التغذية الراجعة تعني من بين ما تعنيه اطلاع المعطي للمعلومة نتيجة المعلومة او هي مقابلة المدخلات مع المخرجات لقياس الاثر ومعرفة مدى تحقق الأهداف التي وضع نظام ما من اجل تحقيقها والتغذية الراجعة من اهم الاساليب ومناهج العمل التي تستخدم في تقويم مختلف القطاعات كالتعليمية والادارية.
ففي قطاع الادارة مثلا يتم الوقوف على رأي الموظف البسيط الاكثر احتكاكا وتعاملا مع المستفيد او الزبون لمعرفة ملاحظاته وآرائه في ما يتم وضعه من خطط انتاج وتسويق من قبل الادارة للوقوف على مدى نجاح الشركة او المؤسسة في تطبيق خططها وتحقيق اهدافها وفي المجال القانوني فان تطبيق هذا المنهج والوقوف على رأي كافة الجهات المطبقة للقانون امر منطقي وضروري سواء قبل التشريع والتصويت على اي قانون او عند التنفيذ فقبل تشريع القانون تتجسد اهمية التغذية القانونية الراجعة في ان اغلب النظم القانونية توجب ان يتم صياغة المبادئ الاولية والاساسية للتشريع من قبل ذات المؤسسة التنفيذية التي تعمل على تطبيق القانون كونها الادرى بالهيكلية الإدارية اللازمة لتطبيقه وتنفيذه من دوائر واقسام وشعب كذلك هي الادرى بالصياغة اللغوية والقانونية التي تفرغ من خلالهما المؤسسة الاهداف التي تسعى لتحقيقها والوسائل المستخدمة في ذلك وهي الادرى كذلك بالأثر المترتب في الشارع وعند المواطن من جراء تطبيق النص القانوني بحكم الخبرة والتجربة التي ربما لا يمتلكها عضو المؤسسة التشريعية عند كتابة وصياغة النص القانوني لان التشريع في النهاية يأتي لحل مشكلة او ضمان حق او تنظيم حالة معينة او لأغراض اخرى ويجب ان يكون واقعيا فان ابتعد عن الواقع فقد الجدوى وبدل من ان يكون حلا يصبح مشكلة.
وحتى يكون واقعيا فانه يجب الوقوف على آراء من يقوم على تنفيذه لأجل ذلك فان المادة (60) اولا من دستور جمهورية العراق اشارت الى ان مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وهما الجهتان اللتان تتكون منهما السلطة التنفيذية وان اي مشروع للقانون يجب ان يتم صياغته من قبل الوزارة المعنية بتطبيقه ومن ثم يتم امراره في القنوات التدقيقية والصياغية الاخرى كمجلس شورى الدولة ومجلس الوزراء ومجلس النواب للتصويت بعد ان تنضج الافكار وتستقيم الرؤى وهذا ما ايدته وأكدته المحكمة الاتحادية العليا في العديد من قراراتها اما التغذية القانونية الراجعة في مرحلة ما بعد تنفيذ القانون فان الوقوف على آراء ومقترحات الموظفون والمسؤولون القائمون على تنفيذه امر ضروري لمعرفة ان كانت الأهداف تحققت وان كانت هناك تعديلات يجب إجراؤها على القانون ليصار إلى تقديم مشروع بالتعديل ما دعاني لسوق هذه المقدمة الطويلة هو ما رافق مواد قانون العفو رقم 27 لسنة 2016 من سلبيات وإشكاليات في التطبيق أفرغت الكثير من النصوص من محتواها ولم تحقق الهدف الذي يبتغيه المجتمع من تشريع مثل هذا القانون لان تطبيق هذا القانون من قبل قضاة التحقيق والجنح والجنايات تعتريه الكثير من الصعوبات بسبب التناقضات التي احتوتها نصوص القانون واللامنطقية في بعض فقراته والاشتراطات العديدة التي وضعت لشمول المتهم بالعفو العام كاشتراط تنازل المشتكي وكون المتهم من غير الشمولين بقانون العفو للعام لسنة 2008 دون ان تفرق هذه الاشتراطات والقيود بين مرتكبي الجرائم البسيطة الصلحية التي لا تتعلق بالحق العام وبين مرتكبي الجرائم الإرهابية وسراق المال العام ما افرز إشكاليات في التطبيق جعلت منه قانونا غير ناجز ومعلقا على تحقق جملة من الشروط وان كل ذلك ما كان ليحصل لو ان السلطة التشريعية والقائمين على اعداد القانون وتشريعه كانوا قد انتهجوا منهج التغذية القانونية الراجعة واستطلعوا اراء القضاة والموظفين الذين يعول عليه في تطبيق القانون للوقوف على ملاحظاتهم وارائهم التي كانت ستسهم في إنضاج فقرات القانون وجعله يتجاوز القصور التشريعي والاليات المعقدة التي ترافق تطبيقه لان القائمين على تطبيق القانون هم الادرى بالاثر المترتب على النص والاليات المناسبة لتطبيقه لتحقيق الاهداف التي جاء القانون وشرع لتحقيقها والذي استغرق سنوات طويلة في مرحلة الاعداد والصياغة ومع ذلك لم يكن القانون بمواده متلائما مع الفترة الطويلة التي استغرقتها عملية الاعداد له والتي من خلالها تم ايهام المواطن انه يحقق ما يصبو اليه المجتمع العراقي من اهداف اجتماعية وقانونية تتلاءم والمرحلة الحالية ومن ثم القاء العبء الاكثر على السلطة القضائية التي تقوم بتطبيقه برغم ما تعتري نصوصه من اشكاليات صياغية وإجرائية وفنية تجعله محلا لإعادة النظر والتعديل.
مقالات اخرى للكاتب