ترجع أهمية الحفاظ على حقوق المرأة في العصر الحديث لكونها عاملًا هامًا من عوامل التنمية البشرية، فهي نصف المجتمع، وهناك نساء تمتلك من القدرات العقلية مايمكنها من تحقيق إضافة فعلية في مجالات التنمية، والعلوم، وغيرها، وتعد رعاية الأسرة والأولاد من أسمى درجات العطاء، حيث أن حواء هي التربة الخصبة التي تنتج البشرية جمعاء، ولذا كرمتها الأديان، واحتفى بها الراسخون في العلم.
بيد أن المشكلة الحالية تكمن في وجود نوع من التمييز السلبي تجاه المرأة العربية، ومن صور هذا الظلم؛ التميز الاقتصادي في الأجر، والوظائف، وإجحاف الحقوق السياسية علي أساس الجنس, وعلي الصعيد الاجتماعي رأيها مهمش بالعمل والبيت، ولا يؤخذ بقراراتها في الكثير من الأمور، علاوة علي ممارسة العنف ضدها من قبل الزوج أو الأخ ، وتئن النساء في كثير من الأحيان من سطوت الرجل المتسلط. وللتدليل على تفوق المرأة العربية منذ فجر التاريج سوف يتم عرض بعض من النماذج المختصرة جدًا، والتي تؤكد على ثراء قدرتها في العمل التنوع، ومن بعض هذه المجالات مايلي:
أولاً التفوق في المجال العلمي:
شهد التاريخ العربي القديم العديد من النساء اللاوتي تفوقن في المجالات العلمية، ومنها الطب، مثل رفيدة الاسلمية، وكانت طبيبة متميزة بالجراحة، عاصرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعملت في خيمة مستقلة لتداوي الجرحى، وعندما اصيب سعد بن معاذ بسهم في معركة الخندق قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اجعلوه في خيمة رفيدة حتى اعوده من قريب.
في المغرب ظهرت فاطمة بنت محمد الفهري القيراوني التي أسست جامعة القرويين بالمغرب كأول جامعة في العالم عام 245 هـ/859 م، والتي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. ومولت هذا المشروع العلمي من ميراثها الخاص، لتدريس شتى أنواع العلوم، كالفقه اللاهوتي والإسلامي، وذلك بجانب تدرس النحو، والطب، وعلم الفلك، والفيزياء، والتاريخ، والكيمياء، والجغرافيا، والرياضيات، والعلوم الطبيعية، واللغة الأجنبية، والموسيقى. وتوفيت عام 1180م.
وفي العصر الحديث المصرية سميرة موسى نموذجًا لهذا التفوق، حيث عرفت بنبوغها منذ الصغر, وحفظت القرآن الكريم في سن مبكرة, ثم انتقلت مع والدها إلى القاهرة, وحصلت على المركز الأول في شهادة البكالوريا. التحقت بالجامعة وتخرجت في كلية العلوم سنة 1939م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. وحصلت على شهادة الماجستير من القاهرة بامتياز, ثم سافرت إلى انجلترا, واستطاعت أن تحصل على الدكتوراه في أقل من عامين, فكانت أول امرأة عربية تحصل على الدكتوراة وأطلقوا عليها اسم مس كوري المصرية.
استغلت الفترة المتبقية من بعثتها في دراسة الذرة, وإمكانية استخدامها في الأغراض السلمية والعلاج، ومن أقوالها المشهورة "سأعالج بالذرة كالعلاج بالأسبرين" وكان لسميرة موسى دورًا في الشأن العام بمصر، فشاركت في مظاهرات الطلبة عام 1351هـ -1932م، وساهمت في مشروع القرش لإقامة صناعات وطنية, وشاركت في جمعية الطلبة للثقافة العامة التي هدفت إلى محو الأمية في الريف, وكانت عضوًا في جمعية النهضة الاجتماعية وجمعية إنقاذ الطفولة المشردة.
وحصلت على منحة دراسية لدراسة الذرة في الولايات المتحدة عام 1951م بجامعة كاليفورنيا وأظهرت نبوغًا منقطع النظير في أبحاثها العلمية, وسمح لها بزيارة معامل الذرة السرية في الولايات المتحدة, توفيت سميرة موسى أو تم اغتبالها في حادث سيارة مدبر في الولايات المتحدة في 5/8/1952م, وكان عمرها 35 عامًا.
وفي السعودية برزت الدكتورة حياة سليمان سندي، كعالمة وباحثة سعودية، كأول سعودية تحصل على منحة دراسية من جامعة كمبردج لتحضير أطروحة الدكتوراه في مجال التقنية الحيوية. عينت سفيرة للنوايا الحسنة لدى اليونيسكو في عام 2012م للمساهمة في تشجيع التعليم العلمي للفتيات في منطقة الشرق الأوسط، وتعرف بأنها صاحبة مشروع "التشخيص للجميع"، وهو عبارة عن تقنية حديثة تم تطويرها في معمل "جورج وايتسايد" بجامعة هارفرد، وأيضًا كأول مرأة تنضم إلى مجلس الشورى السعودي.
ثانيأ التفوق في المجال الأدبي و الفكري:
تعد جليلة بنت مرة من أقدم الشاعرات العربيات اللائي عشن في عصر الجاهلية، وعلى الرغم من أن هذه الحقبة التاريخية تركت للوجود أسمى وأرقى أنواع الشعر الفصيح، وأعذبها نظما وكلاما، فقد كان للنساء أيضا دورهن في التعبير عن سمو المشاعر. أما الخنساء الشاعرة عرفت بأنها كانت ذات حسب وجاه وشرف. وأنها كانت ذات جمال أّخاذ، وتقاسيم متناسقة، وبرعت في الشعر.
وفي العصر الحديث ظهرت بمصر عائشة محمد عبد الرحمن المُكنّاة ببنت الشاطئ الكاتبة المصرية والباحثة والمفكرة والأستاذة الجامعية في الأدب العربي, التحقت عائشة بمدرسة اللوزي الأميرية للبنات, وحصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929,وكانت الأولى على القطر المصري, ومن ثم حصلت على الشهادة الثانوية عام 1931م,والتحقت بجامعة عين شمس وتخرجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية, تلا ذلك حصولها على شهادة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1942, ومن بعدها شهادة الدكتوراة عام 1950م.
وحصلت على الكثير من الجوائز: منها جائزة الدولة التقديرية للأدب في مصر عام 1978م, كما حصلت على جائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية والريف المصري عام 1956م, ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية, وجائزة الأدب من الكويت عام 1988م, وفازت أيضًا بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994م, كما منحتها العديد من الموسسات الإسلامية عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة والمجالس القومية المتخصصة. وتوفت الدكتورة عائشة عبد الرحمن في الأول من ديسمبر 1998م.
ومن دولة الكويت ظهرت الشيخة الدكتورة سعاد محمد الصباح، كشاعرة، وكاتبة وناقدة كويتية حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية، وهي المؤسسة «لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» عام 1985. تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة للغتها العربية الأم. تم تكريمها في العديد من الدول لإصداراتها الشعرية وإنجازاتها الأدبية ومقالاتها الاقتصادية والسياسية.
والكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، صاحبة أكثر مبيعات في العالم العربي، وأكثر جمهور، وتتميز بقدرة علي اختيار عناوين روايتها كثلاثيتها الشهيرة "عابر سرير"، "ذاكرة الجسد" ، "فوضى الحواس" ، وكتباتها عموما تشتهر بالتمرد والرغبة في التحرر ، إلا انها تركز على إظهار الكبت الذي تعيشه المرأة العربية وحثها على التمرد والتحرر من العبودية.
ثالثًا التفوق في المجال العسكري والسياسي
لعبت المراة العربية في الحروب دورًا شجاعًا، ولم تتخاذل في مواجهة الأعداء، ومن الأمثلة علي ذلك: زنوبيا ملكة تدمر، فبعد مقتل زوجها في حمص 268م، أصبح ولده من زنوبيا وهب اللات ملكاً، وكان دون سن الرشد، فاستلمت أمه الحكم وصية أولاً، ثم ملكة، واستطاعت أن تقود قومها إلى نهضة شاملة ، وقوة عسكرية طامحة، ويقول الطبري أنها كانت من عماليق العرب، وقيل أن أمها ترجع بنسب إلى كليوباترا في مصر.
وأصدرت العملة الخاصة بتدمر وصكت النقود، ووسعت مملكتها، وضمت الكثير من البلاد، لكن الإمبراطور الروماني صمم على التصدي لها، وفي سنة 271 أرسل الرومان جيش قوي مجهز إلى أطراف المملكة، ليلتقي الجيشان وتدور معركة كبيرة، احتل بروبوس أجزاء من جنوب المملكة في أفريقيا، وبلغ أورليانوس أنطاكية في سوريا، وتم محاصرة جيشها، إلا أنها قاومت الغزاة بشجاعة معلنة القتال حتي الموت دفاعا عن مملكتها. وعرض أورليانوس عليها التسليم وخروجها سالمة من المدينة، ولكنها رفضت ووضعت خطة وحاولت إعادة الالتفاف على جيش اورليانس فتحصنت بالقرب من نهر الفرات إلا أنها وبعد معارك ضارية وقعت في الأسر ولاقاها أورليانوس وهو في ميدان القتال فأحسن معاملتها وكان ذلك سنة 272م.
وفى الجزيرة العربية لعبت المرأه دورا كبيرًا في الحروب، وذلك بإثارة روح الحماسة في صفوف الرجال، وتشجيعهم علي بذل النفس والنفيس ولتحقيق النصر لقبائلهم، فعندما استحكم الصراع بين الغساسنة والمناذرة قامت حليمة بنت الحارث الغسانى تتفقد جنود أبيها بنفسها، وتدهن أيديهم بالطيب والعطر، وهى تبث فيهم روح الحماسة والإصرار.
ويتكرر هذا الدور فى مشهد أخر عند محاربة قريش للمسلمين فى يوم أُحد حيث خرجت نسوة قريش تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان يتجولن في الصفوف، ويضربن بالدفوف، يستنهضن الرجال، ويحرضوهم علي القتال ويثرن حفائظ اهل الضرب والطعان.
وفي مصر ظهرت شجر الدر كقائد قوي، وذلك بعد وفاة زوجها نجم الدين عام 647 هجرية عام 1249 ميلادية, أثناء المعركة المشتعلة بين المصريين، والصليبيين الذين كان يقودهم لويس التاسع ملك فرنسا ، والذي كان يتأهب للزحف بجيوشه الفرنسية إلى القاهرة عن طريق المنصورة بعد نزوله مدينة دمياط في الخامس من شهر يونيو عام 1249، فأخفت شجرة الدر خبر وفاة السلطان, وكانت تدخل الأدوية، والطعام غرفته كما لو كان حيًا, واستمرت الأوراق الرسمية تخرج كل يوم وعليها ختم السلطان.
تولت شجر الدر بحكمة ترتيب أمور الدولة، وإدارة شئون الجيش في ميدان القتال, وأرسلت الى طوران شاه ابن السلطان المتوفى ليتولى قيادة البلاد, واستطاعت خلال تلك الفترة الانتقالية أن تدبر أمور البلاد حتى مجيء طوران شاه في فبراير 1250 وبعد قتله، تمت البيعة لشجرة الدر كسلطانة على البلاد, واهتمت بتصفية الوجود الصليبي في مصر, واتفقت مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط.
وقد جاءت ردود الفعل الغاضبة في مختلف بلاد الإسلام برفض تولي امرأة للعرش؛ حيث أرسل الخليفة المستعصم بالله العباسي يقول: ويل لبلد تحكمه امرأة، إذا كانت مصر قد أقفرت من الرجال فأخبرونا حتى نرسل إليكم رجلًا. فاضطرت شجرة الدر إلى التنازل عن العرش للأمير عز الدين أيبك الذي تزوجته ولقّب باسم الملك المعز, وكانت المدة التي قضتها سلطانة على عرش البلاد ثمانين يومًا.
في مصر الحديثة ظهرت راوية عطية، وكانت أول امرأة تعمل كضابطة في الجيش المصري، حيث قامت في فترة العدوان الثلاثي على مصر 1956م، بتدريب 4000 إمرأة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب ووصلت لرتبة نقيب، وبرزت كسياسية مشهورة، بوصفها أول إمرأة عربية تكسب عضوية البرلمان في بلادها. وحازت على ماجستير في الصحافة والدراسات الإسلامية.
وفي الجزائر ظهرت جميلة بو حريد، حيث انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي، وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين، وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي، وتم القبض عليها عام 1957 بعدما إصيبت برصاصة في الكتف، وفي المستشفى بدأ الفرنسيون بتعذيب المناضلة، بالصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام كي تعترف على زملائها، وحين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكماً بالإعدام عام 1957، وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم. وتم تأجل تنفيذ ، ثم عُدّل الحكم إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر عام 1962، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي جاك فيرجيس سنة 1965 الذي دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني خاصة المجاهدة جميلة بوحيرد والذي أسلم واتخد منصور اسما له.
وفي العراق زينب صليبي: وبرزت ككاتبة، وصانعة أفلام و ناشطة في مجال حقوق الإنسان، ولها عدة مساهمات لخدمة النساء في مناطق الحروب، و المؤسسة التي أنشأتها ساعدت ثلاثمائة ألف إمرأة حول العالم.. هذه المرأة العراقية أختيرت كأمرأة العام في أمريكا 2015.
وفي اليمن ظهرت "توكل عبد السلام كرمان"، وتصدت لإنتهاكات حقوق الإنسان، والفساد المالي والإداري، وطالبة بالإصلاحات، وبإسقاط نظام علي صالح منذ عام 2007، وفي فترة الفوران بثورات الربيع العربي تم إعتقالها مساء السبت 23 يناير 2011، بتهمة إقامة تجمعات ومسيرات غير مرخصة لها قانونا والتحريض على ارتكاب أعمال فوضى وشغب وتقويض السلم الاجتماعي العام، وأفرجت السلطات اليمنية في اليوم التالي، جرّاء موجة من الضغوط الشعبية أنطلقت علي هيئة مظاهرات حاشدة، وتوج مشوارها السياسي بأن مُنحت جائزة نوبل للسلام عام 2011م.
رابعًا خيارات المرأة العربية:
وتعد المرأة التونسية نموذجًا تاريخًيا يدعم فكرة الاستقلالية، ومثال علي ذلك "أروى الحميرية القيروانية" زوجة الخليفة المنصور، وأم الخليفة المهدي، أبوها منصور الحميري من وجهاء اليمن الذين استقروا في القيروان، وعندما تزوجها المنصور في القيروان حين كان ملاحقاً من الدولة الأموية، فنزل سرا بأبيها وهناك انبهر بجمالها وذكائها، وخطبها لأبيها فاشترط عليه «ألا يتزوج غيرها وألا يتخذ السرايا معها» وإلا فإن طلاقها بيدها على عادة أهل القيروان تحت ما يسمى (الصداق القيرواني)، وظل أبو جعفر المنصور ملتزما بالشرط حتى بعد توليه الخلافة، إلى أن توفيت عنه في 146ه/ 764م بعد أن انجبت له أحد خلفاء بني العباس.
وتمييز المرأة العربية بحبها الشديد للحياة الأسرية، وتختار في أغلب الأحيان التفرغ لرعاية أطفالها، وأسرتها؛ إيمانًا منها بأن عاطفة الأمومة هي أفضل ما تقدمه النساء للبشر، ومن اللافت للنظر أن المرأة العربية تستطيع الجمع بين وظيفتها البيولوجية بوصفها منتج للبشر، علاوة علي الدراسة، والبحث العلمي، والعمل، والإبداع الفكري، بتفوق واقتدار، وهذا الدور يكفي لتكريم المرأة ورفعها إلى أعلى الدرجات، وتسليحها بالعلم والمعارف لإنتاج أجيالا قادرة علي صناعة المستقبل.
على أن يم ذلك بالتزامن مع القضاء علي كافة أشكال التمييز؛ ليكون معيار الكفاءة في أي مجال من مجالات الحياة هو الحد الفاصل بين الرجل والمرأة. وهذا يتطلب تغيرًا في السياسات الاقتصادية حتى يكون الأجر طبقًا للإنتاجية والكفاءة العلمية، وأن تتوقف يد البطش ضدها في المحيط السياسي والأسري، لأن المرأة تمتلك طاقة حيوية تمكنها من العمل الجاد، ومن ثم يجب أن تمنح الفرصة العادلة للمساهمة في بناء الأسر، والأوطان.
مقالات اخرى للكاتب