بينما يختار زعماء العالم والرأي العام الأوربي توصيفات رفيعة لقوات البيشمركة التي تحولت من مصطلح يومئ إلى مقاتلين جبليين بالزي الفلكلوري الكوردي، إلى رمز للمقاومة والفروسية والانتصار للحضارة الإنسانية على اعتي قوة إرهابية وحشية شهدها العالم في التاريخ الحديث، يتنكر بعض المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة الاتحادية حيدر العبادي لمجرد ذكر ما أنجزوه من انتصارات جعلت العالم المتحضر في كل أصقاع الدنيا يتداعى إلى كوردستان معجبا وداعما لهذه القوات وزعمائها الذين ما برحوا ارض المعركة منذ اندلاعها وحتى يومنا هذا.
والغريب إن السيد رئيس الحكومة الاتحادية العراقية من المفترض أن يمثل كل مكونات العراق ومؤسساته، وما أنجزته تلك المكونات والمؤسسات ومنها قوات البيشمركه التي يعتبرها هو جزء من المنظومة الدفاعية العراقية، يخرج في كل خطاب أو كلمة وآخرها في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، ليمتدح بطولات وانتصارات الحشد الشعبي وهي مجموعات تطوعية عسكرية تم تشكيلها بفتوى من المرجعية الشيعية العليا للدفاع عن المراقد المقدسة في سامراء والكاظمية والنجف وكربلاء، وعليها اعتراضات كبيرة من أهالي المناطق التي تقاتل فيها، مثل الانبار وتكريت وديالى، وتخوف كبير إلى حد رفض مشاركتها بتحرير الموصل، بينما تنال الأخرى أي قوات البيشمركة رضى وإعجاب العراقيين والعرب عامة ودول العالم خاصة الولايات المتحدة وكندا واستراليا والاتحاد الأوربي، إضافة إلى الرأي العام العالمي الذي وقف إجلالا وإكبارا لها في كل المناسبات والمواقع.
وبمتابعة سريعة لمعظم المسؤولين العراقيين وخاصة الخارجين من تحت عباءة المالكي وحزبه ومن والاهم، وورثة ثقافة البعث الشوفينية وأمثالهم من المتطرفين الدينيين والمذهبيين، يدرك أن جبهة المعاداة للبيشمركة تصطف تماما مع أولئك الذين ذبحوا أسراهم قبل عدة أيام، في واحدة من أبشع عمليات الانتقام الجبانة التي تمارسها هذه الجبهة وان اختلفت في التسميات والأفكار لكنها دوما تنطلق من ذات المنطلقات في التهميش والإقصاء والإبادة، حيث لا يختلف اثنان في توصيف من يقصي أو يهمش فعل قوات البيشمركة مهما كان موقعه أو انتمائه، عن أولئك الذين ذبحوا أسراهم، وهم يدعون أنهم وارثي عقيدة الإسلام التي تحرص كما جاء إلينا من كتب التاريخ أو القصص على أنهم أطلقوا سراح كل أسير مقابل أن يعلم عشرة من أمييهم القراءة والكتابة، وان لا يقتلوا طفلا أو امرأة أو اعزل أو أسير!
البيشمركة التي يحاول البعض وخاصة من رموز ترويكة حكم كتلة القانون ومن والاهم، تهميشها أو إقصائها، وذبح الآخرون سبعة من أبطالها الأسرى، هذه القوات وطيلة أكثر من سبعين عاما لم يسجل عليها قتل أسير أو جريح أو القيام بعمليات إبادة جماعية أو انتقام أو عمل إرهابي يستهدف المدنيين بحجة كونهم مع العدو أو بقربه، قوات كانت وما تزال يتخلى أفرادها عن مأكلهم وأغطيتهم لصالح أسراهم وجرحاهم من العدو، ويشهد العراقيون طيلة سنوات الصراع المريرة مع الأنظمة إن هذه القوات كانت حضنا دافئا وآمنا لأبنائهم المغرر بهم والمغصوبين على مقاتلة الكورد وثورتهم حينما يقعون في الأسر أو يلتجئون إليها.
البيشمركة لم تعد مجاميع من الثوار تقاتل الأنظمة الدكتاتورية، أو رقما عشوائيا في معادلات القوة والسياسة والسلم والأمن الدوليين، بل أصبحت الرقم الأصعب في المشهد السياسي والعسكري الإقليمي والدولي، ورمزا عالميا وليس كوردستانيا أو عراقيا فقط، للدفاع عن مبادئ الحضارة الإنسانية وقيمها العليا أمام غول التخلف والهمجية، ومحاولات إعادة البشرية إلى دهاليز ظلام العنصرية والتطرف الديني المقيت.
كان حري بالمسؤول العراقي أن يقلد زعماء دول العالم في الإشادة بهذه القوات العريقة التي تنتمي لحد الآن إلى بلاده، لكي يكبر هو ويزهو بنصرهم وبسمعتهم التي تشرفت بها الحضارة البشرية وأصبحت رمزا للقيم الإنسانية العليا.
مقالات اخرى للكاتب