هناك مقولة قديمة تداولها الأعراب من أجدادنا مفادها: “المورد العذب كثير الزحام”. اما المورد فهو مصدر الماء الذي ترد اليه الناس، إذ يكون الحصول عليه في بعض الأحايين فوزا عظيما، وكيف لا وهو أساس كل شيء حي!. وتتنوع تلكم المصادر باختلاف ملوحة الماء وعذوبته وغزارته، ومن المؤكد ان الناس تلجأ دوما الى السهل واليسير وتعكف عن الصعب والعسير، إلا ان التضحية بالصعب أحيانا يستسهلها المرء أمام الصيد السمين والمغنم الوفير، فيشترك بهذا الناس في اختيارهم المورد العذب والغزير وان كان الوصول اليه صعبا وعسيرا.
وادي الرافدين منذ الأزل دأبه دأب المورد العذب الذي يكثر الزحام عليه، بل لطالما وصل اليه الزحام حد النزاع والاقتتال، وبتقدم التكنولوجيا وصناعات الأسلحة لم تألُ الجهات الطامعة في هذه الرقعة، من استخدام ما استحدث من سلاح وعتاد، كي ينالوا به ما استطاعوا من خيرات هذا البلد. أما عن آخر الصيحات في عالم العدوان والأطماع فهو سلاح أدخلته جهات من المؤسف أنها دول مجاورة، سلاح ان استشرى في البلاد قادها الى التخلف والتداعي الى حيث لاقائمة تقوم لها بعدها، ذاك السلاح هو (المخدرات) التي أدركت كل دول العالم مدى خطورتها وسوء عواقبها ان تفشت في البلد، فكان الإعدام هو العقوبة التي يواجهها مروجوها وتجارها وحتى متعاطوها، وذاك للحد من انتشارها. أما تسويق هذه المادة الى بلد مثل العراق، فإن وقفة جدية وحازمة على الساسة القيام بها، واتخاذ الإجراءات الصارمة بحق المروجين والمتعاطين والممولين على حد سواء. وبدل انشغال القائمين على إدارة دفة البلد بتشريع قوانين ليست ضرورية في الوقت الحالي، وقراءة أخرى ثانوية قراءات أولى وثانية وعاشرة، في الوقت الذي بالإمكان إرجاؤها الى أجل مسمى او حتى غير مسمى، عليهم متابعة الآفات التي باتت تأكل من جرف الوطن والمواطن، بما ينذر بعاقبة وخيمة قد يتعذر إصلاح ما فسد فيها، ويستحيل العلاج حينها الى هواء في شبك، او يكون كمن ينفخ في قربة مثقوبة، ولات حين مناص..!
كذلك على الساسة المتبجحين بملء أشداقهم، مدعين حفاظهم على الأعراف الاجتماعية والإرث الأدبي والأخلاقي والديني في البلاد، أن يلتفتوا الى ظاهرة انتشار آفة المخدرات في جسد المجتمع، لاسيما في النسغ الصاعد منه المتمثل بشريحة الشباب، والذين يعول عليهم في بناء البلد حاضرا ومستقبلا. ومن غير المقبول ولا المعقول، أن يقف القانون عاجزا أمام مواجهة ظاهرة انتشار المخدرات، والمسؤولون من جهتهم يتخذون موقف المتفرج إزاءه، أما رجال الدين، فإني أرى أن يلجأوا الى الضغط من جميع الجهات، للحد من تفشي هذه الظاهرة، ومن هذه الجهات العشائر ورؤساؤها، فالأخيرون يتحملون وزرا كبيرا في هذا المجال، إذ يتوجب عليهم مسك هذا الجانب من خلال نفوذهم وسلطتهم وسط عشيرتهم، وحث -بل إجبار- رؤساء الأفخاذ المنضوين تحت رايتهم، على متابعة حثيثة لشبانهم، مايعد أكبر وازع ورادع من الانجراف أمام سيل هذا التيار العارم، الذي انجرفت أمامه أمم وانسحقت تحت شبح الإدمان وما يؤول اليه من الإنجرار في متاهات الجريمة.
ومن باب آخر فان مثل هذه التصديرات الى العراق يجب ان تلاقي اهتماما بالغا من المسؤولين والمعنيين في الحكومة، والوقوف ضدها بحزم صادق وبأس شديد. ولمن تورط فيها داخل البلد يجب ان ينال أقصى العقوبات، ليكون عبرة لمن اعتبر، لتبتعد أشباح الممارسات اللاإخلاقية عن الولوج الى مجتمعنا وتبقى صورته جميلة زاهية بهية. فهل نقول رحم الله عهد صدام، يوم لم نكن نسمع بالمخدرات إلا في الأفلام؟.
مقالات اخرى للكاتب