المتتبع للجلسة التي جمعت وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، رفقة وزير الدفاع وقائد الأركان، بأعضاء الكونغرس الأمريكي، يمكنه أن يقف على جملة من الملاحظات السريعة، خاصة وأنه تابع الجلسة على المباشر ومن بدايتها ..
كل الذين تدخلوا، سواء المؤيدين للعدوان على سورية، أو المعارضين له، ركّزوا على .. هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، ونفوذها، وقوتها، وحلفائها، وشركائها، وأصدقائها، ومصالحها، ومشاريعها، ولم يهتموا قط بالجانب السوري. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لكل محتل، فلايهمه الآخر، لأنه شعب من الدرجة الثانية. لكن يُلام الذي استدعى المحتل، وظن أنه الوالد والولد، فمنحه الغالي الذي بين يديه.
وفي الجهة المقابلة، تقف روسيا بكل ماأوتيت لصد الهجمة، وعدم وقوع الضربة.. دفاعا عن هيبتها، ونفوذها، وقوتها، وحلفائها، وشركائها، وأصدقائها، ومصالحها، ومشاريعها. فهي إذن حرب مصالح الكبار، تضيع لأجلها مصالح الصغار والضعفاء.
أظهرت الصورة باستمرار، إمرأة أمريكية برتبة عسكرية عالية، رفقة جنود برتب عالية. وفي نفس الوقت تدخلت، عضوة من الكونغرس، بلهجة عسكرية، تطالب استعمال القوة والتدخل الفوري لـترويض الأسد. وصباح هذا اليوم، تنقل الصحف البريطانية، التي نقلتها القناة البريطانية الناطقة باللغة العربية، أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة السابقة، هيلاري كلينتون، طالبت أوباما باستعمال القوة لضرب سورية، وأيدته دون تحفظ في الضربة العسكرية .. قرار الضربة إذن، سيكون بمباركة نساء الكونغرس، الذين تودّد إليهم رجال العرب، طالبين منهم التدخل العاجل، والضرب الفوري.
المتتبع لجلسات الكونغرس، يرى بأم العين، أن الكونغرس الأمركي، حين يوافق على العدوان، فهو شرعي ! ، لأن الكونغرس وافق عليه. فكل مايوافق عليه الكونغرس، فهو قانون وشرعي ! ، وبالتالي لاعقوبة للجندي الأمريكي والآلة الامريكية على ماسترتكبه من مجازر وفضائح، لأن قرار الضرب والهدم والسفك والفتك، صدر من الكونغرس، وكل مايصدر عنه فهو شرعي !، يُجازى صاحبه ولايعاقب.
أثناء البث المباشر لجلسة الكونغرس، لم تظهر الصورة تلك المرأة الأمريكية، التي رفعت صوتها منددة بالضربة الأمريكية لسورية، وطُردت فيما بعد من القاعة. ونفس الشيء حدث مع الأمركي الذي حمل شعارات منددة بالضربة العسكرية. وبالصدفة يتابع المرء، الصور المحذوفة من طرف الإعلام الغربي، عبر قنوات أخرى، ليست موالية للضربة الأمريكية ..إنها الديمقراطية الأمريكية، التي تُسلط الضوء على المسرح الذي تريد أن تظهر لك، والشخص الذي تريدك أن تراه. وتُزيح الضوء عن المكان الذي لاتريدك أن تراه، وعن الشخض المغضوب عليه أمريكيا. ومن قرأ مرات عديدة، كتاب: "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، للمفكر مالك بن نبي، يعرف جيدا معنى لعبة الضوء والظل، ويستطيع أن يستعين بها في كل الحالات وإلى الأبد.
لجأ أوباما ووزير خارجيته ووزير الدفاع وقائد الأركان إلى الكونغرس، بعد رفض مجلس النواب البريطاني، موافقة كاميرون على الضربة العسكرية. واليوم يطلب هولاند من النواب الفرنسيين الموافقة على الضربة، وهو الذي كان يتبجّح ويقول، أنني لست بحاجة إلى اللجوء إلى البرلمان الفرنسي .. مايعني أن الغربي، يستشير نواب الشعب، حين لايجد عنها بد، لأن قتل العرب وتدمير حضارتهم، وتخريب ديارهم، ليست من الأولويات التي تستدعي اللجوء بسرعة إلى نواب الشعب ..
منذ البداية، كان حل الأزمة في سورية ومازال، بيد الثنائي الأمريكي الروسي، والبقية الباقية من عرب وعجم، فهو تابع للذئب الأمريكي أو الدب الروسي. وانظر إلى فرنسا التي تراجعت، وأعلنت أنها لايمكنها أن تشارك في العدوان على سورية بمفردها، لأنها خشيت رفض الكونغرس الأمريكي لطلب أوباما بضرب سورية. وتركيا تتوسل أمام الأبواب، لتنضم لأي تحالف لضرب سورية، ولاتستطيع بمفردها أن تضرب سورية، وهي التي تفوقها في العدد والعدة، وعضو في الحلف الأطلسي.
إن الذي يُعلم عدوه أنه سيضربه ويقصفه، ويُقدّمُ له الخطوط العريضة للاعتداء، يدل على قوته وسيطرته وثقته البالغة في مايملك، واحتقاره لعدوه، وإلا لما أعلمه بالضربة. وفي نفس الوقت، مابال الجيوش العربية، يعلمونها بالضربة ولاتحتاط، ويخبرونها بالهجوم ولاترد، ويخبرونها بالأهداف المراد ضربها ولاتدافع، ورغم ذلك تنهار في أيام معدودات .. فلمن أعدت هذه الجيوش؟.
من الملاحظات التي لفتت الانتباه، أن الحكام الجدد في مصر، رفضوا الضربة العسكرية، رغم الدعم الأمريكي ، والسخاء الخليجي. وفي انتظار أن يعرف السبب الحقيقي لموقف مصر الجديد، سيسجل التاريخ، أن الانقلابيين وقفوا ضد ضرب سورية.
حين طلب أحد أعضاء الكونغرس من جون كيري، تقديم أسماء الدول التي وافقت على ضرب سورية، أجاب قائلا .. لايمكن تقديم الأسماء إلا في جلسة سرية مغلقة، لأن بعض الدول، طلبت عدم إظهار اسمها. ومن خلال التجربة، فإن الدول المقصودة، هي الدول العربية، في انتظار تأكيد ذلك أو نفيه.
كل التدخلات التي شهدتها قاعة الكونغرس ومن جميع الأطراف، أكّدت على وجوب المحافظة على أمن الصهاينة، وضرورة الدفاع عنهم، ووجوب تزويدهم بما يضمن لهم التفوق، وتحطيم كل من يسعى لمسّهم والتعرّض لهم، وجيران سورية، ذكروا على أنهم جيران للصهاينة، يجب المحافظة عليهم والدفاع عنهم، لأن في ذلك حفاظ للصهاينة .. فهي حرب صهيونية بامتياز.
إن الذي عارض الغزو العراقي للكويت، هو نفسه الذي عارض ضرب العراق وغزوها، ووقف ضد ضرب ليبيا. واليوم يقف ضد كل من استعمل السلاح ضد أخيه، وضد كل من استعان بالعربي والأعجمي ضد أخيه، ويعارض علانية ضرب سورية الحضارة والتاريخ، .. وغدا وبعد غد، سيقف إلى الأبد، ضد ضرب أيّ أخ ، طالب البارحة واليوم، ضرب إخوته.
مقالات اخرى للكاتب