ارسل لي سماحة الشيخ فاتح كاشف الغطاء (رحمه الله) رسالة نصية، في يوم سيطرة عصابات داعش على قرية البشير مفادها (ان هنالك ثلاث نسوة في قرية بشير تم قتلهن و تعليقهن على مكان عالِ انتقاما منهنّ) وكجزء من مهامي الوظيفية والانسانية كعضو في مفوضية حقوق الانسان بدأت اجمع المعلومات عن الجريمة البشعة، و بلغني ان الضحايا كن أماً وابنتيها الاثنتين، وكان لدينا اتصال و تعاون كبير مع الاخوة التركمان النازحين من بشير في ايصال المعلومات لنا.
اصدرنا بيانا عن بشاعة تلك الجريمة و خصوصا انها طالت النساء و بتلك الوحشية، وضمنت تقريري المقدم للجهات المختصة تفصيلات عنها وعن ما جرى من انتهاكات لحقوق الانسان التي يقوم بها الدواعش.
بعد ايام.. وصل عدد من نازحي قرية البشير الى كربلاء المقدسة و سكنوا في هياكل الحسينيات. جرى تنسيق مع بعض الاخوة النازحين من التركمان، وذهبت لزيارة النازحين و برفقتي فريق من موظفي المفوضية مختص بالرصد و تلقي الشكاوى.. و طالبت و بشدة ان اجلس مع عوائل نازحة من القرية ، و شاء القدر ان اجلس مع احد العوائل التي كانت تعيش بامان و سلام قبل سيطرة عصابات داعش.
النساء تحاولن رغم الظروف الصعبة لهن ان تجهز الخبز من خلال كميات الطحين المتيسرة وعبر المواقد التي تستخدم الحطب، فيما انشغل القسم الاخر في تقطيع الهيكل بالبطانيات ذات الالوان الزاهية.. و رأيت عددا من الاطفال و استمعت الى اصوات الاخرين خلف تلك البطانيات- سالت احد النازحين ،كم عائلة انتم؟ اجاب 4 عوائل.. و اردف قائلا، )كانت لنا بيوت و مكائن لحصاد الزرع).. فقلت ماذا تحتاجون؟ فأشار بيده الى المكان.. و قال: )انتِ تشاهدين المكان، نحن نحتاج الى كل شيء) واردف قائلا: (و هذا ما لم نعتد عليه سابقا، لكن ان شاء الله سنرجع للعمل في المناطق القريبة على قريتنا(.. .
كان هنالك شاب يقف قريبا مني ترك دراسته في الاعدادية و تكلم لي عن مقتل خطيبته و امها و اختها على يد الدواعش مع مواطنين و تُرِكت جثثهم في العراء لما يزيد عن 10 ايام لرفض الدواعش تسليم الجثث لذويها لإجراء مراسيم الدفن الشهداء ..واصر الدواعش على بقاء الجثث في العراء ، الى ان استطاع احد شيوخ العشائر ان يتفاوض مع الدواعش لتسليم الجثامين الطاهرة، التي حُمِلت على احد الابواب الحديدية ورُبِطَت بالحبال و سُحبت بواسطة سيارة الى خارج قرية البشير.. و من ثم حمل الاهالي الجثامين بسيارة اسعاف.. الا فتاة لم يقترب منها احد.. فجاء ذلك الشاب (خطيب الفتاة( فحملها بنفسه.. الجثث كانت قد اثرت بها حرارة الشمس .. فتغيرت الوانها..
سألت الشاب اتسمح لي ان اسجل كلامك هذا.. فرفض والده رفضا قاطعا.. و طالبت منهم ان يسجلوا شكوى لدينا..
و هنا ايضا رفض الوالد رفضا قاطعا!!.. فقلت اذن سأدون المعلومات على الورق.. فوضع يده على اوراقي بعصبية و اصرار.. و قال: لا تذكري اي اسم.. . فتساءلت بغرابة لماذا؟ فأجاب.. نحن لن نبق هنا.. و غدا ان شاء الله تتحرر مناطقنا و نعود لنعيش في مزارعنا.. و سيرجع الدواعش كمواطنين عاديين (لانهم من اهل قريتنا)، فمن سيحمينا انا و العوائل التي معي؟ و تساءل باستغراب.. حكومتكِ!!؟ و استدرك.. ستنسونا هناك من جديد!!!.. خرجت من هيكل الحسينية و انا مذهولة.. لا استطيع ان اضع قدمي على الارض.. و مازال منظر الشاب امامي و هو يمد يديه الى الامام و يقول ..
(انا حملتها.. انها خطيبتي.. (نعم من هو ولي دم تلك الفتيات؟.. و هل سيرجع الدواعش بدون قصاص؟ و هل سترتفع الاصوات هنا و هناك داعية الى ان يعيش هؤلاء المجرمون بين الاهالي من جديد و بدون حساب او عقاب..؟؟ شهادة.. اقولها للتاريخ.
مقالات اخرى للكاتب