الدكتور غريغوري هاوس، ذلك الطبيب المذهل ذو الشهرة العالمية، ساهم بطريقة غير مباشرة بإنقاذ حياة مريض!
نبذة قصيرة لمن لا يعرف الدكتور هاوس، هو شخصية خيالية يقدمها المبدع البريطاني (هيو لاوري Hugh Laurie) في مسلسل درامي-طبي من إنتاج قناة فوكس الأميركية، يترأس هاوس قسم التشخيص في مستشفى تعليمي، وفي كلّ حلقة يعرض المسلسل حالة طبية مستعصية تحيّر فريق التشخيص، تمّ استيحاء شخصية الدكتور هاوس من شيرلوك هولمز، حيث يقدّم مراحل التشخيص بطريقةٍ مشوقة على شكل لغزٍ طبيّ يستعصي حله على الجميع، إلى أن تأتي عبقرية هاوس (وأحياناً غرابة أطواره وإبداعه في التفكير خارج الصندوق) فيقوم بحله.
نشرت مجلة The Lancet الطبية البريطانية مقالاً عن مريض ألماني زار الكثير من الأطباء لتشخيص حالته التي كانت تسوء يوماً بعد يوم ولكن لم يستطع أحد من الأطباء أن يشخص حالته.
بدأت شكواه منذ ثلاث سنوات حيث عانى من التهاب مريء وحرارة مجهولة السبب وانخفاض في مستويات هرمون الدرق، كما تراجعت قدراته البصرية والسمعية بحدّةٍ حتى بات قريباً جداً من العمى والصمم. ولكن الأخطر من ذلك، أنه بدأ يعاني أيضاً من مشاكل قلبية في ضخ الدم للجسم بما يكفي. عادةً، تكون إصابة القلب بسبب تصلب الشرايين التاجية، ولكنها كانت طبيعية عند هذا المريض! فعجز الاطباء عن ايجاد تفسير لأعراض هذا المريض وكانت حالته تسوء باستمرار.
ومن حسن حظ هذا المريض أنه زار مستشفى جامعة ماربرغ في أيار 2012، وفي ذلك المستشفى كان الدكتور شافر -طبيب في قسم الامراض غير المشخصة، يلقي على المتدربين محاضرات دوريةً بعنوان "الدكتور هاوس، هل نستطيع نحن إنقاذ المريض أيضاً؟" وفي تلك المحاضرات كان الدكتور شافر يعرض على طلاب قسم التشخيص بعض الحالات وطرائق التشخيص التي اتبعها دكتور هاوس في مسلسله.
يقول الدكتور شافر: بعد أن نظرنا في أعراض المريض مجتمعة، تذكرنا حالةً مماثلة في مسلسل الدكتور هاوس "موسم 7 – الحلقة 11" حيث عانت المريضة من قصور في القلب وكانت على لائحة زرع القلب قبل أن يكتشف الدكتور هاوس تشخيص حالتها بأنه تسمّم بالكوبالت ناتج عن مفصل خزفي!
تبيّن أن ذلك المريض كان قد أجرى عملية تبديل مفصل الورك بمفصل خزفي ولكن العملية فشلت فتم استبداله بمفصل معدني في تشرين 2010 أي قبل أن تبدأ أعراضه بفترة قصيرة. وحين عاير الدكتور شافر مستويات الكوبالت عند مريضه ظهر أنها أضعاف الحد الطبيعي.
أظهرت الصور الشعاعية تآكلاً في مفصل الورك، تم تفسيرها على أنها قد تكون من بقايا المفصل القديم، فهذه القطعة المكونة من الكوبالت كانت تخرّب المفصل باحتكاكها المستمر معه، ومع كل حركة كان الكوبالت يتحرّر إلى دمه ويسبب أعراضه على مرّ الوقت.
أجريت عملية تبديل المفصل للمريض للمرة ثالثة بمفصلٍ خزفي جديد، وبعدها بفترة قصيرة تحسنت قدرة القلب على ضخ الدم، لم يعد يعاني من الحرارة والتهاب المري. إلا أن قدرته السمعية والبصرية لم تتحسن كثيراً.
يعترف الدكتور شافر بأنّ حلقة الدكتور هاوس ساعدته كثيراً في تشخيص حالة المريض. "على مدى خمس سنوات كنت استعين بمسلسل هاوس، في البداية كنت أعرض بعض الحلقات فقط لكي أجذب الطلاب للحضور، ولكن الآن عندنا أكثر من 30-40 طالب طب يتابعون المحاضرات ويتناقشون حول الحالات الطبية النادرة التي تعرضها".
بعد هذه الحالة أعطت الصحف لقب دكتور هاوس الألماني لدكتور شافر، وبدأ المرضى بالقدوم من كل انحاء المانيا لمقابلته.
ساهمت عيادة الدكتور شافر بتشخيص الكثير من المرضى الذي لم يستطع أحدٌ غيره تشخيصهم وفاز بالعديد من الجوائز على مهاراته التعليمية والتشخيصية. يقول الدكتور شافر عن مسلسل الدكتور هاوس" إنه شخصيةٌ مشاكسة، ولكن بالنظر الى قدراته التشخيصية والطبية اعتبر تشبيهي به اطراءاً جميلاً".
وفي حالةٍ أخرى تمّ نشرها في مجلة طبية في الوقت نفسه، امرأة عانت من نفس الحالة الناتجة عن التسمّم بالكوبالت من مفصل وركي في مدينة "دينفر"، ولكن لسوء حظها فقد تطوّرت حالتها واضطرت إلى الخضوع أولاً إلى بزل السوائل القلبية ولاحقاً خضعت لعملية زرع قلب، بعد أن عجز الأطباء من تشخيص حالتها، إلى أن تمّ التشخيص بالصدفة البحتة بعد فترةٍ من خضوعها لزراعة القلب..
ترى، هل بإمكاننا أن نقول أنه لو كان طبيبها من متابعي مسلسل "د. هاوس" لكان قد خطر بباله التشخيص أسرع من ذلك؟ الواقع أن طبيبة هذه المريضة اعترفت بنفسها بذلك بعد اطلاعها على الحالة الأخرى التي تمّ تشخيصها.
ومما يجدر ذكره أنّ مسلسل "د. هاوس" يعتمد في كتابة السيناريو العلمي للحالات الطبية التي يواجهها، على تقارير حالات حقيقية من مجلات طبية عالمية مثل New England Journal of Medicine وكذلك The Lancet، فهو يعيد تقديم المعلومة الطبيّة بطريقةٍ مشوقة وجذابة، وبذلك قد لا يكون هذا المريض هو الوحيد الذي استفاد من معلومةٍ وصلت إلى طبيبه عبر مسلسل "د. هاوس"