كنت دائما" اقول
ان الحرب العراقيه الايرانيه هي حرب كان بالامكان تفاديها
لان صدام حسين لم يعطي فرصه للجهود السلميه
ورفض وساطة الجزائر ووساطة ياسر عرفات قبل ان تبدأ الحرب
لكني اعترف الان اني كنت مخطأ
هذه الحرب لم يكن بالامكان تفاديها لانها قرار امريكي
لقد حاول الرئيس احمد حسن البكر تفاديها
فماذا كانت النتيجه
ولو حاول صدام لكان مصيره مثل مصير سلفه البكر
ولكان هناك من هو مستعد غيره لاشعالها
.....................
كان الموقف السوفيتي الرسمي يقول:
ان الحرب العراقيه الايرانيه حرب لامعنى لها
نعم هي لا معنى لها بالنسبه للشعبين العراقي والايراني
ولكن
كان لها معنى كبير بالنسبه لامريكا واسرائيل
وربما لبعض الدول العربيه
..............................
فيمايلي بعض من مذكراتي تلك الحرب التي ( لا معنى لها) والتي ( ماكان بالامكان تفاديها):
بعد شهر واحد من تخرجنا من كلية الهندسه جامعة بغداد عام 1981 ( وكانت الحرب مع ايران في اوج اشتعالها).
التحقنا بكلية الضباط الاحتياط في معسكر الرشيد لاداء الخدمه العسكريه
لم أمكث في كلية الاحتياط سوى يومين فقط فقد تم رفضي وعدد اخر من زملائي بسبب (عدم السلامه الفكريه) كما تقتضي الاصول في تلك الايام
وعدم السلامه الفكريه تعني ان الشخص غير منتم الى الحزب الحاكم او لديه اقارب لحد الدرجه الرابعه يشتبه بأنه معارض للحكومه انذاك.
وتم نقلنا كجنود مكلفين الى معسكر خان بني سعد المشهور بالبق الذي لايرحم
في المعسكر كان معنا الدكتور (حاليا") ليث الحديثي والدكتور (حاليا) عماد عبد الرحمن الهيتي والدكتور(حاليا") محمد علي الانباري وعدد كبير من خيرة خريجي كلية الهندسه وكلية العلوم قسم الجيولوجي منهم الاستاذ سعد رؤؤف انطون الاول على قسم المدني والاستاذ سلام عبد الله الاول على قسم المساحه والدكتور رائد حسن عبود الاول على العراق في الدراسه الاعداديه.
وبعد اسبوع فقط نقلوا بعضنا ( وانا منهم ) الى سرية حفر الابار في خان بني سعد وبدأنا دورة التدريب الاساس على السلاح التي استمرت 40 يوم
بعدها دخلنا دوره لتشغيل المكائن استمرت شهرين
في سرية حفر الابار كنا نلاقي نحن الخريجين ( مهندسين وجيولوجين) معامله قاسيه رغم ان آمر السريه كان مهندسا"
كنا نقوم بالاشغال الشاقه دون غيرنا من منتسبي السريه
وكانت الاشغال الشاقه تشمل قيامنا بالعمل في صب ارضيات القاعات بالكونكريت او تفريغ لوريات الطابوق القادمه للسريه لكن اقسى الاعمال الشاقه هو تفريغ شاحنات الاسمنت التي تصل الى السريه ليلا" وكان يتم ايقاظنا من النوم لغرض تفريغها
اتذكر كان معنا جيولوجي من اهل هيت اسمه ( بيان ) كان شهم الاخلاق اضافه الى قوته الجسديه ........كان ( بيان ) يتكفل بالجزء الاعظم من اكياس الاسمنت لوحده
في ايام الدوره الاساس ودورة المكائن كان المبيت اجباري في المعسكر ستة ايام من الاسبوع وكنا ننزل الخميس بعد الظهر ونعود الجمعه مساء"
بعد انتهاء الدوره تم تقسيمنا الى فئتين اختياريا":
( مقيمين) يبيتون في المعسكر اسبوعين كامله ثم يأخذون اجازه ثلاثة ايام
و ( عوائل) ينزلون بعد الدوام بين يوم واخر لكنهم لا يأخذون اجازه الا على شكل مساعده في حالة الضروره القصوى .
كانوا يقدمون لنا في اليوم اربع وجبات غذاء
الاولى فجرا" ( كنت لا احضرها لاني نائم ) تتضمن شوربة العدس والصمون العسكري صمون هو بحق صعب المراس عباره عن كتله صلبه من الطحين الاسمر
الوجبه الثانيه في فترة الاستراحه: وتسمى ( التعيين) وتشمل الصمون والفواكه واحيانا جبن كرافت او بيض
الثالثه: او مايسمى ( القسعه) بعد انتهاء الدوام الثاني وتشمل الرز والمرقه التي ماانزل الله بها من سلطان : عبارة عن سائل احمر تسبح فيه بعض قطع البصل واللحم المستورد الذي كنا نسميه لحم الكنغر............. يوم الجمعه كان يوم سعيد لان المرقه فيه هي فاصوليا يابسه واضحة المعالم وقطعة دجاج مسلوق !!!
الوجبه الرابعه بعد الدوام المسائي وتشمل ماتبقى من مرقة الظهر مع صمون
رغم كل المتاعب كنا سعداء وكنا نضحك كثيرا كان معنا مجموعه رائعه من اهل الموصل الذين كانوا كرماء جدا عكس مايقال عنهم وكان معنا مجموعه من الاكراد الطيبين حقا ( قسم منهم الان مقاولين مشهورين في كردستان منهم مسعود وعمر اسماعيل وكذلك الدكتور عبد الكريم درويش )
في هذه الفتره تغيرت شخصيتي كثيرا" من تلميذ انطوائي خجول الى جندي مشاكس وقيادي ايضا"............... وبصراحه كنت اكره هذه الحرب واكره الخدمه العسكريه ايضا
كنت اسخر كثيرا" من اوضاعنا وقد نظمت قصيده اهجوا فيها آمر السريه يقول مطلعها:
ياآمرا" في سرية الابار................... افما تسمع بالاخبار؟
وقد حفظ الخريجون معي هذه القصيده الساخره وكان يرددها كثيرا مسعود وسلام عبد الله و المهندس علاء صبحي صديقي من بهرز
في احد المرات وفي دورة الاساس ولسبب ما امرني نائب الضابط ان ازحف عقوبة لي فرفضت لان كرامتي لاتسمح!! وتحججت بأني مريض فقدمني نائب الضابط الى الضابط كمذنب وعاصي للاوامر فاضطريت للاصرار على موقفي فقال الضابط اعملوا له ارسال الى مستشفى الرشيد العسكري وتوعدني ان كنت متمارض
ذهبت الى مستشفى الرشيد العسكري وهناك انقذني الله حيث وجدت هناك احد اقربائي في شعبة اشغال المستشفى الذي توسط لي وحصلت على اجازه عشرة ايام وعدت الى السريه بعد انقضاء الاجازه منتصرا".
كان في السريه ( بهو) وهو غرفه كبيره نوع ما وملحق بها حانوت لبيع الاطعمه ( اللفات والببسي) اسمه ( التحافيه ) وهي كلمه تركيه شأنها شأن كلمة يطاغ وتعني ( الفراش) المستخدمه في الجيش ايضا.
في الليل كان الجنود الذين ليس لديهم واجب حراسه يذهبون الى البهو لمشاهدة التلفزيون
كان التلفزيون يعرض انذاك مسلسل عراقي اسمه ( فتاة في العشرين) بطولة شذى سالم وكم كنا نسخر من هذا المسلسل غير الواقعي لان البطل يتخرج من كلية الهندسه فيقول له ابوه ( هسه بعد ان تخرجت شتحب؟ تفتح مكتب هندسي لو تسافر للخارج تكمل دراسه!!!!) وكأن في العراق لايوجد شيء اسمه خدمه عسكريه الزاميه مفتوحه لايعرف مدتها الا الله والراسخون في العلم!!!!
وعلى ذكر الحراسات الليليه كان ازعجها حراسة باب النظام والسجن ومحظوظ من يكلف بالدوريه الراجله لانها تعتبر ( تسخيت) الا ان من اجمل الدوريات التي لا انساها كانت مع الدكتور الجيولوجي عماد الهيتي ( عميد كلية العلوم في الانبار في وقت ما) حيث قضينا ساعتين من الحوارات الفكريه الممتعه واكتشفت ان هذا الرجل يشاطرني الكثير من اهتماماتي وافكاري ............ تمنيت لو ان الدوريه تستمر اكثر من ساعتين
مقالات اخرى للكاتب