لاشك ان التعايش بين مختلفين بحاجة الى عقلين متفتحين وعندما يكون التعايش بين اقلية واكثرية فان ذلك يدل على رجاحة عقل الاكثرية ونضوجه ونقاءه وصفاءه حيث يبتعد عن حب السيطرة و الاخضاع للاخر ويطرح مكانه التعايش الامن و السلمي فتطمئن الاقلية ويزهر التعايش محبة واخاء ومودة وامان .
التعايش الشيعي المسيحي ظاهرة ملفتة في عدة دول ومثال يجب ان يحتذى به ويجب ان يؤيد من الجميع لاننا ننشد جميعا الامن والامان و السلم في كل المجتمعات ولذلك يكون غريبا وشاذا ومستنكرا ومريبا ان يحاول البعض تخريب هذا التعايش من خلال اختلاق اكاذيب وبث سموم التفرقة و البغضاء بحجة الدفاع عن طرف هو اصلا لا يشتكي ويصبح الامر اكثر غرابة عندما يكون المخرب غريبا عن المكان وليس من سكنته ولا هو منتمي لاحدى الطائفتين .
في بلدان التعايش المسيحي الشيعي يكون المسيحي احيانا هو الاكثرية وفي اخرى يكون الشيعي هو الاكثرية ولكن ما يجمعهما هو العيش المشترك فيظهر انموذج التعايش المسيحي الشيعي الذي يدل على فهم عميق للدين من كليهما وحس وحرص وطني لا مثيل له .
في العراق كانت ولاتزال حقيقة التعايش المسيحي الشيعي موجودة ولم يخرقها مناوء او مخرب لان الاثنين الشيعي و المسيحي يؤمنان بحقيقة دينيهما ومحبان للوطن ولذلك كان التعايش تاريخيا ولم يكن وليد صدفة او نتيجة احداث ، ففي بعض محافظات جنوب العراق عاش المسيحيون بكل ود ومحبة واخاء وطمانينة مع اخوانهم الشيعة ولم يكن هناك اي استفزاز او تحرش او عداء ويتجلى هذا الموقف في بغداد وبالذات في منطقة الكرادة الشرقية حيث تعايش المسيحيون مع الشيعة منذ عشرات السنين ولازالوا الى هذا اليوم ولم يشعر اي منهما يوما بان الاخر يترصد له او ينتظره في موعد انتقام .
في لبنان شاهد اخر على حقيقة وصدق هذا التعايش الشيعي المسيحي بحيث كون الاثنان امثولة لو اتبعها الاخرون لعاشوا الامان بكل جزئياته ولم يشذ عن هذا التعايش الا من باع الوطن لاعداءه ولكنه مع ذلك فشل في فك هذا الترابط و التعايش .
ففي كل تواجد لاكثرية مسيحية واقلية شيعية لم يتعرض اي مسجد او حسينية للتخريب او الاعتداء ، كما لم تتعرض اي كنيسة او دير الى اعتداء او تخريب في مواقع تواجد اكثرية شيعية وما يلفت النظر ويثير الاهتمام هو انه في حالة تعرض الشيعي الى مضايقة في منطقة ما فانه ينتقل الى منطقة ذات اكثرية مسيحية والعكس صحيح وهذا دليل على فهم دقيق وواضح لدين كليهما ولمفهوم الوطنية عندهما .
هذا التعايش وهذه الصورة الانسانية و الحضارية لا تروق للبعض خصوصا للفاقد لعقيدة او مبدأ او فكر فنراه يحاول تشويه الصوة الجميلة من خلال بث الاكاذيب واختلاق الاقاويل كونه يبحث عن مكان ومنصب وموقع والا فما احلى ان تجد طائفتين مختلفتين بالدين تتعايش مع بعضها بحب وود وسلام وطمانينة تشعرها فيما بينها وبكل تاكيد لو تعكر صفوها لسبب اولاسباب فانها هي من ستعمل على حلها وفيما بينها خصوصا وان ما يجمعها مع هذا الاخر له تاريخ طويل وجذور متعمقة وعلى امتداد مدن واوطان وليست هي حالة واحدة وبالتالي لن تكن بحاجة الى غريب يدخل نفسه ليدق اسفين الاختلاف و الفرقة بحجة الحفاظ على احدهما .
اننا اليوم وفي هذا الجو المشحون طائفيا في كل مكان بحاجة الى راشدين يطفئون نار الاختلاف و الفتنة ولسنا بحاجة الى نافخي كير ، ومن يبحث عن دور فليبحث عنها في اماكن مضطربة ومن يريد ان يقلق فليقلق في مناطق القتل على الهوية وليسعى من هناك على وأد الفتنة والانتصار للمظلوم ومن اراد تنصيب نفسه مدافعا عن اي منطقة او مدينة او قضاء او محلة فليسكن فيها وليكن جزءا منها لا ان ينتصر لها من بعد الالاف الاميال او ان يتفندق بخمسة نجوم ليدافع عن المظلومين ان وجدوا حقيقة .
لم يحدث ان حل غير المسيحي والشيعي اي خلاف بينهما وكانوا هما على الدوام من يتوصلون الى حلول ان حدث طارئ او خرق هنا او هناك ولذلك يكون مدعاة للريبة ان يحشر غيرهما نفسه في شؤونهما خصوصا اذا لم يكن منهم وفيهم .
مقالات اخرى للكاتب