مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
تحتفل الأمم المتحدة في الرابع من نيسان/أبريل من كل عام، باليوم الدولي للتوعية بالألغام والمساعدة في مجال الإجراءات المتعلقة بمسح الألغام وإزالتها. حيث تعمل الأمم المتحدة مع السلطات الوطنية والمنظمـات الدوليـة والإقليميـة وبالتشارك مـع المنظمـات غـير الحكوميـة والقطـاع الخـاص مـن أجـل تقليـل التهديـدات الإنـسانية والاجتماعية – الاقتصادية التي تشكلها الألغام الأرضية والمتفجرات المتخلفـة عـن الحـرب.
في الواقع لا تشكل الألغام الأرضية لوحدها تهديدا لأمن وسلامة سكان مناطق الصراع، بل تشكل الذخائر والقنابل اليدوية والقنابل غير المنفجرة مشكلة أكبر من الألغام في المناطق التي جرى فيها قتال عنيف ومستمر. إذ لا ينفجر حوالي (10%) من المتفجرات في الصراعات المسلحة؛ وهو شيء يعقد من عملية إزالة الألغام. وبالتالي، تواجه وكالات إزالة الألغام، ذخائر غير منفجرة عددها أكبر من الألغام خلال عمليات إزالة الألغام، ولو تم إدراج هذه الأسلحة مع الألغام في التقديرات العالمية، يكون من الصعب تخيل مدى الخسائر البشرية والتلوث العالمي المتوقع الذي يلحق بالبيئة.
يصف (زاحم جهاد) المدير التنفيذي للمنظمة العراقية لإزالة الألغام، الألغام الأرضية بأنها (عبارة عن حشوات مهيأة لغرض قتل أو جرح الأشخاص إذا كانت مصممة ضد الأشخاص أو لغرض تعطيل أو تدمير الآليات بكافة أنواعها إذا كانت مصممة ضد الآليات.. وهذه الألغام تنفجر عند مرور الأشخاص والآليات وتزرع بصورة مبعثرة أو على شكل حقول ألغام. وقد تكون هذه الحقول متكونة من ألغام ضد الأشخاص فقط أو متكونة من ألغام ضد الآليات فقط أو تكون مختلطة أي من ألغام ضد الأشخاص وضد الدبابات وحسب طبيعة المنطقة والغاية من زرعها، إضافة إلى عوامل أخرى. أما المقذوفات غير المنفلقة فهي عبارة عن كل مقذوف من طائرة أو مدفعية أو أي سلاح آخر لم ينفجر بعد سقوطه لأي سبب من الأسباب.. وهي تبقى خطرة وقابلة للانفجار في أية لحظة بسبب الحركة أو الاهتزاز أو التوقيت وأي شكل من أشكال العبث، وقد تكون هذه المقذوفات على شكل قنبلة أو صاروخ أو عتاد مدفعية أو أي نوع آخر ومنها القنابل العنقودية.)
بناء عليه، تعد الألغام الأرضية والمقذوفات غير المنفلقة مشكلة عالمية، ولكن من الصعب قياس حجمها بالضبط؛ فلا يعرف أحد العدد الحقيقي للألغام المزروعة؛ ولا عدد الناس المتأثرين بالألغام؛ ولا حجم المناطق التي يمكن اعتبارها "مناطق موبوءة" وقد أدى هذا النقص في المعلومات إلى نقاش حول عدد الألغام المزروعة حيث تتراوح التقديرات بين 60 مليون إلى 200 مليون لغم.
لكن السؤال الأهم ليس هو العدد الفعلي للألغام والذخائر الموجودة في مناطق النزاعات المسلحة، بل الأهم هو عدد السكان المتأثرين من خطر الألغام الأرضية خلال حياتهم اليومية. فبالنسبة إلى معظم الناس الذين يسكنون في مناطق متضررة بالألغام، مجرد الشك بان المنطقة يمكن أن تكون ملغومة يجعلها عديمة الفائدة. فعلى سبيل المثال قامت المنظمة النرويجية للمساعدة الشعبية في 1996 بتطهير قرية في موزمبيق بعد أن هجرها كافة السكان الذي كان عددهم يقارب 10.000 قروي بسبب ادعاءات عن كونها ملغومة. وبعد عمل استمر ثلاثة شهور، عثر مزيلي الألغام على أربعة ألغام. لقد أدت أربعة ألغام إلى إغلاق الأبواب على منطقة كاملة والى هجرة 10.000 شخص.
كما أن المعاناة التي تسببها الألغام المضادة للأفراد مروعة جدا ويعتبرها جراحو الحرب من بين أسوأ الإصابات التي يتعين عليهم علاجها. فعندما يدوس شخص ألغاماً مضادة للأفراد مطمورة في الأرض، يقطع الانفجار في غالب الأحيان إحدى ساقي هذا الشخص أو كلتيهما وتقذف بالتربة والعشب والحصى والشظايا المعدنية والبلاستيكية للغم والحذاء وحتى العظام المحطمة في العضلات والأجزاء السفلية من الجسم. وإذا انفجرت الألغام عند ملامستها، يمكن أن تعصف بالأصابع واليدين والذراعين أو أجزاء من الوجه. كما يمكن أن تسبب العمى للضحايا أو إصابات تطال البطن أو الصدر أو العمود الفقري.
وعادة ما تستلزم الضحية التي نجت من انفجار لغم مضاد للأفراد بتر أحد الأطراف والخضوع لعمليات عديدة وإعادة تأهيل بدني طويل الأمد. ويعاني الناجون من الألغام في كثير من الأحيان من إعاقة دائمة، تنطوي على تبعات اجتماعية ونفسية واقتصادية جسيمة. وبالإضافة إلى التأثير المباشر على الأشخاص الذين قتلوا أو جرحوا، يتضرر أيضا أفراد أسرة الضحية، لاسيما إذا كانت معيل الأسرة. كما يدفع أفراد المجتمعات المحلية المتضررة من الألغام ثمنا باهظا؛ إذ يفقدون سبل كسب عيشهم ويتعذر عليهم الوصول إلى الحقول ويعانون من تعطُّل الاقتصاد.
عادة ما تكون الفئات الأشد تعرضا لمخاطر الألغام المضادة للأفراد من الرجال والفتيان المشاركين في أنشطة كسب الرزق، مثل الزراعة ورعي الماشية وجمع الحطب والماء. ونظرا للحاجة الاقتصادية، ليس أمام السكان من خيار سوى الذهاب إلى أماكن قد تكون محفوفة بالخطر في كثير من المجتمعات المحلية المتضررة. ويمكن أن يقع الأطفال، لا سيما الفتيان، ضحية الألغام أثناء اللعب في المناطق الملوثة بالألغام. ويمكن أن تكون النساء أيضا عرضة لمخاطر جمة في البلدان والمناطق التي تشاركن فيها مشاركة كبيرة في أنشطة كسب لقمة العيش. وتؤثر أيضا الألغام المضادة للأفراد تأثيراً سلبياً في النساء والفتيات عندما يقتل أفراد أسرهن ومجتمعاتهن المحلية من الذكور ويصابون بجروح.
في عام 2007، حددت هيئة رصد الألغام الأرضية 5426 ضحية بسبب الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب رغم أن أعدادا كبيرة من الضحايا لا يبلغ عنها. وليس من الممكن دائما، في البلدان المتضررة من الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب، تحديد نوع الأسلحة التي تسببت في سقوط الضحايا على وجه اليقين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جمع البيانات غير كاف وغير مكتمل في معظم البلدان المتضررة. وعلى الرغم من أن وجود أرقام محددة عن ضحايا الألغام الجدد لا يعطي صورة دقيقة، يمكن القول بكل تأكيد أن الألغام الأرضية تستمر في إلحاق خسائر في كل منطقة من مناطق العالم تقريبا.
بينت منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر عنها عام 2013 إلى أن (الألغام الأرضية والمخلفات المتفجرة تسبب حوالي 11 إلى 12 وفاة يومياً... أما الذين يبقون على قيد الحياة مع الإصابة بعجوز دائمة، فإنهم غالباً ما يواجهون حوائل اجتماعية وبيئية قد تمنع مشاركتهم الكاملة والعادلة في مجتمعاتهم. كما قد يضعف التلوث بالألغام الأرضية والمخلفات المتفجرة للحرب صحة السكان بطريقة غير مباشرة بتخريب أمان الطعام إضافة إلى منع إتاحة الماء الآمن والتلقيح والمرافق الصحية بشكل عام).
مع أن عمليات الاستطلاع والإزالة والتطهير تعتبر من العمليات المعقدة والخطرة، وهي مشكلة كبيرة تعاني الدول التي ابتليت بالألغام والمقذوفات غير المنفلقة، ولكن في العراق المشكلة أكبر وأعظم نتيجة للأعداد الهائلة ومن أنواع مختلفة من الألغام والمقذوفات غير المنفلقة، ووجود الكثير من التمديدات والاختلافات بين منطقة وأخرى نتيجة لاختلاف التضاريس الأرضية وإزالة جميع الشواهد والعلامات والتأشيرات والخرائط والمخططات الخاصة بها.. وهذه الأمور تزيد من تعقيد المشكلة.. وهذه حقيقة مؤلمة.. وقائمة تحصد أرواح الأبرياء من العراقيين وتعرقل كل عمليات التطور والبناء وخاصة في المجال النفط.
حيث تشير إحصائيات الأمم المتحدة، إلى أن المواقع المزروعة بالألغام في العراق تغطي نحو 1.730 كيلو مترا مربعاً، وتؤثر في نحو 1.6 مليون نسمة، وقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في قتل أو جرح مواطنين عراقيين اثنين في المتوسط كل أسبوع خلال عام 2009، وكان 80% منهم فتياناً وشباناً تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة. كما تعرض بين 48 إلى 68 ألف عراقي لبتر الأطراف بسبب الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة.
واعتبر مرصد مراقبة الألغام الأرضية، "العراق من بين البلدان الأكثر تضررا من الألغام الأرضية ومخلفات الحروب.. منذ أواخر أعوام الثمانينيات من القرن الماضي وحتى الآن حيث بلغت ضحايا الألغام في العراق 29 ألف عراقي"، موضحا أن "1838 كيلومتر من الأراضي العراقية ما زالت غير مطهرة من بقايا الألغام التي خلفتها الحروب السابقة، كما أن المتفجرات الجديدة التي يزرعها تنظيم داعش الإرهابي مازالت تؤخر هذه الجهود".
يقول مدير قسم مكافحة الألغام في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، كينت بولسون (إن عملية إزالة الألغام لا تنحصر بعملية رفع الألغام من الأرض، وإنما تستوجب الاهتمام بالجانب الإنساني، بالتالي نحن نعمل على دعم السكان من المعاقين والمتضررين بالألغام ماديا واجتماعيا، مثلاً إعطائهم تدريبات على حرف معينة تساعد على اندماجهم في المجتمع، وأيضا تساعدهم على تحسين دخلهم المشكلة مع هؤلاء الضحايا، أن غالبيتهم يتواجدون في المناطق الريفية والبعيدة، ويكونون بمستوى تعليم متدني، فبالتالي هم بحاجة إلى تدريبات على مهن معينة تمنحهم القدرة على الاندماج بالمجتمع). وأضاف (إن عملية إزالة الألغام في العراق بحاجة إلى مابين 10-20 عاما).
ومن خلال ما تقدم، فان تحقيق رؤيــة الأمــم المتحــدة في أن يكــون العــالم خاليــا مــن تهديد الألغام الأرضية والمتفجرات المتخلفة عن الحرب، بحيث يعـيش الأفـراد، وتحييا التجمعات في بيئــة آمنــة تــساعد علــى تحقيــق التنميــة، وتلبي حاجات ضحايا الألغام والمتفجـرات المتخلفـة عـن الحـرب ويـتم دمجهـم تماما في مجتمعاتهم يعتمد على تبني مجموعة من القواعد والأسس الآتية:
1- إزالة، وتدمير، الألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووضع علامات على المناطق الملوّثة بها أو إحاطة تلك المناطق بأسوار.
2- التوعية بمخاطر الألغام من أجل مساعدة الناس على فهم المخاطر التي يواجهونها والتعرّف على الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار ومعرفة كيفية الابتعاد عن المخاطر.
3- تقديم المساعدة الطبية وخدمات إعادة التأهيل إلى الضحايا، بما يشمل التدريب على مهارات العمل وإتاحة فرص التوظيف.
4- الدعوة إلى جعل العالم خالياً من تهديد الألغام الأرضية، وتشجيع البلدان على المشاركة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى إنهاء إنتاج الألغام، أو الاتجار بها أو شحنها أو استخدامها، وإلى تأييد حقوق الأشخاص المصابين بالعجز.
وفي العراق، فان على الحكومة العراق القيام علاوة على ما تقدم بالآتي:
1- إعداد وتدريب وتنمية إدارة عملية إزالة الألغام وتأهيل المواقع، إذ لا يوجد تعليم حقيقي يدرس في الجامعات والمعاهد؛ لتخريج ملاكات قادرة على إزالة الألغام، كما لا توجد دراسة أكاديمية تعني بإزالة الألغام، واغلب الموظفين العراقيين العاملين في مجال إزالة الألغام يأتون من خلفيات عسكرية.
2- تخصيص المبالغ المالية اللازمة لاستقدم بعض الخبراء الأجانب لمساعدة الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية التي تعنى بإزالة الألغام وتطهير الأراضي في العراق.
3- العمل على إعداد خطط وبرامج قائمة على أساس السعي الجاد لتطهير هذه المناطق من الألغام بهدف حماية المواطنين وسكان تلك المناطق، وليس على أساس الحاجة لإقامة مشروع ما.
مقالات اخرى للكاتب