Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
اللقاء التشاوري لمجموعة من مواطنات ومواطني الدول العربية ببرلين (الحلقة الأولى)
الأربعاء, تشرين الأول 5, 2016
د. كاظم حبيب

 

بدعوة من الأخوة الدكتور حامد فضل الله والأستاذ نبيل يعقوب والدكتور كاظم حبيب وجهت إلى أخوات وأخوة من مواطنات ومواطني الدول العربية. وجاء في الدعوة ما يلي:

لقاء تشاوري للتداول حول اوضاع العالم العربي والمخرج من الصراعات الدموية ومن الازمة

السياسية الثقافية والاقتصادية الاجتماعية

الأخوات والأخوة الأعزاء 

تحية طيبة

تعيش شعوب منطقة الشرق الأوسط فوضى عارمة ومدمرة لحياة سكانها واقتصادها ومجتمعاتها، وتنهش العديد منها حروب أهلية ونزاعات عسكرية مدمرة قابلة للاتساع السريع. وقد كلفت هذه الأوضاع مئات ألوف القتلى وأكثر منها من الجرحى والمعوقين والمفقودين والمغيبين قسرا، إضافة إلى ما يقرب من عشرة ملايين من النازحين في داخل هذه البلدان والمهجرين قسرا الى بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا وغيرها. كما تعيش الدول العربية تحت وطأة نظم سياسية استبدادية وغير ديمقراطية وإرهاب حكومي وغير حكومي وفساد سائد، إضافة على اتساع قاعدة الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي، وفي الوقت ذاته يزداد غنى الأثرياء والفاسدين وتتعطل عملية التنمية الاقتصادية والبشرية ويزداد عدد العاطلين عن العمل والكفاءات الهاربة من هذه البلدان..

لقد قدم إلى أوروبا، ومنها ألمانيا، عدد كبير من اللاجئين من منطقة النزاعات الساخنة في الشرق الأوسط، وخاصة من سوريا والعراق، وهم يواجهون مصاعب جمة في القبول، وتنامي الاتجاهات اليمينية المتطرفة بألمانيا مثل حركة Pegida ، و AfD ، والاعتداءات المتزايدة على مناطق سكن اللاجئين، إضافة إلى نفوذ بعض الإرهابيين من أتباع داعش وممارسة العمليات الإرهابية بألمانيا مثلاً، مما يستدعي مناقشة الموضوع ورؤية ما يمكن ممارسته في هذا الصدد.   

نحن المقيمين في ألمانيا نشعر بالحاجة الماسة إلى التداول والحوار في ما بيننا لفهم ما يجري في المنطقة من تناقضات وصراعات ونزاعات دموية والعوامل الكامنة وراءها والمحرك لها والعواقب الوخيمة لاستمرارها على حياة ومعيشة شعوب المنطقة ومستقبل الأجيال القادمة. لهذا نقترح عقد لقاء يجمع نحو 25 الى 30 شخصا للتداول في هذا المسألة. ونرى انتفاء الحاجة لتقديم ورقة عمل للنقاش، بل يمكن لكل زميل من المشاركين تقديم مطالعة لا تتجاوز ألـ 8 دقائق. بعد الانتهاء من هذه الفقرة يبدأ الحوار والنقاش لمدة ساعتين تقريباً بهدف بلورة الآراء الوصول الى تصورات مشتركة أو متقاربة، يمكن بعدها توحيد الرؤية من خلال تكليف شخصين او ثلاثة لصياغة موقف مشترك يتفق عليه المشاركون في النقاش لنشره في الصحف والمواقع العربية وترجمة النص الى اللغتين الالمانية والإنجليزية، وربما الفرنسية لنشر النص على نطاق واسع. ينتخب الحضور هيئة ثلاثية لإدارة الاجتماع. نقترح ان يكون اللقاء ليوم واحد فقط هو يوم الأحد المصادف 2/10/2016 وعلى الساعة العاشرة صباحا حتى الساعة السادسة مساءً في بناية نويس دويتشلاند أوست بأنهوف- برلين. 

نرجو أعلامنا في حالة الموافقة أو عدمها على الحضور

مع خالص التقدير

 كاظم حبيب     حامد فضل الله     نبيل يعقوب   

وقد وجهت الدعوة إلى 65 مواطنة ومواطنة يقطنون ألمانيا تسنى لـ 29 منهم المشاركة في هذا اللقاء التشاوري. ننتظر المحضر لنشر مطالعات الأخوات والأخوة الذين شاركوا في هذا اللقاء. قررنا ننشر المطالعات على وفق ما يصلنا من الأخوة والأخوات لأهمية أن يطلع من يمكنه الاطلاع على ما جرى في هذا اللقاء، علماً بأن اللقاء كان منوعاً من حيث الفكر والسياسة ومن حيث الدول العربية والقوميات، مع حقيقة قلة من حضر اللقاء من الدول العربية. وكان الحضور من العراق والسودان ومصر وسوريا وفلسطين. أدار اللقاء الدكتور كاظم حبيب ولخص في نهاية اللقاء التشاوري ما اتفق عليه الأخوات والأخوة الحاضرون من نقاط للعمل للقاءات القادمة:

تميز اللقاء والنقاش بالطرح الموضوعي عموما والاستعداد للأصغاء للرأي والرأي الآخر والاحترام المتبادل للآراء. الطلب من الإخوة الثلاث الاستمرار في إدارة هذا العمل واقتراح المواضع والدعوات للنقاش. عقد لقاء دوري مماثل مرة واحدة بين كل 4-6 شهور كحد أدنى وأقصى. اختيار محور محدد يتفق عليه الجميع ليكون اساساً للمناقشة. السعي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين بقضايا الدول العربية في المرحلة الراهنة من جميع الدول العربية ومن مواطنيها من القوميات العديدة. الرجاء من الحضور توفير أسما وعناوين من يمكنهم تأمين إرسال الدعوات القادمة لهم. الاهتمام الجدي والمكثف بالكتابة والنشر باللغة الألمانية لإيصال وجهات نظرنا إلى الشعب الألماني حول القضايا الملتهبة في المنطقة. الحرص على نشر كل الأفكار التي تطرح في اللقاءات بتنوعها الفكري والسياسي. ولقد عبر اللقاء عن وجود مشتركات كثيرة بين المشاركين في تنوعهم الفكري والسياسي، مع وجود وجهات نظر متباينة يمكن للقاءات القادمة أن تقرب بينها، أو أن تتوضح الآراء والمواقف والأسباب الداعية لها، وهي مفيدة في كل الأحوال.

واليوم ننشر مطالعة السيد الدكتور حامد فضل الله، من السودان، حول الهجرة واللاجئين إلى ألمانيا ومطالعته كانت تحت عنوان "الخوف من الآخرين".    

الخوف من الأخرين

د. حامد فضل الله \ برلين

أزمة اللجوء وتبعاتها ليست جديدة في العالم، حيث عرف القرن العشرين أزمات لاجئين متعددة مع اشتعال الحروب والصراعات المسلحة، ابان الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو حرب التسعينيات العرقية في أوروبا وإفريقيا. أن تصاعد أزمة اللاجئين الفارين من مناطق الصراعات المسلحة في المنطقة العربية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، تضاف الى سلسلة الاختبارات الكاشفة لمعضلات الدولة القومية، والنظامين الإقليمي والدولي في مرحلة ما بعد الثورات العربية. إذ فرض تدفق ملايين اللاجئين، خاصة من سوريا إلى الجوار الإقليمي، أو الدول الغربية، ضغوطا داخلية وخارجية على الدول المضيفة التي واجهت معادلة صعبة بين الالتزام بالحقوق الانسانية للاجئين، وفقا للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وممارسة سياسات تحد من تأثير تدفقاتهم في أمنها وسيادتها.

لن أتعرض هنا الى ازمة اللجوء التي تواجه الدولة القومية أو دول الجوار الاقليمي أو العالم، وانما فقط الى أوروبا وخاصة المانيا. كما لا أتعرض في هذه المداخلة المكثفة الى اشكالية المفاهيم أو التوصيف.. لاجئ أم مهاجر وما يقع بينهما من خلط واستخدامه ايضا سياسيا، بالرغم من تعريف اتفاقية جنيف للاجئين في عام 1951، فاللاجئمن يفر بسبب التعرض للاضطهاد أو بسبب العرق أو الدين أو رأى سياسي، وهذا ما يتداخل مع صفة المهاجر الذي يفر من بلاده، ولكن لدوافع اقتصادية تتعلق بالفقر. 

لا تزال تسيطر ازمة اللاجئين بعد عامِ واحدِ من بدايتها، على العناوين الرئيسة في المانيا وأوروبا. لقد كانت سياسة الباب المفتوح وثقافة الترحيب والمقولة الشهيرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل " نحن قادرون " والاستقبال الحار وتطوع عشرات الآلاف من الألمان لمساعدة اللاجئين دون مقابل، لفتة انسانية رائعة. والآن انعكست الصورة تماماً بعد الاستثمار الشرس لأحزاب اليمين المتطرف في القضية وربطها بقضايا التهديد الأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مستخدمة صحافة الاِثارة ومع مسايرة بعض الأحزاب السياسية لهذا الاتجاه، والتي لم تقدم حتى الآن مقترحات أو حلول جادة، ما عدا المطالبة بإغلاق الحدود، خوفا من الخسارة في الانتخابات، كما حدث مؤخرا في نتائج انتخابات بعض الولايات. وكذلك الخلافات العميقة بين دول الاتحاد الأوروبي حول التعامل مع أزمة اللاجئين، مما ادى الى تغيير بعض قوانين اللجوء لتتحول من الترحيب الى الترحيل.

لعلنا نلقي أولا نظرة سريعة الى بعض الاحصائيات:

يحتاج 5، 13 مليون سوري ــ حسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2016 ــ الى مساعدات إنسانية، 7 مليون منهم يعيشون في داخل سوريا كمشردين و5 مليون كلاجئين خارج سوريا. ان " الازمة "التي يقال انها نتجت من خلال اللاجئين في السنوات الأخيرة في اوروبا، لا يمكن اثباتها، إذا قارنا نسبة متوسط نصيب شعوب الاتحاد الأوروبي، اقل من 26 ،0 في المئة. مقارنة مع لبنان تبلغ 25 في المئة، أو افريقيا أكثر من 30 في المئة وفي آسيا تفوق 40 في المئة. وعندما يدقق المرء في عدد الهاربين منذ عام 2015 ولم يتم حتى الآن ترحيلهم، نجد بالمقارنة، بأن أغنى قارة في العالم استقبلت 5 في المئة فقط من المهاجرين التائهين حول العالم، مقارنة بـ 86 في المئة وجدوا الحماية في دول العالم الثالث. وبالنظر الى هذه النسبة الضئيلة من الوافدين، يثار السؤال، لماذا كل هذه الضجة والخوف والذعر من اللاجئين مثلا في المانيا؟ لقد تعامت المانيا لفترة طويلة عن قضية المهاجرين والاندماج بحجة ان المانيا ليست بلداً للاجئين، حتى تفاقمت وتعقدت المشاكل، إضافة الى أزمة اللاجئين الجدد

أن الاندماج ليس طريقا في اتجاه واحد وانما يعني تحرك الناس من ثقافات مختلفة نحو بعضهم البعض والتحاور على قدم المساواة في الحياة اليومية عن التوقعات المشتركة والاحتياجات المختلفة. إن الاندماج وتطور الكفاءة بين الثقافات يستوجب اللقاء الشخصي والتجاور في السكن، مما يودي الى تجاوز التفرقة والتمييز والمجتمع الموازي.

ان جل اللاجئين من سوريا والعراق وافغانستان في سن الشباب، وهي أكبر ثروة اخفقت اوطانهم في توفير رؤية وآفاق ملموسة لمستقبلهم، فتستطيع المانيا بجانب توفير الحماية لهم ان تقوم بتأهيلهم عن طريق تعليم اللغة الالمانية والاعداد المهني، وتدفع بهم الى سوق العمل بدلا من الاعتماد على المساعدات الاجتماعية وبذلك يصبحون اعضاء فاعلين في المجتمع، لهم حقوقهم وواجباتهم، منها احترام قوانين وقيم وتقاليد البلد واثبات ان تقاليدهم وثقافتهم قادرة على التعايش والتفاعل مع المجتمع المضيف دون الذوبان فيه. ان اهمال قضية الشباب، تدفعهم الى الاحباط واليأس وفقدان الأمل، فالشباب بسبب قلة معرفتهم وقلة خبرتهم، ربما يقعون فريسة سهلة في ايدي المتطرفين. ولعل التجربة الفرنسية خير دليل على ذلك.

لقد فقدت الشبيبة الفرنسية من الأصول المهاجرة بسبب الظروف العائلية غير المستقرة ومن خلال الفشل في المدرسة والمهنة، أي سند. واصبحت غير قابلة للاندماج ومنحرفة اجتماعياً. كما يجب في الوقت عينه عدم انكار مخاوف المواطنين من قضايا الأمن والتطرف الديني والخوف من الهجمات الإرهابية والخوف من المستقبل والعطالة وفقدان الهُوية الوطنية. ويجب ان تُؤخذ مخاوفهم باهتمام وجدية، سواء كانت كلها مبررة ام لا ومهما تم تضخيمها من اليمين المتطرف. وإذا كانت الحكومة الالمانية تعول على ادماج طالبي اللجوء في سوق العمل على مشاركة أقوى من الأوساط الاقتصادية، فيجب عليها ايضا الانتباه بان لا يستغل ارباب العمل العمالة المدربة وغير المدربة للاجئين لضغط الأجور، مما يخلق فتنة وكراهية بينهم وبين المواطنين، الذين يخشون ايضا من ارتفاع معدل البطالة بينهم. وهنا تقع ايضا مسؤولية القوي السياسية الواعية ومنظمات المجتمع المدني، بالشرح والحوار مع المواطنين، فالقضايا اصبحت متشابكة ويعجز التفسير العاجل او النظرة المتسرعة الاِحاطة بها كلها. وكذلك التوضيح بان دعم اللاجئين لن يشكل تهديداً أو تقليصاً على مكتسباتهم الاقتصادية أو الاجتماعية. كما لا خوف على الثقافة الوطنية، فهي السائدة (حتى الآن !!)، ولكن تفاعلها مع الثقافات الوافدة، تخلق مجتمعاً متعدد الثقافات ويؤدي الى اكتساب الأمان والثراء الاجتماعي والثقافي. كما لا أود في هذه العجالة التعرض الى النقاش الحامي والانفعالي احياناً الذي تم منذ سنوات، الذي أثاره كل من أستاذ علم الاجتماع بسام طيبي (الماني من أصل سوري) والسياسي الألماني فريدريش ميرز حول الثقافة القائدة والقومية، وانما اشير في جملة قصيرة ما كتبه إريك هوْبزْباوْم ــ واحد من أشهر المؤرخين المعاصرين ــ منذ سنوات قبل أزمة اللاجئين الحالية " الجماعات والمجموعات العرقية في المجتمعات الحديثة محكومة بمصير التعايش، مهما قد يحلم الكثيرون ايضا بعودة الأمة النقية ".

ولعلني استحضر هنا قصيدة الشاعر والمسرحي الألماني بيرتولد برشت بعنوان " مشهد المنفي1 "

، واصفاً اللاجئ برسول البلوى. فهو يجلب الأخبار السيئة والصراعات والعواصف البعيدة، ليس من وطنه فحسب، بل من كل الإقليم. ويستدعي في الوقت عينه ذاكرة الغرب، مشيراً الى حياتهم السعيدة، وماذا تعني قيم الرفاهية والرخاء والسلام والأمن.

ماذا نستطيع ان نقدمه نحن، الذين نعيش منذ سنوات طويلة في المانيا، الى اللاجئين؟ فنحن ننعم بالحرية والأمان ونملك الوقت، فبعضنا وصل الى سن التقاعد وينعم بالمعاش المستحق وبعضنا عاش تجربة هؤلاء البؤساء وعاش عَسْف السلطة والاضطهاد قبل هروبه أو نزوحه من وطنه. إننا نستطيع أن نعمل مع الكثيرين من الخيرين من الألمان لمساعدتهم، فحن أقرب الى معرفة نفسياتهم، وذلك لنساعدهم على تخطي وضعهم المأساوي المؤقت. وأعود بذاكرتي ايضا الى قصيدة بيرتولد برشت بعنوان " شكوى مهاجر2 ":

أما انا فتسللت ليلا عبر غابة 
(ولدتني الأم الخطأ)
ومضينا نبحث عن بلد لا ينبذنا فيه أحد. 
ولكن اينما رجوت طالبا ما يسد رمقي
كنت أوصف دوماً بأني عديم الحياء
أنا لست عديم الحياء:

أنا ضائع

ويقول سيجموند باومان " إن المشاكل التي نتجت عن أزمة الهجرة الحالية والذعر المبالغ فيه، أكثر تعقيداً ومثيرة للجدل. يتداخل الشرط القاطع للأخلاق في مواجهة مباشرة مع الخوف من" المجهول العظيم "، الذي يتجسد في حشود الأجانب أمام الأبواب. ان الخوف الانفعالي في وجه الغرباء وما يثيره من مخاطر التي لا يمكن سبر غورها، تتعارض مع الوازع الأخلاقي، الذي يثيره مشهد الانسانية البائس. وعادة ما تكون الجهود الرامية الى الالتزام بالمبادي الأخلاقية واقتناع الاِرادة بتتبعها، هائلة.وعادة ما يكون ايضاً جهد الاِرادة في صم أذنيها عن مبادي الأخلاق موجعاً جداً. ويواصل " تعيش الاِنسانية في أزمة ــ ولا يوجد مخرج أخر من هذه الأزمة الا بالتضامن بين الناس. ولعل باومان يشير هنا ومن بعيد الى الفيلسوف الالماني كَانْت ومقولته عن " الضيافة الكونية " والتي يعرفها كَانْت قائلا " إن الضيافة تعني حق كل لاجئ في ألا يعامل داخل البلاد التي حل بها بوصفه عدواً ".

ولعلنا نتمعن الآن في بعض العبارات المضيئة، مثل قول السيدة سوزانا بير قاضية المحكمة الدستورية: " لا توجد "أزمة لاجئين" وإنما "أزمة حقوق إنسان" في أوروبا. أو كما يقول أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ديدير فاسين " ليس عندنا أزمة ديموغرافية وإنما أزمة سياسة واخلاق ". أو قول هوكا برنكه ورست " ولكن من لا يريد الحديث عن التاريخ الإمبريالي والاستعماري لأوروبا، يجب عليه أن يصمت عند الحديث عن أزمة اللاجئين ".

هل تستطيع السيدة أنجيلا ميركل أن تصمد ليس امام اليمين الألماني المتطرف وصحافة الإثارة فحسب، بل وأمام الأحزاب السياسية التي تشاركها في الحكومة الائتلافية ايضاً، لتواصل سياستها الحكيمة تجاه اللاجئين، التي تجد التأييد من غالبية الشعب الألماني، مستندة إلى المواثيق والقوانين الدولية والليبرالية الملتزمة بحقوق الاِنسان والمساواة الأخلاقية بين البشر والأمن الاِنساني ومهتدية بها، أم هل سيبدأ التراجع أولا من اجل المصلحة الحزبية الضيقة وخشية فقدان السلطة، وثانياً امام ضغط القوى اليمينية في أوروبا التي تضع الأمن الأوروبي في تعارض مع الأمن الاِنساني والقيم الإنسانية والأخلاقية في عالم معولم. وفي الواقع العملي ليس هناك أي تعارض بين الأمن القومي لألمانيا والأمن الإنساني في قبول اللاجئين الجدد، كما إنه ليس هنا من تعارض بين حرية الأنسان وأمنه، إذ على الدولة أن توفر مستلزمات المسألتين في آن واحد. وإذا ما تراجعت السيدة ميركل أمام ضغوط القوى القومية اليمينية واليمينية المتطرفة والنازية الجديدة، ستلجأ إلى تغيير قوانين اللجوء وتشديدها، ليقف اللاجئون المنهكون الناجون من الموت امام أبواب أوروبا المؤصدة، عندها ستسقط مصداقية السياسة الالمانية والادعاء بالدفاع عن حقوق الإنسان والمواد الخاصة بحقوق اللجوء التي يتضمنها دستور المانيا الاتحادية والمادة الأولى فيه التي تؤكد عدم جواز المساس بكرامة الإنسان. 

 

  المصادر

Bertolt Brecht, Die Landschaft des Exils1ـ

   Bertolt Brecht, Klage des Emigranten2 ـ 

ــ أزمة اللاجئين، ملحق مجلة السياسة الدولية ـ عدد يوليو 2016

Blätter für deutsche und internationale Politik, 9,2016 -

Herfried und Marina Münkler, die neuen Deutschen , Rowohlt . Berlin, 2016 -

Zygmunt Bauman, die Angst vor den anderen, Suhrkamp, 2016 ــ

 

 

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.36187
Total : 101