جاء تصريح صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي في تركيا ليمثل الموقف العقلاني الوحيد الذي صدر من طرف كوردي محسوب على حزب العمال الكوردستاني , فقد دعى السيد ديمرتاش طرفي النزاع ( الحكومة التركية وال PKK ) للتهدئة والرجوع الى عملية السلام المجمدة بينهما . موقف ديمرتاش هذا يتطابق مع موقف حكومة اقليم كوردستان الذي يؤكد على نزع فتيل الازمة بين الطرفين , فشكل ذلك صفعة قوية لبعض الاحزاب الكوردية في اقليم كوردستان العراق ( احزاب الازمات) والتي تحاول ان تكون ملكية اكثر من الملك في ركوب موجة هذه الازمة والمزايدة على موقف حكومة اقليم كوردستان العقلاني .
وبدراسة خريطة مواقف الاحزاب الكوردية من القتال الدائر بين حزب العمال الكوردستاني ( جناح قنديل) وبين الحكومة التركية سنتوصل لاستنتاجات كثيرة ... فكما اسلفنا سابقا فان موقف حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي في تركيا مطابق مع موقف حكومة اقليم كوردستان وخاصة مع موقف رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني , يشاركهم في هذا الموقف صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري ( الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني) , فقد نأى بنفسه عن الخوض في الصراع الحالي بين جناح قنديل والجيش التركي حفاظا على مكتسبات حزبه في الارض السورية , ومن المتوقع ان يكون موقف عبدالله اوجلان قريبا من هذه المواقف الداعية للتهدئة , وما محاولات جناح قنديل لتنسيب عملياتها ذات ردود الفعل السلبية عند الاخرين الى الخط الاوجلاني فيه الا دليل على رغبتهم في توريط عبدالله اوجلان المسجون وجناحه ( المفترض) مع خطواتهم التصعيدية هذه , هذه المحاولات توضح موقف اوجلان الرافض لما يحصل .
في الجانب الاخر من الخريطة يبرز لنا جناح قنديل لحزب العمال الكوردستاني مع احزاب الازمات في اقليم كوردستان والمتمثلة بحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغير الكوردية , مع مواقفهم الداعية للمزيد من التوتر والتصعيد , ويمكن للشعب الكوردي ان يستنتج الكثير من الامور في قراءة هذه الخريطة .
فان كان الموقف التصعيدي لجناح قنديل من حزب العمال الكوردستاني له ما يبرره , فان مواقف الاحزاب الكوردية في الاقليم ليس لها ما يبررها , فهي تنطلق من مبدأ الفوضى من اجل الفوضى كما هو شانهم دائما في جميع الملفات السياسية سواء داخل او خارج الاقليم ... فجناح قنديل من حزب العمال ينطلق في موقفه من محاولة تحريك الامور باتجاه حافة الهاوية لاعادة الحياة من جديد الى عملية السلام المتوقفة بين الطرفين بعوامل جديدة , خاصة وان ما تسبب في توقفها هو رفضهم للمقترح التركي الذي كان يرى ضرورة ابعاد بعض قادة البي كي كي ( وعددهم لا يتجاوز الثلاثمائة) الى دولة اوروبية متفق عليها لغاية تمهيد الارضية المناسبة لعودتهم في الداخل التركي , لكن شرط عدم رجوعهم للحياة السياسية بعد عودتهم .
قوبل هذا التوجه التركي برفض قاطع من قبل جناح قنديل لحزب العمال الكوردستاني وتوقفت المفاوضات الى ان حدث ما يحدث الان من قتال بينهما ... بعبارة اخرى فان القتال الدائر حاليا بين البي كي كي وتركيا لا ينطلق من منطلقات قومية كوردية بل من حسابات شخصية تتعلق بمصير بضع مئات من القادة , ويبدو ان جناح قنديل مستعد للتضحية بمصير عشرين مليون كوردي في تركيا في سبيل رجوع القاد هؤلاء الى تركيا دون شروط .
وان كان قنديل يضحي بكورد تركيا في هذا القتال , فان الاحزاب الكوردية ( احزاب الازمات) في اقليم كوردستان مستعدة للتضحية بكل مكتسبات اقليم كوردستان خدمة لمصالحهم الحزبية . وفي الحقيقة فان احزاب الازمات هذه تزايد على موقف حكومة الاقليم ليس انطلاقا من اسس مبنية على نظرة بعيدة للامور ولا تستند الى طرح سياسي معين بقدر ما تستندفي ذلك الى امرين :
الاول – مخالفة موقف حكومة اقليم كوردستان في اي شيء وكل شيء بغية احراجها امام الشعب الكوردي واظهارها بمظهر المتواطيء مع الجانب التركي . ولو تبنت حكومة اقليم كوردستان نفس الموقف التي تتبناها هي الان لتبنت هي موقفا اخر مغايرا لها ولنفس الاسباب .
الثاني – الفوضوية التي تعيشها هذه الاحزاب في بنيتها الفكرية والسياسية , فقد تاسست على فكر الفوضى الهدامة واستمرت على هذا الفكر لغاية يومنا هذا , وتجلى هذا الموقف في تصريحات بعض ساستها بخصوص تفجير انبوب النفط الممتد من اقليم كوردستان الى ميناء جيهان التركي .
سبقت عملية تفجير الانبوب هذا تنبؤات من جهات اعلامية محسوبة على البي كي كي بالعملية , وما ان نفذت العملية حتى سارعت شخصيات من احزاب كوردستان العراق للترحيب بهذه العملية واعتبارها عملا بطوليا , لكن ما لبث حزب العمال الكوردستاني ان برء نفسه من هذا العمل ونسبه لجماعة وصفهم بالمتعاطفين والمندفعين من الابوجيه (استنادا لكلمة (ابو) التي يطلقها بعض البي كي كي على عبدالله اوجلان) وبانكار تنفيذهم لهذه العملية تعرضت الاحزاب الكوردية في الاقليم الى احراج كبير .
ان احزابنا في اقليم كوردستان العراق مطالبة بان تكون اكثر رقي في طرحها السياسي واكثر احساس بالمسئولية , ولا ينبغي ان يبقى ادائها السياسي منصبا على كيفية اثارة المشاكل تلو المشاكل في الاقليم , فهي تعي قبل غيرها ان سياسة الازمات هذه هي من اوصلت الحكومة العراقية الى ما وصلت اليها الان ولا داعي لتكرار هذه التجربة المريرة في كوردستان بل ولا نريد ان يكون لدينا في الاقليم احزابا مشابهة لحزب نوري المالكي وائتلافه في بغداد .
مقالات اخرى للكاتب