مثقفو العراق يتعثرون بالفاظهم يتملقون المسؤول طمعا بمكافأة مهينة، يتعمد خلالها السياسي حلب المثقف أقصى طاقته في النفاق
أبدى المثقفون المصريون، ثقة عالية بالذات، خلال لقائهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء حملته الانتخابية، تثبت تفوق الانسان المصري الاصيل؛ نظير التضاؤل الذي كنا نرى مثقفينا عليه، في حضرة صدام حسين.
صحيح السيسي شخصية مطمئنة وصدام وحش يهز مشاعر القادمين، قبل اللقاء، بوسائل لا إنسانية، تضعضع بنية الفرد؛ فتنهار شخصيته؛ ما يبديه مُسخا لا آدميا، إزاءه.
فمصر وزعت الوعي بين الشعوب العربية.. قدوةً مثلى، حتى من كانت فاحشة الثراء منها؛ إذ أن المال جلب الجهاز التقني الحديث، لكنه لن يخلق الاستعداد الفطري، القادر على فك تكنلوجيا هذا الجهاز، وتوظيف تقنياته لخدمة المجتمع.
"الجدع" قادر على تحقيق النتائج المتوخاة، من جهاز لا تتوفر مخصصاته في ميزانية الدولة.. جراء تفوق العقل المصري، الذي ما زال الجميع يتعلمون منه، لأنه متفوق ثقافيا؛ بدليل رصانة البنية التي ظهر جوهرها في سلوك أدباء وفناني وإعلاميي وأكاديميي أرض الكنانة، وهم يتحدثون مع شخصية إسطورية كالسيسي.
ومثقفو الدول الغنية، بما فيها العراق، يتعثرون بالفاظهم في حضرة شرطي بسيط! إذ إستطابوا تملق المسؤول، طمعا بمكافأة.. غالبا ما لا تجيء، وإذا جاءت، فبطريقة مهينة، يتعمد خلالها السياسي حلب المثقف أقصى طاقته في النفاق، قبل أن.. يمنحه او يكتفي بوعد مكافأة يتناساها، لكنه لا ينسى ان يشهر به إزدراءً، وعندما يبلغ ذلك للمثقف يتقبله لأنه أدمن الإهانة.
والمشكلة أن الامر يسري على قامات معتدة بذاتها في مصادرة الآخرين، لكنها تتضاءل امام مصالح تتوهمها، من دون ان تصل اليها فعليا.
ولأن السيسي نابع من مجتمع مثالي، فقد قدم إنموذجا رقيقا لعسكري.. إستخباري، يحمي البلاد، من دون ان يفرض جبروت طغيانه على المواطنين، في حين إعتاد العراقيون على عسكر يحكمونهم ويتمتعون بأموالهم ويذلونهم ويحملونهم منة حماية لا وجود لها، فالطائرات والقتلة والمفخخات والحروب والعقوبات الدولية "الحصار" والثورات "وما دحاها" تقتحم حياته، والساسة يدعون عليه بأنهم حماته، في حين هم الذين يكشفون جناحه للإهانة ويمتهنون كرامته بأنفسهم.. جوعا وحروبا وأزمات، الى حد إنشاء قسم في الامن العامة، اشرف عليه صدام عندما كان نائبا للبكر، بعنوان "قسم إفتعال الأزمات".
يشترون بأموالنا اسلحة يصوبونها الى صدورنا كي نبقى عبيدا لهم، نقاتل دفاعا عنهم شخصيا، وأولادهم يتمتعون بأموالنا، ونساؤهم تتنعم بثرواتنا... و لا نستطيع أو لا نعرف قول "كلا" لأننا لم تبق من منظومة الحروف على لساننا سوى "نعم" و"سمعا وطاعة" نداهن بها الظالمين ونتملق بها البخلاء طمعا بصدقات مهينة او منصب نجلس فيه على خازوق المهانة.. سعداء نكشر عن أنيابنا للفقراء الضعفاء متخاذلين امام الاغنياء الاقوياء.. هذا هو المثقف العراقي وذاك هو نظيره المصري.. شتان بين جبان وشجاع.. كريم المَحتِد ووضيع النسب.. عزيز النفس وتافه! إنها مميزات جوهرية لإبن النيل على المتشرد.. يتسكع بين الرافدين، فلا "يستوي الاعمى والبصير" ولا "الذين يعلمون والذين لا يعلمون"..
يتلجلج المثقف العراقي عامهاً.. مرتددا بين الموقف ونقيضه، في حين لمسنا من الحملة الانتخابية للسيسي، أنه يحدث كل فئة بلهجتها تقربا لمنطق فهمها، بينما المثقفون العراقيون تنكروا لألقابهم الاصلية، في زمن صدام إرضاء له، وعادوا يغيرونها بعد سقوطه...
"هزي اليك بجذع النخلة يساقط رطبا جنيا" إذ تبرع السيسي بنصف راتبه ونصف ورثه من ابيه، لمصر، فهل يخفض النواب بعضا من رواتبهم لفقراء العراق؟