الطاغوتية الصدامية للحكم من جديد.... هذا الهاجس المخيف هو الذي أعطى للديمقراطية قوة دافعة وحافزا للبقاء والاستمرار...ولكن إلى متى يستمر هذا الهاجس فأن هناك عوامل تلعب دور في أفول هذا الهاجس أهمها تردي الخدمات وتدهور الوضع الأمني وعامل الزمن فكلما تقدم بنا الزمن كان النسيان كفيلا في القضاء على هاجس الخوف من رجوع الدكتاتورية وهذا الأمر يوفر الأرضية المناسبة لنشوء دكتاتورية جديدة أكثر قسوة وظلم وقد ينخدع بها الشعب ويعتبرها الأمل والفرصة التي لاتعوض ونحن الآن نسمع من بعض ضحايا صدام تمنيهم رجوع صدام الهدام من جديد لماذا؟ لعدة أسباب:
1- فشل الدولة الجديدة بمختلف سلطاتها في تغيير الواقع المأساوي الذي كان يعيشه الشعب في ظل تسلط فرعون العراق بل إن الوضع المأساوي السابق ازداد سوءا في ظل الديمقراطية الجديدة.
2-إن الكثير من أبناء الشعب لايشعرون إلا بما يعانون في الحاضر وهو ليس هينا ولكنه أهون من الظلم الصدامي بكثير... وينبغي رفض أي ظلم قل او كثر في السابق والحاضر والآتي.
3-تركيز وسائل الإعلام على نقاط ضعف الدولة الجديدة وتمجيدها لحكم صدام وهذا بحد ذاته يؤثر على وعي الكثيرين.
ومن هنا تأتي أهمية التربية التي لا ينبغي للدولة الجديدة إهمالها لان نشر ثقافة المواطنة الصالحة وصناعة المواطن هي من أعظم الأسباب لنجاح الدولة في استتباب الأمن والاستقرار والعيش الكريم.
إن المدرسة من أهم المؤسسات التربوية التي تتكفل صناعة المواطن الصالح شريطة إعداد المنهج التربوي الذي يتناسب ويتناغم مع قيمنا وديننا الحنيف وثقافتنا.إن الاهتمام بالعملية التربوية تبدأ بالمدرسة والتلميذ والمعلم بدءا برواتب المعلمين وبناء المدارس وتغيير المناهج إلى الأصلح .
كيف يمكن صناعة المواطن الصالح؟
إن الدين كفيل بصناعة المواطن الصالح والدليل على ذلك التعاليم الفقهية والعبادات التي تربي الإنسان على أهمية المصالح العامة حتى إذا تطلب الأمر التضحية بالمال والعيال والنفس كالزكاة والخمس والجهاد...
وقد تناول الشهيد محمد باقر الصدر (قد) هذه المسألة في كتاب نظرة عامة في العبادات حيث قال ما نصه:
(......ومن خلال الممارسات العبادية ينمو هذا الشعور الداخلي ويعتاد الإنسان على التصرف بموجبه وبهذا الشعور يوجد المواطن الصالح , إذ لايكفي في المواطنة الصالحة أن لايتخلف الإنسان عن أداء حقوق الآخرين المشروعة خوفا من رد الفعل الاجتماعي على هذا التخلف ،وإنما تتحقق المواطنة الصالحة بان لايتخلف الإنسان عن ذلك بدافع من الشعور الداخلي بالمسؤولية....)انتهى.
وهذا الشعور الداخلي لايكون إلا بالإيمان بالله الذي لاتاخذه سنة ولا نوم ولا تخفى عليه خافية ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الله المطلق العالم القادر اللطيف الخبير الذي أرسل الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين..ويأتي دور العبادة في ترسيخ هذا الشعور الداخلي بحيث يصبح حاضرا عند الفرد العابد حتى في حال غياب الرقابة الخارجية .
إن الأزمة الإنسانية التي يعاني منها البشر تتكفلها العقيدة والشريعة الإسلامية التي تربي الإنسان على السلوك الموضوعي والإيثار والتضحية بالغالي والنفس والنفيس لأجل الوطن والشعب قال تعالى(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والولدان)*النساء-65 *
ولا ينبغي للدولة إن تخالف الدستور الذي يمنع تشريع أي قانون يتعارض مع القران والشريعة وللأسف إن الملاهي والحانات ازدهرت في ظل الدولة الجديدة مع إنها تتعارض مع القران وثوابت الشريعة الإسلامية.
إن المواطنة الصالحة نتيجة طبيعية لتعاليم الدين والعبادة فالعابد المتدين حقا هو أكثر الناس حرصا وغيرة على شعبه ووطنه وإلا فهو يخالف ما يستهدفه الدين في بناء الإنسان الصالح والعبادة تمثل أهم وسيلة لسير الإنسان طوعا نحو الكمال المطلق اللامتناهي وبطبيعة الحال فان السير نحو المطلق الذي كله علم وعدل وقدرة هو جهاد ضد كل جهل وظلم وعجز...فهل يعقل إن يكون العابد المتدين غير متصف بالمواطنة الصالحة؟
إن العبادة الواعية لها دور تربوي عظيم في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فالعبادة هي التي تقوم بصناعة المواطن الصالح.
مقالات اخرى للكاتب