العراق تايمز: تحقيق/ مروان الفتلاوي..
أرجع قضاة أسباب جريمة "قتل الأصول" إلى "الطمع" و"غياب الوازع الديني والتفكك الأسري"، وتحدّثوا عن أشكال هذه الجريمة، مشيرين إلى أنها من أكثر القضايا سرعةً في الحسم.
وقال القضاة إن "قتل الأصول" من الجرائم القليلة، لكنهم شددوا على عدم إمكانية وصفها بـ"النادرة" لأنها بدأت تأخذ حيزاً بين الجرائم المفروضة حالياً.
وبدأت المحاكم تستقبل بعد 2003 أشكالا جديدة من هذه الجريمة، لعل من أبرزها ما يتم بدافع إرهابي، وذكر القضاة أمثلة عديدة لقتل الأبناء آباءهم تحت وطأة ما يسمى بـ"الفتاوى الدينية".
من هم الأصول؟
والأصل هو "الأب وإن علا، والأم وإن علت، أي الأب وأبوه وأمه وأصولهما، والأم وأبوها وأمها وأصولهما، أو ما يسمى بعمود النسب"، هكذا يعرّفه رئيس محكمة جنايات بغداد/ الرصافة- الهيئة الاولى.
وقال القاضي خضير كاظم رسن إن "لفظ الأصل لا يشمل الأعمام والأخوال وبقية درجات القرابة"، مبيناً أن "المرضعة تعتبر أصلاً، وكذلك الأم الزانية، فهي أمٌ وإن كانت بطريقة غير شرعية"، إلا أن القاضي أكد أن "أزواجهما لا يعدان من الأصول".
وبين رسن في حديث إلى (المركز الإعلامي للسلطة القضائية) أن "الآراء القانونية والفقهية تباينت في تحديد الأصول، فهناك من لا يدخل الجد والجدة للأم من الأصول، لكن الغالبية تعتبرهم أصلا كونهم من عمود نسب الأم".
طمع!
وعزا رسن اسباب ارتكاب جريمة قتل الأصول إلى عوامل نفسية ومادية فإضافة إلى "النزغ الشيطاني والانحراف والدوافع الجرمية"، رأى رسن أن "الطمع يقف في مقدمة الأسباب المادية وراء هذه الجريمة، سواء كان في جاه أم سلطة، أو ميراث، فحوادث قتل الأصول حول العالم طمعاً بالكرسي والجاه كثيرة"، مشيرا إلى أن "هناك الكثير ممن يعتقد أن وجود والده على قيد الحياة يمنعه من الحصول على اموال او وجاهة".
وأضاف رسن أن "علماء النفس فسروا سببا آخر وهو أن الابن يؤمن باعتقاد أن للأب سلطة علوية عليه تمارس الضغط، وربما يكون دافع القتل للتحرر من هذه السلطة أو الانتقام وهذا يشكل نوعا من أنواع الانحراف".
وتابع "بعض الآباء يعاملون الأبناء بعنف ما يضاعف هذا الدافع للانتقام والتحرر إلى حد ارتكاب جريمة من هذا النوع".
إرهاب!
ويبدو أن جرائم قتل الأصول لم تسلم أيضاً من الدوافع الإرهابية، فكما يقول رئيس محكمة جنايات الرصافة فأن "المحاكم بعد 2003 بدأت تستقبل قضايا عديدة لقتل الأصول بدافع إرهابي".
ولفت إلى أن "الكثير من الإرهابيين أزهقوا حياة آبائهم بسبب ممارسة أولياء امورهم ضغطا عليهم لترك العمل في التنظيمات المسلحة، ويمارس ما يسمى أمراء القاعدة اصدار فتاوى لقتل الآباء بجريرة إنهم عملاء للدولة أو كفار".
عقوبة مشدّدة
وعن سبب تشديد عقوبة قتل الأصول أجاب رسن "أن هذه من الجرائم الكبرى لأنها تنهي الاسرة، والخالق أوصى بالوالدين واعتبر كلمة "أف" إساءة كبيرة جدا فما بالك بمن يقتل أصوله".
وأوضح أن "القانون شدّد العقوبة للحفاظ على الروابط الاسرية من التفكك والانحلال، والمجرم الذي يقتل أصوله فهو على درجة كبيرة من الإجرام"، وتابع أن "من يستهين بحياة والده، من المنطقي أن يرتكب أبشع الجرائم بكل سهولة، لذلك شدد المشرع العقوبة كإجراء ردعي للجاني".
بواعث شريفة!
وحدد قانون العقوبات العراقي في المواد 128 – 130 ظروفاً للنزول بالعقوبة وتخفيفها، ويورد رسن أمثلة لهذه الحالات "كأن يكون الجاني يعاني من عاهة أو مرض نفسي وهنا ممكن أن تلجأ المحكمة للتخفيف"، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان "تكون هناك بواعث شريفة للقتل وعرضت امامنا قضايا كثيرة كأن يقتل أحدهم والدته لأنها ذات سمعة سيئة وتسبب له عارا وجرحا في كرامته أمام المجتمع فيلجأ إلى قتلها تحت وطأة الضغط النفسي".
وبين قاضي الجنايات أن "العقوبة تكون مخففة أيضاً في حال الاستفزاز، كأن يعتدي الوالد على ابنته عندما يكون تحت تأثير المسكر كما حصل في حالات عديدة ما أدى إلى قتله من قبله ابنه أو ابنته".
وقال رسن إن "المحكمة تميل في هذه الحالات بعد التحري وإفادات الشهود إلى تخفيف العقوبة، وتدخل بعض جرائم غسل العار جرائم غسل العار في هذا الباب".
بيوت وأسرار!
وتغور هذه الجرائم عادة في عمق البيوت وأسرار العائلات، وغالباً ما يمتنع الشهود عن البوح بكل التفاصيل كما في جرائم غسل العار ويخفون بعض الحقائق حفاظا على سمعة العائلة، فيوصي رسن القضاة بمراعاة ذلك، مشيراً إلى أن "أغلب أطراف الدعوى يكونون من أطراف العائلة الواحدة فالمدعي بالحق الشخصي هو نفسه من أهل الضحية والقاتل".
والقاعدة العامة أن تكون جلسة المحاكمة علنية لكن قد تكون سرية في مواجهة هكذا قضايا وربما يكون ذلك عن طريق طلب من قبل أطراف الدعوى وللمحكمة أن تقرر جعل الجلسة كلها أو بعضها سرية ولها الحق أن تمنع دخول بعض الأشخاص إذا كان هذا يضر بالأمن أو إلى المس بسمعة شخص أو عائلة".
الخطأ بالتصويب
وردا على سؤال حول قتل الأصول بالخطأ، حين يكون الجاني قاصدا قتل شخص أجنبي، يقول القاضي "إن احد أركان جريمة قتل الأصول هو القصد الجرمي، أما غير ذلك فتكون جريمة قتل عمدية اعتيادية ولا تتوفر فيها شروط جريمة قتل الأصل، لان النية لم تتوفر تحديدا لقتل اصله".
أما اذا كان الجاني قاصدا قتل أصله وأخطأ فأصاب الأجنبي، يرى "أن النتيجة وهي قتل الأصل لم تتحقق فتعتبر جريمة قتل اعتيادية أيضاً".
حسم سريع
واعتبر رسن ان جريمة قتل الأصول هي "إحدى أكثر القضايا سرعة في الحسم لأن اطراف القضية هم من عائلة واحدة وليسوا مشتتين فالمدّعون والشهود من بيت واحد، ما يسرع الإجراءات ويعجّل في حسم القضية"، موضحا انه "على الأغلب يكون هناك تنازل لأن العائلة عادة عندما تخسر شخصاً لا تريد أن تخسر الآخر، وكلا حسب ظروفه".
دور الباحثين
وبشأن دور الباحثين الاجتماعيين لاسيما أن الجرائم متعلقة بالأسرة، يوضح رسن أنه "في محاكم البالغين لا يوجد باحثون اجتماعيون ووجودهم ينحصر في محاكم الأحداث، وحتى هذا الدور ضعيف لا يرتقي لتقديم البحوث وتحليل الظواهر الاجتماعية الطارئة والدخيلة".
ويفترض القاضي على الباحث الاجتماعي "أن يقدم البواعث الحقيقية وراء ارتكاب هكذا جرائم وأن يطرح حلولا للحد منها الجرائم. فالجريمة ترتكب لضعف الوازع الديني والنزغ الشيطاني والطمع"، كما يعبّر.
واقترح رسن أن "يفرد القانون لهذه الجريمة مادة مستقلة وفيها تفصيل لمدى خطورتها وتعلقها بالروابط الاسرية والاجتماعية، وينص على ظروف التخفيف والتشديد".
قلب المعادلة
وأفاد القاضي بأن جرائم "قتل الأصول قليلة لكن لا يمكن توصيفها ضمن فئة "النادرة" لأنها موجودة، وربما لو قلبت المعادلة وطرح سؤال عن جرائم قتل الفروع من قبل الأصول فالأخيرة أكثر".
ومن خلال خبرته الشخصية، كما يقول رسن فأنه "في كثير من الأحيان يكون الابن منحرفا ووالده يمارس جميع أنواع الضغط في سبيل إصلاحه، ويلجأ بعد أن يصل الى يعجز مرحلة العجز إلى قتله، ومرت بنا قضايا عديدة من هذا النوع".
قتل الفروع
ويورد قاضٍ آخر، وهو مازن بدر، أشكالاً أخرى لجرائم قتل الأصول والفروع، ومن أمثلة الأخيرة كما يقول قاضي تحقيق الرصافة الثانية أن "هناك جرائم تحدث عنها قانون العقوبات العراقي في المادة 407".
وفي حديث إلى (المركز الإعلامي للسلطة القضائية) أشار بدر إلى ان "القانون لم يتحدث هنا عن قتل أصول، وإنما تحدث عن الأم التي تقتل طفلها وهذه ضمن باب قتل الفروع اتقاء للفضيحة والعار".
وأكد "أن هذا النوع أكثر ضحاياه من يقتلون في جرائم غسل العار ووئد الأطفال، من قبل الأمهات اللاتي يحملن بصورة غير شرعية".
وجه آخر للجريمة!
وقد تكون هناك وجوه أخرى لهذه الجريمة، كما يوضح بدر، فـ"الترك والامتناع وعدم العناية بالطفل أو الكبير، كلها أدوات لارتكاب هذه الجريمة لأن هناك تعمدا في الإهمال فمثلا شيخ يحتاج إلى علاج ويمنع من تناوله مع علم الجاني بأن عدم إعطائه سوف يتسبب في وفاته".
ويرى أن "جريمة قتل الأصول غالبا ما ترتكب عمداً ويمكن لقاضي التحقيق أن يحدد ذلك بسهولة حسب خبرته في جمع الادلة على المتهم".
عوامل نفسية واجتماعية
ويقسم بدر دوافع ارتكاب هذه الجريمة إلى "عوامل نفسية واجتماعية"، كما يؤكد أن "الأمراض النفسية لها دور في دفع المتهم إلى ارتكابه جريمة ضد أحد أصوله".
وبالنسبة للعامل الاجتماعي أضاف بدر "عندما نتحدث عن هذا العامل فأننا نذكر التطور والانفتاح الذي جرى في العراق بعد 2003، حيث دخول الشبكات المعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة، التي أدت بشكل غير مباشر الى تفكك الروابط العائلية".
لكنه يرى أن "هذه الجرائم قليلة قياسا بنظيراتها بحكم أن المجتمع عشائري، ولا يمكن أن تصل هذه الجريمة إلى الإحصائيات الموجودة في دول العالم، كما هو الحال في دول المغرب العربي ومصر".
واقترح قاضي تحقيق الرصافة لتوفير وقاية للمجتمع "ان تكون هناك مبادرات تقوم بها مؤسسات معنية قبل وقوع الفعل وانتشار الجريمة وإلا ما الغاية اذا انتشرت"، مشددا على "دور الاعلام ومنظمات المجتمع المدني، ووزارات حقوق الانسان والرياضة والشباب والمرأة".