بينما تنتهك الولايات المتحدة الأميركية حقوق الإنسان في العديد من مناطق العالم، فضلاً عن الانتهاكات القائمة على التمييز العنصري ضد العرب، فإنها لم تفارق عادتها في إصدار التقارير التي تدين انتهاك حقوق الإنسان في عديد من الدول، لا تستثني دولة دون أن تدينها بانتهاكات لحقوق الإنسان على أراضيها، باستثناء بعض الدول التي تدور بالفلك الأميركي فهذه حالة استثنائية، منصّبة نفسها مجدداً كقاض لحقوق الإنسان في العالم.
قناع جديد يسقط، ليكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، التي طالما نصّبت نفسها مدافعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعطت لنفسها الحق في توزيع شهادات حسن السلوك على الآخرين، لكنها لم تعتمد يوماً المعيار الأساسي لتلك الحريات والحقوق، سواء داخل أراضيها أو خارجها، وهي أكثر الدول انتهاكاً لحقوق البشر.
والمفارقة الواضحة بين ما تعلنه الولايات المتحدة الأمريكية وما تفعله دفع أحد المحللين للقول: إن الولايات المتحدة هي أكثر الإمبراطوريات دموية في التاريخ... بل هي الأكثر وقاحة بين دول العالم في استخدام شعار حقوق الإنسان لتسوّغ أعمالها الدموية غير المسبوقة، ولا أدل من الأرقام والإحصاءات.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم هناك أكثر من 80 حرباً أو تدخلاً عسكرياً أو دعماً لانقلاب عسكري نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية في شتى أنحاء العالم، وكلها لا علاقة لها بحقوق الإنسان ولا بإضاءة مشاعل الديمقراطية، على الرغم من أن حملاتها العسكرية يتقدمها دوماً شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ففي عام 1944 قامت ثورة في غواتيمالا، وبدأ تأسيس حكومة ديمقراطية وبدت بشائر التنمية الاقتصادية المستقلة تلوح في الأفق، الأمر الذي أثار زوبعة هستيرية في واشنطن، لتعلن واشنطن عام 1952 أن ما يحدث في غواتيمالا معادٍ للمصالح الأمريكية، الأمر الذي أدى لقيام إدارة ''كارتر'' بدعم انقلاب عسكري في غواتيمالا، تسبب بسفك الدماء وإعادة الفساد.
وفي كانون الثاني عام 1969 غزا الأمريكيون بنما، وأعادوا السلطة إلى السفاح ''مانويل نوريجا'' المعروف بأنه أحد سادة تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية بحجة أنه ''الممثل الشرعي'' الوحيد للمصلحة الأمريكية في بنما. وفي سبيل تحقيق ذلك لا ضير من مقتل آلاف السكان البنميين، لكن عندما خرج ''نوريجا'' عن الخط المرسوم له، قامت الولايات المتحدة باختطافه بحجة تورطه في تهريب المخدرات إلى داخل أمريكا، متجاوزة بذلك الحصانة التي يمنحها القانون الدولي لرؤساء الدول.
لقد شنت الإمبريالية الأميركية الحروب الباردة التي جرت في كوريا وفي فيتنام ولاوس وكمبوديا ولبنان، والانقلابات التي أشرف عليها جهاز الاستخبارات الأميركية في غواتيمالا وأندونيسيا والبرازيل وتشيلي والأرجنتين، وحروب ما بعد الحرب الباردة في العراق والصومال ويوغسلافيا أفغانستان.
وللأسف يجري اليوم استغلال ورقة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم لأغراض الاستغلال الاقتصادي والسياسي والثقافي... وكأداة جديدة للتدخل الخارجي الفظ في الشؤون الداخلية للدول الأخرى... وتوظف الولايات المتحدة بنزعتها الإمبراطورية فكرة حقوق الإنسان في الوطن العربي من أجل خلق الفوضى والتشرذم والتفتيت، خدمة للمصالح الأميركية والغربية المتقاطعة مع مصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب.
وأولى الخطوات ضمن هذه الاستراتيجية كانت في العراق، البلد الذي ابُتلي بأمريكا وعانى وما يزال من ويلات وجودها العسكري فيه. فالعراق... الجرح العربي الدامي غزته أمريكا عام 2003 فهدمت الدولة العراقية وحلّت الجيش وأصبح سجن أبو غريب رمزاً للفضائح التي قام بها الأمريكيون والتي شاهدها العالم بأسره، وبعد الغزو بدأت حملات تحريض إعلامي وتمويل منظم للإرهاب قادته مشيخات وممالك النفط، ولم ترَ فضائيات الفتنة في المجتمع العراقي إلا الخلافات والتناقض وقام الإرهاب برعاية إقليمية دولية بتهجير منظم غايته هدم التنوع في مجتمع يعدّ من أكثر المجتمعات تمسكاً بهويته وثقافته المتنوعة وعمقه الحضاري فهجّر أكثر من أربعة ملايين عراقي وما زالت التفجيرات الإرهابية مستمرة حاصدة العديد من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم عرب.
أما في أفغانستان، وبعد أكثر من عشر سنوات على الغزو الأمريكي والأطلسي لها، فهي تغوص في مستنقع من العنف والقتل والفساد والإرهاب، ومع ذلك تتبجح الخارجية الأمريكية، بأن أفغانستان حليف رئيسي لواشنطن، وكأنَّ مثل هذا الإعلان يُطعم الشعب الأفغاني و يخلصه من ويلات الفقر والتطرف والجهل والعنف التي تسود بلاده.
وفي باكستان، يستمر قتل الباكستانيين جراء غارات الطائرات الأميركية من دون طيار بالعشرات، وغالباً ما يكون ضحايا هذه الطائرات من طراز ''درونز'' من النساء والأطفال، وتطال أحياناً خيام الأعراس ومجالس العزاء.
أما الصومال الدولة العربية الآمنة والهاجعة على كتف أفريقيا شواطئ يزيد طولها على أربعة آلاف كيلو متر توفر ما يقارب ثمانية مليارات دولار هي ريع العبور البحري في مياهها وذلك فضلاً عن ثرواتها السمكية، تدخّلت فيها أمريكا والنفط السياسي فدفعوها إلى مواجهات مسلحة وانتهى بها الحال إلى ما نراه اليوم دولة منهارة وحرب أهلية تقودها جماعات أصولية متشددة.
أما في دول أخرى، ففي سماء اليمن وحتى الفلبين تحلق أيضاً الطائرات بدون طيار وتطلق نيرانها القاتلة، ولم يُقدم ''أوباما'' على وقف غاراتها رغم اعتراف الجنرالات بأن نسبة الأضرار أي قتل المدنيين، عالية في معظم الأحيان.
أما ليبيا فهي شاهد على ديمقراطية أمريكا، فقد ضاعت في غياهب الفوضى والسلاح، وما زال القتل مستمراً، وفي لبنان زرعوا التوتر والطائفية في طرابلس، وفي مصر تسعى أمريكا عبر أدواتها الإرهابية إلى دخول مصر سريعاً في نفق الاستنزاف الدموي الداخلي المزمن والمفتوح على أسوأ الاحتمالات ومنها الحرب الأهلية وتحويل مصر إلى دولة فاشلة وتالياً احتمال التدخل الأجنبي بحجة ''حماية قناة السويس وفرض السيطرة على سيناء وإبعاد الإرهاب عنها'' وضمان أمن ''إسرائيل'' واستمرار الالتزام بكامب ديفيد...
واليوم في سورية الأطراف ذاتها والاستهداف نفسه أمريكا وأذرع لها في السعودية وقطر، تملك الإعلام التحريضي وتموّل الإرهاب وتستجلب المرتزقة والتكفيريين القتلة من أنحاء الأرض تدرّبهم وتدفع بهم إلى سورية، إلا أن مدينة عمرها يزيد عن سبعة آلاف عام والحاضرة الأولى في التاريخ وشعب قرأ تجارب شعوب سبقت يعلم أن الزبد سيذهب جفاءً وأن ما ينفع الناس سيمكث في الأرض.
والحرب ضد ليبيا هو النموذج الذي تعمل وفقه الولايات المتحدة في محاولة لإخضاع دول أخرى من بينها سورية وإيران الدولتان اللتان تعيقان تقدمها نحو الشرق.
وبما أن العديد من الدول ترفض إقامة قواعد عسكرية أميركية فوق أراضيها، يخطط البنتاغون على نشر سفن في المياه الدولية ابتداء من الخليج باتجاه الشرق يمكن استخدامها كقواعد عائمة خاصة بالقوات الخاصة. وثمة قواعد جوية وبحرية جرى إقامتها أو يجري إقامتها في تايلاند والفليبين وسنغافورة وأستراليا ودول أخرى.
ينطبق على أميركا المثل العربي القائل ''رمتني بدائها وانسلت'' فهي تدعو مجلس حقوق الإنسان مثلاً إلى أخذ زمام المبادرة والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في أي بلد يعارض سياساتها، وفي الوقت نفسه توبخ هذا المجلس إذا حاول مناقشة جرائم الكيان الاسرائيلي حتى ولو كانت موثقة على أيدي فريق أممي بقيادة قاض دولي هو ''غولدستون''. وهي تجيش الجيوش وتغزو البلدان وترتكب أفظع الجرائم بحق الإنسانية بذريعة تحقيق الحريات ومحاربة الإرهاب ومكافحة ''الديكتاتورية'' وفي الوقت ذاته تسهل للمرتزقة وشركاتهم الأمنية كل السبل لانتهاك حقوق الإنسان من العراق إلى أفغانستان مروراً بأفريقيا وغيرها.
فهذه الدولة لم يسبقها أحد في ابتداع أساليب ارتكاب الجرائم بحق الإنسانية جمعاء، وكذلك لم تتمكن أي جهة أو دولة في العالم من اللحاق بها في ترويج وتسويق اختراعات أدوات ووسائل انتهاكات حقوق الإنسان، حيث لم تترك وسيلة ممكنة في هذا الأمر إلا وأنتجتها واستخدمتها، وبرعت في العقدين الأخيرين في محاولات إخفاء جرائمها مستخدمة الجو والفضاء والبحر والبر بذريعة محاربة الإرهاب.
ولم يعد خافياً على أحد قيام أميركا بافتعال المشاكل وفبركة الروايات وممارسة التضليل وبث الافتراءات في العالم ومن ثم التحرك على مستوى المؤسسات الدولية ومنها المرتبطة بحقوق الإنسان للتدخل في هذه المناطق تحت ستار دعاوى جاهزة وكاذبة وملفقة لتحقيق المصالح الأميركية والصهيونية.
فهذه هي الولايات المتحدة الأمريكية قوة عمياء طليقة السراح في هذا العالم تسرح وتمرح كما تشاء، تعاقب هذا، وتكافئ ذاك، دون أي معايير أخلاقية وحسب مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها لاسيما مصالح إسرائيل وهي اليوم تمثل أبشع مثالٍ على نظام يدّعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بينما يدينه أقرب الناس إليه.
في الخامس من أيار عام 2002 أعلنت أمريكا انسحابها من معاهدة إنشاء المحكمة الدولية وبذلك تكون قد وجهت ضربة قاصمة للجهود الدولية لإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، وغايتها إيجاد آلية ردع دولية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأنظمة الديكتاتورية، وعلى الرغم من أن أمريكا انضمت للمعاهدة من دون التصديق عليها عام 2000، فإن المفارقة أن تكون الولايات المتحدة هي آخر دولة تضع توقيعها على اتفاقية إنشاء هذه المحكمة، وأول دولة تنسحب منها، بعد أن فشلت محاولاتها لابتزاز الأمم المتحدة، ووضع القانون الأميركي فوق القوانين الدولية التي توافقت عليها كل شعوب الأرض.
وتشترط على الأمم المتحدة أن تستثني الضباط والجنود الأمريكيين من واجب المثول أمام هذه المحكمة كشرط مسبق للمصادقة على عضويتها فيها. وبشكل أدق فإن الإدارة الأمريكية تطلب من الأمم المتحدة عدّ الجيش الأميركي فوق القانون الدولي، وأن من حقه أن يرتكب ما شاء من الجرائم، من دون أن تمتلك أي هيئة قضائية حق مساءلة أو محاسبة الضباط والجنود الأميركيين عما اقترفته أيديهم من جرائم ومجازر بحق الشعوب المستضعفة.
وفي هذا السياق شددت ''كوندليزا رايس'' مستشارة الأمن القومي الأمريكي سابقاً، في مقال نشرته في مجلة (Foreign Affairs) بالعدد الصادر في كانون الثاني سنة 2000، على ضرورة تجاوز الأسس القديمة للسياسة الأمريكية الخارجية بما يتناسب مع مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
وأشارت رايس إلى ''أن المصلحة الإنسانية الممثلة في الأمم المتحدة ومؤسساتها، تأتي في المرتبة الثانية بعد المصلحة القومية الأمريكية''، وعلى هذا الأساس ''لا يمكن للاتفاقيات والهيئات المتعددة الأطراف أن تكون غاية في ذاتها، فمصلحة الولايات المتحدة تقوم على تحالفات قوية يمكن تعزيزها داخل الأمم المتحدة أو في غيرها من المنظمات المتعددة الأطراف، كما يمكن أن يحدث ذلك عبر اتفاقيات دولية متقنة الصنع''، وعدّت رايس ''أن للولايات المتحدة الأمريكية دوراً خاصاً في العالم، لذا ليس من واجبها أن تنتسب لأي اتفاقية أو معاهدة دولية تقترح عليها''.
وفي دراسة أعدها كل من ''نعوم شومسكي وإدوارد هرمان'' عن القوة والعقيدة في الولايات المتحدة أشارت إلى أن المسؤولين الأمريكيين يفرقون بين نوعين من الفظائع: ''حمّامات دم جيدة وبناءة'' وهي التي ترتكبها القوات الأمريكية أو الولايات المتحدة ضد أعدائها، و''حمّامات دم شائنة'' وهي التي يرتكبها الأعداء الرسميون لأمريكا، وهذا النوع يستدعي غضباً عظيماً وخداعاً وتلفيقاً على نطاق واسع في معظم الأحيان، حيث يصبح كل من يدافع عن وطنه إرهابياً، فالفلسطيني ''إرهابي''، والأفغاني ''إرهابي''، والعراقي ''إرهابي'' وفق هذه العقلية الأمريكية.
أمريكا اليوم من أكثر دول العالم على الإطلاق انتهاكاً لحقوق الإنسان، وما تفعله وتصدره من صخب وضجيج عن حقوق الإنسان ليس سوى ستار تخفي خلفه نزعتها للتوسع والسيطرة، تلك النزعة التي جُبلت عليها الإمبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال جماجم الملايين من الهنود الحمر، وعليه فان شعارات حقوق الإنسان هي اللافتة التي وضعتها الولايات المتحدة أمام أي تحرك خارجي لها لتغطي بها ارتكابها أبشع ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان في تاريخ البشرية.
وما يؤكد هذا الطرح، ما نشر للرئيس الأمريكي الأسبق ''كارتر'' في مقال بصحيفة '' هيرالد تربيون'' قال فيه: ''إنَّ بلاده تخلت عن دورها التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم'' بل تجاوز ذلك ليقول بملء الفم: ''إن سجل أميركا الحالي مُعيب، وإنها فقدت السلطة المعنوية للتحدث عن حقوق الإنسان وعن صون الحريات الشخصية حتى في الداخل الأميركي''.
هذا ويشير ''كارتر'' الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2002 إلى سياسة الاغتيال الرسمية التي تبعتها الإدارة الأميركية خارج أراضي الولايات المتحدة، والتي تبيح قتل مواطنين أمريكيين، كما يشير إلى قانون جديد تمَّ اعتماده مؤخراً، يمنح الرئيس الأميركي سلطة احتجاز أشخاص، حتى لو كانوا أميركيين، إلى أجل غير مسمى بدعوى الشك في ارتباطهم بمنظمات إرهابية، ودون رقابة من الكونغرس أو من المحاكم الفيدرالية.
إضافة إلى ذلك، فإن قوانين أخرى صدرت بعد أن تمّ تمريرها على أثر هجمات أيلول 2001 تخرق الحريات الشخصية للمواطنين وتتيح مراقبة الاتصالات والمراسلات الالكترونية دون إذن قضائي، من قبل الوكالات الاستخبارية بدعوى حماية الأمن القومي. وهناك معتقل غوانتنامو الشهير الذي وعد ''أوباما'' بإغلاقه ولم يفعل، والذي تمت وتتم فيه حتى الآن عمليات تعذيب يندى لها جبين الإنسانية بهدف الحصول على معلومات واعترافات بالقوة.
يقول ''كارتر'' بهذا الشأن ''إن نصف المحتجزين هناك، ويبلغ عددهم 169 شخصاً تمت تبرئتهم، مع ذلك فإنه من غير المحتمل إطلاق سراحهم، أما الباقون فإنهم سيقضون بقية حياتهم في المعتقل دون أن توجّه لهم تهم أو يعرضوا على محاكم''.
وقبل أيام نشرت ''ديلي ميل'' البريطانية، صوراً ووثائق سرية جديدة كشفتها لأول مرة تؤكد أن الولايات المتحدة أجرت في سنوات سابقة تجارب علمية ومخبرية على أميركيين من ذوي الإعاقة، وسجناء معتقلين في سجون أميركية، ومعتقلات أجنبية تشرف عليها سلطاتها، هي دليل واضح على ما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية، وتفضح سياستها المستندة الى عقلية لا تلتزم أدنى معايير القيم والأخلاق.
فمن يدعي السعي لاحترام حقوق الانسان لا يقم بقصف المدنيين والأطفال والنساء بالطائرات والبوارج لمجرد الشك بوجود إرهابيين وفق التصنيف الأميركي. ومن يزعم احترام حقوق الانسان لا يقم بإنشاء سجون ثابتة وطائرة ـ جوية وبحرية وبرية في كل مناطق العالم ويمارس شتى أنواع التعذيب ومخالفة أبسط القوانين الانسانية والأمثلة الأميركية الصارخة على ذلك بدءاً من غوانتانامو ومروراً بالسجون السرية والطائرة في أوروبا وسجون العراق وعلى رأسها فضائح أبو غريب وصولاً إلى أفغانستان ومحيطها الإقليمي شواهد حية ومفزعة لقوائم الانتهاكات الأميركية لحقوق الإنسان في كل انحاء العالم.
لقد كانت أمريكا من الدول الراعية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 لكنها في هذه الأيام تقوم بخرق معظم بنود هذا الإعلان بل أنها مزقته، حيث أعمتها قوتها العسكرية وأعماها غرورها الذي يضعها كما تتصور فوق المحاسبة أو المسائلة.
يقول ''كارتر: ''إن سجل الولايات المتحدة المخزي يؤكد أنها تمضي بعكس اتجاه التاريخ بعد أن ثارت شعوب العالم مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية وبدلاً من أن ُتقدّم أميركا نفسها كمثلٍ أعلى لباقي دول العالم، فإنها تخلق المزيد من الأعداء وتحرج أصدقاءها بضربها عرض الحائط بروح ومضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان''.
العالم بدأ يدرك اليوم أن الادعاءات الأميركية بالدفاع عن حقوق الإنسان ما هي إلا أكذوبة كبرى، وستار تخفي وراءه واشنطن نزعتها في الهيمنة والتوسع، لفرض سياستها وتحقيق مصالحها الخاصة، دون الاكتراث لما تخلفه تلك السياسة من خراب ودمار وفوضى عارمة تستهدف الشعوب في أمنهم واستقرارهم.
فأين حقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان... بل أين هي حينما تحاصر الشعب السوري ولو استطاعوا أن يمنعوا عنه الماء والهواء لفعلوا...؟!
أين حقوق الإنسان في السعودية وقطر والبحرين... ألم يروا رؤوساً تتطاير وأجساداً تمشي بلا رؤوس حين ترتفع يد السياف في السعودية...؟!
أين حقوق الإنسان في مشيخات وممالك النفط التي تلعق أذناب أسيادها، وفي الوقت ذاته هذه الدول لا تخرق فقط اتفاقيات جنيف حيث قرارات الأمم المتحدة (1970 ـ 1973 ـ 2011) وإنما هي تغطي ممارسات القتل والاغتصاب والإيذاء الجسدي المبرح وحرق وتدمير الممتلكات، و تتغاضى عن جرائم القتل العمد وتدعم الارهابيين وتحرض على الأنشطة الإرهابية التعذيب والتشويه وتدنيس حرمات المقابر.
والمفارقة الكبرى، أن واشنطن تصدر كل عام تقريرها عن حقوق الإنسان في العالم، ولكن وفق طريقتها الخاصة، وكل دولة لا تسير في فلكها تضعها في خانة ''منتهكي الحقوق''، وبنفس الوقت تبتدع أحدث الأساليب والمعدات المخصصة لأغراض التعذيب، وتصدرها لمن ينضوون تحت رايتها وتمنحهم شهادات وأوسمة لحسن سلوكهم، والأغرب أنها تتحدى العالم وتستخدم الفيتو ضد أي قرار يدين حليفتها إسرائيل لمصادرتها الحقوق وارتكابها أبشع الجرائم.
فهي تنشر قواعدها وحاملات طائراتها وجنودها وجواسيسها في أنحاء المعمورة، وتقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في العالم، يوجه أصابع الاتهام إلى دول أخرى، مستخدماً أساليب بشعة لا تمت للحقيقة بصلة. مستهتراً بموضوع حقوق الإنسان لمصلحة أميركا، من خلال إصدار تقييمات منحازة ومعايير مزدوجة، بينما تتستر واشنطن على انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة نفسها، وفي دول أخرى حليفة لها، مثل الكيان الإسرائيلي الذي يخرق يومياً وبشكل إجرامي ممنهج حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي في الأراضي المحتلة.
إن الاهتمام المزيف بحقوق الإنسان من قبل أميركا وحلفائها هدفه الهيمنة والاستحواذ على ثروات الشعوب. أما الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان فهو مهمة سامية على المجتمعات الإنسانية نشرها وتحقيقها من خلال احترام القانون الدولي ومبادئه ومن خلال التعاون المثمر بين كافة الشعوب. ومن الواضح ان ادارة ''أوباما'' تلعب بالنار المستعرة في المنطقة وهذه النار لا تعرف التمييز في حال اشتدادها وتمددها بين المصالح الأميركية وغيرها وربما سيكون البادىء بإشعالها أول من يأتيه الحريق.
مقالات اخرى للكاتب