العنوان اعلاه، قد لا يروق للبعض ممن يتبنى ثقافة الخطوط الحمراء او تاج الراس و ... الى اخر هذه الافكار المريضة التي تؤسس لصنع الصنم والدكتاتور.
لكنها الحقيقة، شاء من شاء، وابى من ابى.
لذا، لا بد من الاشارة اولا الى ان الخطاب موجه تحديدا الى صناع القرار في طهران، بعيدا عن الشعب الايراني العزيز.
والنقاط ادناه، انما تعكس ابجديات السياسة الايرانية تجاه الشعب العراقي، حيث ان هنالك اكثر من محطة تستحق التوقف والتامل.
المحطة الاولى :
حال العراقيين في ايران خلال حرب الثمان سنوات بين البلدين.
حيث كان العراقي المقيم في ايران، امام خيارين احلاهما مر.
الخيار الاول :
الذهاب الى جبهات القتال، وتوجيه فوهة بندقيته الى صدر اخيه الجندي العراقي.
وذلك طبعا تحت لواء المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق انذاك، او حزب الدعوة الاسلامية، او منظمة العمل الاسلامي او …..
بالرغم من ان قادة كل هذه التشكيلات، الذين كانوا يتكلمون باسم العراقيين ويتاجرون بدماءهم، هم ايرانيون اصلا وفصلا، عظما ولحما، قبل ان يكونوا عراقيين.
وحسبنا في ذلك السيد محمود الهاشمي، الذي كان يشارك محمد باقر الحكيم في رئاسة المجلس الاعلى باعتباره عراقي الانتماء، وذلك في ثمانينيات القرن الماضي.
لينقلب بين عشية وضحاها الى ايراني الاصل عيار ٢٤، ويشغل منصب رئاسة السلطة القضائية في ايران، وتحت اسم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي.
وهنالك الكثير من امثاله بين حيتان حكومة بغداد الحالية، ممن ينافس الحرباء في تلونها وهو يرقص على الجرح العراقي.
الخيار الثاني :
حينما يرفض العراقي المقيم في ايران، الخيار الاول اعلاه.
فليس امامه حينئذ سوى العيش في رحمة مستمسك ما كان يعرف ب ( الكارت الاخضر ) على فرض حصوله عليه.
لتتم حينئذ محاربته على لقمة العيش اينما حل، قانونيا واداريا.
فلا فرص العمل متاحة له كالايرانيين، ولا الدراسة ممكنة لاطفاله بتلك السهولة والترحيب.
ولا شك ان من عاش اجواء طهران وكرج ومنطقة التوبخونة ودولة اباد، ومجمعات ورامين وخوي وجهرم و … في تلك الفترة.
يتذكر جيدا، حجم الماساة التي احاطت بالعراقيين هناك.
المحطة الثانية :
بعد سقوط الصنم جرذ العوجة صدام.
حيث استهتار فيلق بدر السئ الصيت وباقي التشكيلات الانتقامية، التي دابت على استهداف شريحة معينة من العراقيين تحت ذرائع ومسميات شتى لغرض تصفيتهم، وذلك طبعا بعد الحصول على الضوء الاخضر من حرس الثورة الاسلامية في ايران.
المحطة الثالثة، وهي الاهم والاخطر :
اصرار ايران على ابقاء العراق جثة هامدة قدر الامكان، وذلك بعد تشكيل حكومة الخضراء الفاسدة.
حيث اصرارها الجدي على حماية لصوص الخضراء ودعمهم ماديا ومعنويا، املا في الابقاء على عراق ضعيف مشلول، تعاني مؤسساته من الترهل والفساد وبيع وشراء المناصب والذمم، ومن اعلى المستويات.
وليت شعري، هل يرضى ساسة طهران، ان يسلط على الشعب الايراني كلاب سائبة كالتي سلطوها هم على العراقيين، امثال احزاب وتكتلات السلطة الحالية الحاكمة في بغداد ؟!!...
واين قادة طهران هؤلاء من الحديث :
( لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه ).
ما داموا يدعون النتماء للاسلام المحمدي الاصيل !!....
لكن الظاهر، ان سياسة ايران الخارجية هي نسخة طبق الاصل من نظيرتها الامريكية، حيث غلبة المصالح على المبادئ في خطوطهما العريضة.
منها على سبيل المثال :
ان امريكا منذ نشوئها المشؤوم على حساب سكانها الاصليين من الهنود الحمر والى هذه اللحظة، وهي تسوق لشعارات الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان و ....
في حين ان تصرفاتها على ارض الواقع، تقف على النقيض تماما من ادعاءاتها الجوفاء هذه.
فمصادرتها لحقوق شعوب باكملها، وفرض ارادتها عليها بالقوة، لا تخفى على احد.
ونفس التناقض نلمسه وبكل وضوح لدى الجانب الايراني ايضا.
فمنذ سقوط الشاه عام ١٩٧٩ والى يومنا هذا، وحكومة طهران تنادي نظريا بتعاليم السماء.
وان المعيار الاول والاخير في المجتمع الاسلامي انما يتلخص في عنصر ( التقوى ) لا غير، كما جاء في سورة الحجرات، الاية (( ١٣ )) : ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم ).
اما عمليا، فالقوانين الوضعية وللاسف، هي الحكم الفصل في كل مجالات الحياة، حيث الحقوق والامتيازات للايرانيين فقط، دون غيرهم من المسلمين المقيمين في ايران، حتى لو كانوا اتقى الاتقياء.
ختاما.
قد يقال هنا، لماذا تسليط الضوء على ايران فقط، مع غض الطرف عن جرائم كل من السعودية، قطر وتركيا بحق العراقيين ؟!!...
والاجابة على هذا الاستفسار، تتلخص ببساطة في امرين.
الامر الاول :
يتعلق بالشعارات
فادعاء ايران للاسلام يكاد يخطف الابصار، وذلك قياسا بالدول الثلاثة اعلاه.
فهي جمهورية اسلامية، من جهة.
كما ان لفظ الجلالة ( الله ) يتوسط علمها الرسمي وهو يرفرف عاليا، من جهة اخرى.
في حين ان السعودية، وباعتبارها الاخ الاكبر الواجب الطاعة لمشايخ الخليج ومن ضمنهم قطر بطبيعة الحال.
فمنسوبة اسما الى مؤسسها عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل ال سعود ( ١٨٧٦ - ١٩٥٣ ) وليس الى الاسلام.
واما تركيا، فبغض النظر عن تلهفها المستميت للانضمام الى الاتحاد الاوروربي الذي لا يربطه بالاسلام شئ، ولكن بلا جدوى.
فتقديسها لكمال اتاتورك مؤسس تركيا العلمانية، يكاد يفوق تقديسها لنبي الاسلام.
ومن هنا، تم الحديث عن ايران دون غيرها، وذلك من باب ( من فمك ادينك ).
الامر الثاني :
يتعلق بثقل هذه الدول حسب قواعد لعبة الامم.
اما دول الخليج، فالكل يعرف انها انما تستظل بظل البسطال الامريكي لتتمكن من اثبات وجودها.
وملف الازمة اليمنية القائم الذي بات يقض مضجع الرياض، ومن بعده توقيت فتح ملف تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، وتهديد السعودية به.
يؤشران بوضوح على ذلك الوجود الهزيل عسكريا وسياسيا لعموم دول الخليج، وخصوص قطر والسعودية بؤرتا الارهاب في العالم.
واما تركيا، وبعيدا عن حكم العسكر، فيكفينا ازمتها الاخيرة التي هزت اركانها او تكاد، وذلك لمجرد شيطنة احد معارضيها.
الا وهو فتح الله كولن، وذلك على خلفية اتهامه بتدبير انقلاب انقرة ٢٠١٦.
هذا، فضلا عن الملف الساخن والشائك المتعلق بحزب العمال الكردستاني، الذي يمتلك قاعدة شعبية تؤهله لتهديد حكومة انقرة في عقر دارها، وحتى ربما زعزعة اركانها واسقطاها.
لولا الدعم العسكري المنقطع النظير لحلف الناتو لها.
في حين ان طهران، لها شان اخر مناقض تماما لما تقدم اعلاه.
فهي تكاد تشارك واشنطن بكل قذاراتها في المنطقة، ليس من باب الظل والتابع الذليل، كما هو الحال مع الدول انفة الذكر.
وانما من موقع الشريك الذي يحسب له الف حساب، وذلك :
بدءا : بتدوين مسودة الارهاب منذ ولادته على الاراضي الافغانية مطلع ثمانينيات القرن الماضي والى يومنا هذا.
بفصليه الدمويين، القاعدة سابقا، وداعش لاحقا.
مرورا : بما بات يعرف بتاسيس مجلس الحكم بعد سقوط الصنم صدام في ٢٠٠٣، والويلات التي حلت على العراقيين اثناء تولي الحاكم المدني الامريكي بول بريمر لادارة العراق.
وصولا : الى تشكيل حكومة بغداد الفاسدة، ودستورها الحقير.
ليقع الشعب العراقي بين مطرقة الارهاب، وبين سندان الفقر والفساد.
وبعبارة اخرى، فبصمات الاخوة الاعداء كل من امريكا وايران، تكاد تتساوى كما وكيفا على بدن الضحية ايا كانت، زمانا ومكانا.
وحقا قيل :
( ليست هنالك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، انما المصالح هي التي تدوم ).
مقالات اخرى للكاتب