هل ينجح العراق في ان يكون دولة بعدما فشل في ان يكون وطنا ؟
دول تشكلت بجهود المستعمرين ورسمت حدودها بتمعن لتحكمها دكتاتوريات تحول هذه الاشكال الهندسية السياسية الى اوطان لأفرادها على حساب انتماءاتهم القومية والمذهبية وتحاول خلق احساس لديهم بالانتماء لها ... هذه هي العلاقة الجدلية بين الدول العربية وحكامها وأفرادها بعد الحرب العالمية الاولى بشكل عام . فالعراق الذي تشكل على يد ( الرسام ) البريطاني وخط حدوده بالمسطرة والقلم حاول حكامه ايهام مكوناته بأنه يمكن ان يكون وطنا لهم , غير ان المفهوم كان ناقصا والأدوات كانت خاطئة والطرح كان ساذجا .
هناك فرق كبير بين الوطن والدولة.. فالوطن هي تلك البقعة الطبيعية التي يعيش عليها مجموعة من البشر ( يشعرون ) بالانتماء الطبيعي اليه دون قسر , فالعربي بطبيعته لديه انتماء فطري دون ضغط لما يعتقده وطنا عربيا كبيرا بمساحته الشاسعة , والكوردي لديه احساس بالانتماء الفطري دونما قسر لما يرى بأنها كردستان الكبرى بمساحتها الشاسعة , ولكن ان تحوي دولة مثل العراق على جزء من كردستان الكبرى وجزء من الوطن العربي الكبير هذا ثم نطلب من الطرفين ان يعتبرا العراق هذا وطنا بديلا لهما فتلك هي الاشكالية الاولى التي وقع فيها الساسة العراقيين منذ تشكيل العراق بداية القرن الماضي ولغاية يومنا هذا .
اما الاشكالية الثانية التي وقعت فيها الحكومات العربية ازاء روحية الانتماء فهي طرح فكرة الوطن العربي الكبير جنبا الى جنب مع محاولات تحويل العراق الى وطن لمكوناته .. وبهذين التوجهين المتناقضين لم يشعر لا العربي ولا الكردي بانتمائه الحقيقي للوطن العراقي , فبقي الفرد العربي متطلعا الى الوطن العربي وظل الكردي يناضل من اجل الوطن الكردستاني الكبير خوفا من الذوبان في النسيج العربي الذي كانت الاغلبية العربية تحاول جره نحوه , وهكذا بقي العراق مشرذما لم يوحده سوى الحكومات الدكتاتورية التي حكمت العراق خلال العقود الماضية قسرا . ولم يفطن السياسي العربي بان تقديم العراق كدولة لأفراده يجمعهم فيها رابط مؤسساتي مادي وليس حسي كان من الممكن ان يخفف كثيرا من تناقض الانتماءات الحسية قومية كانت ام مذهبية .
نعم نستطيع ان نقول بان العراق ليس وطنا بل دولة اجبر فيها العربي والكردي الشيعي والسني على البقاء ضمن حدوده قسرا إلا انها فشلت في خلق حالة من الشعور الحقيقي بالانتماء له كوطن ولذلك فبمجرد ازالة اسباب الضغط ظهرت الانتماءات الحقيقية التي يحس بها الفرد العراقي بعاطفته سواء كان انتماء قوميا كما في حالة الكورد او انتماءات مذهبية كما هو الحال في المكون العربي كل حسب ما كان يضطهد على اساسه , وما نلاحظه اليوم من صراعات مركبة ما هو إلا دليل على ما نقول .
وبناء على ما اسلفنا فان التركيبة السياسية القديمة ونوع الحكم القديم في العراق لم يعد صالحا في الوقت الراهن ولقد آن الاوان في التقدم بخطوات جدية لإحداث تغير في نوعية الترابط بين اجزاء العراق ومكوناته , فتقديس حدود مصطنعة لدولة مختلقة حديثا لا يمكن ان يكون توجها صحيحا على حساب دماء ابنائه ومستقبلهم وما دام العراق ليس وطنا لأحد فليكن على الاقل دولة تستطيع ان تعيش عليها مكوناتها بالشكل الذي يرتئوه دون ضغوطات سياسية من جهات داخلية او خارجية .
مقالات اخرى للكاتب