لقد انطفأت الأنوار وأنزلت الأستار على دولة فرنسا، هذه الدولة الاستعمارية العتيدة في نهاية كل مرحلة متعلقة بسورية تلوي رأسها وتعود أدراجها إلى موقع التابع. هذا الموقع هو من يفرض عليها منذ أيام التخفيف من ''فورة'' تصريحاتها التي انطلقت عقب التهديدات الأمريكية بشن عدوان على سورية، وهي تصريحات لن نقول إنها معادية أو حاقدة، بل هي من نوع السذاجة والسطحية في قراءة الحدث وفي فهم الحليف الأمريكي وأهدافه الحقيقية من وراء التصعيد في الملف السوري.
واستمراراً في سياستها المتهورة والعدائية تجاه الشعب والدولة السورية، وإمعاناً في حملات التضليل والأكاذيب التي تمارسها على الرأي العام الفرنسي منذ بداية الأزمة في سورية، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً يوم 31 ـ 3 ـ 2014 بشأن الأحداث الجارية في مدينة كسب السورية، حاولت فيه التغطية على أعمال العصابات الإرهابية المسلحة التي هاجمت وبدعم وإسناد ناري من القوات التركية مناطق عدة في ريف اللاذقية الشمالي، ومنها مدينة كسب وارتكبت فيها انتهاكات صارخة بحق المواطنين الأبرياء، ما حدا بالسكان المدنيين في كسب ومحيطها إلى ترك منازلهم طلباً للأمان في المناطق المجاورة وبحماية من الجيش العربي السوري.
ولا نستغرب أن تتخذ الخارجية الفرنسية التي يقودها الصهيوني ''فابيوس'' هذا المنحى المشين، فماضي فرنسا يزكيها وتاريخها حافل بالشواهد والأدلة على هذا الحضيض الأخلاقي لسياساتها، ومما يضاعف هذا الانحطاط السلوكي والانحدار الأخلاقي أنه يوظف نفسه دائماً كخادم مطيع وعبد ذليل لكيان الاحتلال الصهيوني الذي غرسوه خنجراً مسموماً في خاصرة الجسد العربي، كيان خارج القانون الدولي والشرائع الدولية، وخارج الأعراف والأخلاق، كيان مَنبَت الرذائل والعهر السياسي وغير السياسي، ومخزن الدسائس والمؤامرات، ومنبع للفتن والأكاذيب ضد المنطقة وشعوبها، وفي ذلك لا نجد مثقال ذرة من تجن.
ولما كانت الضرورات الاستعمارية تفرض بقاءه لتلويث المنطقة به، كان من الضروري أن تمهد المنطقة وتصاغ خريطتها ليكون قادراً على نفث كل الموبقات والشرور والفتن الطائفية والتشاحن السياسي، وليكون بلطجياً على المنطقة، ولذلك وجب قطع رأس كل دولة تعترض على سياسات هذا الكيان المحتل وترفض قذاراته، فكان العراق أولى الدول العربية يدفع ثمن رفضه هذا الاحتلال وقذارته، وثمن تمسكه بالقيم وبالعزة والكرامة وبنصرة الشعب الفلسطيني، لتأتي فيما بعد المقصلة على رؤوس كل رافض، فتبعت ليبيا العراق، ويراد أن تتبع سوريا العراق وليبيا، ومن ثم مصر تتبع العراق وليبيا وسوريا، في متوالية لا تتوقف إلا برؤية المشروع الصهيو ـ أميركي المسمى ''الشرق الأوسط الكبير''.
الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته المهيمن عليهما صهيونياً وماسونياً سيخربان فرنسا ويضربان مصالحها من حيث يدريان أو لا يدريان، حتى غدت فرنسا رأس الحربة في جبهة العدوان على سورية ومصر والعراق، كما كانت مع بريطانيا خلال تدمير ليبيا...
ولا تخجل خارجية ''فرنسوا هولاند''، بالتغطية على أعمال العصابات الإرهابية المسلحة بشكل مستمر في بياناتها الرسمية وتصريحات مسؤوليها وتزويرها للأحداث والوقائع، مما يدلل على انغماس المسؤولين الفرنسيين في سفك دماء الشعب السوري عبر دعمهم المالي والعسكري والإعلامي والسياسي للعصابات الإرهابية المسلحة في سورية تحت مسميات مختلفة.
وكان ''هولاند'' أول زعيم غربي يعترف بـ''الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية'' بوصفه ''ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري''، في إجراء متهور قضى على سياسة بلاده في المنطقة وأضر بروابط الاستخبارات الفرنسية مع نظيرتها السورية. وحاولت الاستخبارات الفرنسية، التي استشعرت مخاطر عودة المجاهدين الأجانب الذين انتقلوا من أوروبا إلى سورية لمقاتلة الجيش السوري إلى جانب المتطرفين، إلى بلادهم، إعادة التواصل مع الأجهزة الأمنية في سورية، إلا أن دمشق اشترطت لذلك ـ كما يبدو ـ توازي التعاون الأمني مع التعاون السياسي.
الواقع اليوم، أن فرنسا والمختصة منذ اندلاع الأزمة في سورية بالحديث عن التقسيم و''المناطق العازلة'' وإطلاق الهيئات المتعددة تحت تسميات مختلفة وإعادة تفعيل القوى الاستعمارية بأشكال جديدة منيت بهزيمة كبيرة ووضعت عالمياً في قائمة الدول الداعمة للحركات المتطرفة، وأنها كدولة أوروبية لن يسعها أن تقف وحيدة حتى لو دعمتها بريطانيا إلى حد ما. إنها بحاجة لإكمال مخططها بعد هزيمة أدواتها على الأرض، وعليه تستمر بالبحث عن البديل من دون جدوى حتى الآن رغم أن مكاسبها في مالي يجب أن تجعلها تشعر بالاكتفاء، لكن نزعتها الاستعمارية في الشرق الأوسط تظل الأقوى كما هو واضح.
يحدث هذا لفرنسا والفرنسيين منذ أن ظهرت في السياسة الفرنسية علة الالتحاق الأعمى بالسياسة الأميركية، ونزوع صاحب الاليزيه لرهن القرار الفرنسي بيد رجالات البيت الأبيض، والنزعة الإمبراطورية التي طبعت سياسات واشنطن في العقود الأخيرة، الأمر الذي جعل من الاليزيه والمتعاقبين على مكتبه الرئاسي فرعاً أوروبياً للخارجية الأميركية التي أطلقت في العالم منذ مطلع هذا القرن نظرية الحرب الاستباقية، التي جددت شباب الاستعمار القديم ولكن هذه المرة بحصان من تكساس وقبعة كاوبوي من شيكاغو لا يجهلها أحد في الأرض.
وإذا كنا في وقت من الأوقات وتحديداً فـي مطلع عام 2003 كدنا نعتقد أن فرنسا بدأت باسترداد قرارها من القبضة الأميركية، عندما ضرب ''دومنيك دوفيلبان'' الشاعر ووزير الخارجية الفرنسية وقت ذاك على طاولة مجلس الأمن عشية الغزو الأميركي للعراق رافضاً الذرائع الملفقة التي أطلقها ''كولن باول'' ناظر الخارجية الأميركية يومها، لتبرير الغزو وتشريعه، فإننا لم نلبث أن عثرنا على جاك شيراك مختلياً ب''جورج دبليو بوش'' على ضفاف النورماندي مستسمحاً من طيش ''دوفيلبان''، وقصر نظر السياسة الفرنسية التي عارضت الغزو، وباسطاً كفه لجليسه لإبرام صفقة استكمال رحلة الغزو نحو سورية وفق خطة وبرنامج زمني يعيدان للتحالف الفرنسي ـ الأميركي مجده الغابر!
في زمن المسخ العربي، جاء القائد الهزيل المشار إليه السيد ''هولاند'' خليفة لويس الرابع عشر ونابليون والجنرال شارل ديغول وساركوزي... جاء منفوخ الصدر مرفوع الرأس إلى موقع لا يملك تغيير نهجه أو استراتيجيته، لأن الذين جاؤوا به أرادوه أن يبقى أسير الاستراتيجية السابقة، لكي يتم تجميد دور فرنسا لمصلحة قوى أخرى...
لذلك فإن أضخم إنجاز حضاري تم في عهده، حتى الآن، هو صدور القانون الذي يشرّع السحاق واللواط، والمسمى ''حضارياً'' قانون الزواج المثلي... الذي يبدو أنه حل ''المشكلة الوحيدة'' التي كانت تواجه الشعب الفرنسي، فتفرغ كبير القدر ''للتنطيط'' من مكان إلى آخر، مع حالة إسهال في اختراع المسوغات لشن عدوان على سورية. وآخر اختراع له هو أنه يريد تسليح الإرهابيين ''الجيدين'' في الشام... وقد فاته أن دور الحرب والرجولة كان ممكناً لفرنسا حين كان رجالها رجالاً ونساؤها نساء، أما بعد صدور قانون الشذوذ فإن دور الحرب والرجولة قد فات وما على الفرنسيين سوى أن يتسلوا بالقانون الجديد ويتمتعوا بالطيبات التي رزقهم إياها عهد السيد ''هولاند''.
أياً تكن استراتيجية فرنسا ''هولاند'' فهو يحمل الموروث الأسود لدولته في معاداة سورية والسوريين، الذي لم نتمكن من تناسيه أو نسيانه، لأن طعناته المتتابعة تؤكد أن الحضارة السورية وعلومها وفنونها وعمرانها قد وقع بذارها على الصخر في فرنسا وفي بعض الدول الأوروبية الأخرى. فقد كان أنموذجها التعليم والتمدين، حرفاً وزراعة وصناعة ومؤسسات، والتعمير وأنموذجه مدينة مرسيليا الجنوبية ''مرسى وايل''.
إن فرنسا بموقفها من الأحداث في سورية لا تفعل شيئاً أكثر من إظهار وجهها الاستعماري، متنكرة لمبادىء ثورتها الأولى التي داعبت أحلام البشر في كل مكان تقريباً، والتي قامت في عام 1798 بشعاراتها البراقة في الحرية والمساواة والعدالة لتنشر القمع والظلم والعدوان في كل مكان حلت فيه، ولو اختلفت التسمية والمبررات كترجمة لفهمها لقضية الحرية والعدالة والمساواة.
ففرنسا ذات التاريخ العريق بالعدوان والظلم والتدخل بشؤون الشعوب، هي فرنسا الراهنة في تدخلاتها في تشاد والعراق ولبنان وليبيا واليمن وساحل العاج ومالي... و... و... وغيرها الكثير من دول العالم!
فرنسا سايكس ـ بيكو وسان ريمو، والعدوان الثلاثي، وحصار لبنان وغزوه إبان الاجتياح الصهيوني عام 1982، والحرب على العراق عام 1991 وحصار شعبه، ذلك هو وجه فرنسا التي تتحدث عن القيم الإنسانية وحقوق الشعوب، بينما تمارس ولا تزال العدوان والاعتداء ودعم الديكتاتوريات الحليفة لها في إذلال شعوبها.
فهل يحق لباريس بعدها أن تتحدث عن شرعية نظام او حرية شعب ...؟!
إن ذاكرتنا الوطنية، سواء أكانت فردية أم جماعية، تفيض ليس بعشرات الأمثلة بل بالمئات عن ممارسات الغرب بعامة وفرنسا وديمقراطيتها التي تتيح الاعتداء على الشعوب، سبق لها أن أقرت قانون غيسو لعام 1995 الذي يحاكم بموجبه أي فرنسي يعبر عن رأي لا ينسجم ولا يتفق مع أكذوبة ''الهولوكوست'' والمحرقة، ذلك القانون الذي حوكم بموجبه الكثير من الفرنسيين، وربما كان أشهرهم المفكر الشهير ـروجيه غارودي ـ فقط لأنه شكك بعدد اليهود الذين طالتهم تلك المحرقة الأكذوبة التي لا يزال العالم الغربي، يخضع بسطوتها لابتزاز الحركة الصهيونية العالمية.
كل الدول الصاعدة والمناوئة للهيمنة الاستعمارية، التي تعرف أن أميركا تخوض حروبها بالوكالة تحت أسماء وذرائع مختلفة تقول إن سورية تواجه عصابات إرهابية، بينما الرئيس الفرنسي ''هولاند'' مازال يتحدث حتى الساعة عن أنها حرب من أجل الديمقراطية.
فمن يزعم أنها حرب من أجل الديمقراطية لا يسلم للإرهابيين السلاح لقتل الأبرياء بهمجية ووحشية، والحجج الإنسانية والديمقراطية لتسويغ التدخل العسكري واهية جداً بنظر كل الشعوب العربية التي رأت تجارب أفغانستان والعراق وليبيا، وعرفت أن حلف العدوان على الأمة العربية هو صورة جديدة عن الاستعمار القديم الذي يريد الامتيازات والهيمنة على آبار النفط والمواد الأولية، وأيضاً من يتباكى على أمن إسرائيل ليلاً ونهاراً وينسى آلاف الفلسطينيين ممن شردوا من ديارهم ويتناسى ما يجري في الأراضي العربية المحتلة، ويتناسى ما يجري في الدول الإفريقية الفرانكفونية لا يحق له أن يتحدث عن الديمقراطية.
حكومة ''هولاند'' في فرنسا لم تنجح حتى في توحيد المشارب السياسية المختلفة حولها، هزائم وخسائر ووقائع كثيرة تعكس يأساً اجتماعياً لاختراق حققه اليمين ضد فشل اليسار الممثل بالرئيس الفرنسي ''فرانسوا هولاند'' الذي أدار ظهره لبلده وتفرغ لدعم التنظيمات الإرهابية في سورية ولمغامراته العاطفية، ووسط استياء شعبي فرنسي واسع النطاق من سياسات ''فرانسوا هولاند'' الداخلية والخارجية تعرض اليسار الفرنسي الحاكم الذي ينتمي له ''هولاند'' لنكسة قاسية في الجولة الثانية للانتخابات البلدية المحلية لصالح اليمين في العديد من المدن المهمة.
وربما خسر 95 في المائة من شعبيته، وبالمقابل فإن أغلبية من السوريين تؤيد قيادتها ومصالح بلدها، ومع ذلك يكذب ''هولاند'' بالقول إن الحرب في سورية سببها الديمقراطية، وهو يعطي المقدمات ليفهم شعبه بأن على الغرب أن يحمل الديمقراطيين السوريين إلى سدة الحكم. وهؤلاء الديمقراطيون حفنة من شذاذ الأفاق الذين أحرجوا أسيادهم في أميركا، في كل المناسبات، بسبب تصريحاتهم المتناقضة وجهلهم ونفاقهم وكذبهم الذي تابعناه على مدى أكثر من ثلاث سنوات على وسائل الإعلام المتصهينة.
يا تُرى لماذا يدعم ''هولاند'' العدوان الإرهابي على سورية، أمِن أجل توفير أمْنِ إسرائيل؟، أم لأنه رئيس للضواحي الفرنسية الملأى بالمتأسلمين الوهابيين، أم لأنه كلب الإمبريالية؟
ولا يمكن لأي أحد أن ينكر أن قطر والسعودية بذلتا أموالهما في تلك الضواحي، ليس لدعم منظمات الحفاظ على البيئة في مدن الصفيح وترحيل القمامة منها، بل دعماً لشيوخ التكفير لتضليل وحض مزيد من الشبان على القتال في سورية بإسم الجهاد ودعماً للجهل، ولو كانت باريس تتعامل مع مواطنيها بمبدأ الديمقراطية وتكافؤ الفرص ووفرت العيش الكريم لفقراء الضواحي، لما التحق مواطنوها بجيش الإرهاب المرتزق بحثاً عن أفق جديد، أو عن فرصة عيش أخرى ولو من خلال سفك دماء السوريين، وتجربة الضواحي الفرنسية موجودة في معظم دول أوروبا، ومثال آخر عنها طبقته ألمانيا فحشرت المسلمين في منطقة واحدة في مدينة كولونيا وتولى عليهم مشايخ وهابيون لعزلهم وعدم إدماجهم في المجتمع الألماني، كما يحدث في سويسرا وغيرها، سويسرا التي يُعقد فيها منتديات التكفيريين الذي يجمعون التبرعات لتنظيم القاعدة على الملأ.
لقد اختار ''هولاند'' وشركاؤه وحلفاؤه الخيار العسكري منذ بداية الأزمة السورية، مع العلم أنه يدرك تماماً أن هذا الخيار لا يستقطب أدنى درجة من الشعبية. وعندما تخلى عن العمل من أجل حل سياسي للأزمة السورية، وعندما ترك مصير سورية مرهوناً بمصير السلاح، فإن هذا السلاح هو الذي يحدد نهاية المعركة. بالتالي أطلب من العمال والموظفين الفرنسيين أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: من هو ''هولاند'' حتى يصدر أوامره ويتدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة وسيادية، بل يطلب من رئيسها الرحيل؟
لقد نسي ''هولاند'' أوتناسى، أن زمن الوصاية الفرنسية قد ولى. فأمريكا هي التي كلفت فرنسا ومنحتها تفويضاً جديداً غير رسمي، تفويضاً من ''باراك أوباما'' لتتصرف فرنسا وتتحدث بإسمه وبإسم الامبريالية الأنغلو ـ أمريكية.
في هذه المسألة ومنذ بداية ما أسموه بـ''الربيع العربي''، لم تتوقف واشنطن لحظة عن إحاكة الدسائس والمؤامرات ضد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنها تفادت الوقوف في مقدمة المشهد، في محاولة منها للحفاظ على صورتها لدى الرأي العام بخاصة فيما يخص التدخل العسكري. وهذا ما دفعها إلى إيداع هذا الدور إلى ''ساركوزي''، ومن ثم خلفه ''هولاند''.
في الديمقراطية الغريبة لا يسمعون رأي أو وجهة نظر الفريق الآخر ولم نرَ يوماً منذ بداية الأزمة السورية لقاء أو حواراً مع ممثلي الحكومة السورية أو مع أحد المؤيدين لها، بل على العكس وسائل الإعلام الغربية، واقعة في قبضة صناعيي التسليح تحرض على الحروب يومياً من خلال بث صور مفبركة وأخبار كاذبة مضللة عن ضحايا القصف الذي تنفذه القوات الحكومية، وفي اليوم التالي تعرض هذه القنوات صوراً لمجازر أو لقاءات مع أشخاص تعرضوا للتعذيب على أيدي عناصر الجيش، كما يزعمون أو عن آلام ومآسي المدنيين في حين أن كل هذه الجرائم والأعمال الإرهابية إنما ترتكبها المجموعات الإرهابية الوهابية المسلحة. لذلك فوسائل الإعلام الغربية مجردة من أية مهنية أو حرفية بل هي مجرد أدوات فعالة في حرب البروباغندا، حرب المعلومات والتضليل والأخبار الملفقة والموجهة للرأي العام العالمي ضد هذا البلد.
إن فرنسا تتعامل مع الحركات التكفيرية الوهابية من منطلق براغماتي، يتناغم مع الموقف الأمريكي لحد ما، والتفهم الذي تبديه فرنسا، ومعها الولايات المتحدة، لبروز التيار الإسلامي التكفيري في إطار ما عرف بالربيع العربي، بل وتشجيع عديد من الحركات الإسلامية الوهابية المتطرفة للوصول إلى الحكم، يُفصح عن رغبة فرنسية غربية للتعامل مع الحراك الذي فوجىء به الغرب، وبشكل يتيح للغرب أن يسهم في توجيه هذه الحراك، والمشاركة في قطف ثماره، وحرف مساره، ذلك أن العداء للسياسات الغربية كان، كما رفض الأنظمة الاستبدادية الموالية للغرب، سبباً رئيسياً في هذا الحراك.
ويبدو أن الاختصاص الغريزي في أكل لحوم البشر ''العائد إلى أنواع ما دون الإنسان'' مازال فاعلاً عند أمثال السيد ''هولاند'' في فرنسا. لذلك نراه متعاطفاً مع الإرهابيين التكفيريين الذين شكل أنموذجهم ذلك الوحش الذي نقلت وسائل الإعلام صورته وهو ينهش قلب مواطن سوري بعد أن ذبحه. ولذلك رأينا اليهودية العالمية، عبر كيانيها المصنعين ''الولايات المتحدة وإسرائيل'' وعبر أتباعها مثل فرنسا، تجمع وحوش الأرض من التفكيريين وتطلقهم إلى الشام ليتابعوا المهمة الغرائزية التاريخية لأدعياء التقدم والحرية والديمقراطية.
وفي هذا السياق، اعتبر الشاعر السوري أدونيس في حديث لمجلة ''إفريقيا آسيا'' أن فرنسا خانت مبادئ الثورة الفرنسية بتقديم الدعم لـ''جميع الحركات الأصولية الرجعية'' في العالم العربي.
في تقديري، اليوم يتعالى النعيق الفرنسي وذلك راجع الى أن فرنسا ذات التاريخ الاستعماري الطويل في المنطقة تريد أن تكون جزءاً من المشروع الصهيو ـ أميركي الهادف إلى تقسيم المنطقة على أساس الثروات، عبر الجعجعة الإعلامية ونعيق البوم الذي تحدثه لضمان ـ كما تتوهم ـ حصة من كعكة الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة المكتشفة حديثاً على السواحل السورية، وجزءاً من مشروع محاصرة كل من روسيا والصين وإيران، من خلال المخطط القائم بتحويل سوريا إلى أرض عبور لأنابيب الغاز عبر تركيا ثم إلى أوروبا، وبالتالي تهميش روسيا وخلع إحدى أوراق قوتها ألا وهي ورقة الغاز الذي تمد به أوروبا، مما سيترتب عليه إبعاد الدب الروسي من المناطق الدافئة، كما ستكون الصين خارج المنطقة وفق هذا المخطط.
اليوم، تتابع فرنسا ''هولاند'' بكل حقارة ووقاحة دورها التاريخي الحاقد على أصل الحضارة ونحن نفهم موقفها وندرك أن دروس التاريخ وعبره قد سجلت فقط للبشر الأسوياء. فكان الأحرى بـ ''هولاند'' إذا أرد أن يزيل بعض ما ارتكبته فرنسا، في سورية وجنوب شرق آسيا والجزائر وغيرها أن يلغي قانون ترخيص الميليشيا المسلحة الخاصة باليهود وقوانين اللاإنسانية التي تجعل من الشعب الفرنسي عبيداً لليهود لكن فاقد الكرامة لا يعطيها.
ولـ ''هولاند'' وأمثاله، نقول: سورية لن ترتجف كما يتهيأ لهم، ولن تخالف قناعاتها المثبتة، ولن تتنكر للحقائق التي جمعتها على امتداد سنوات الأزمة، وسوف تبني على أساس ذلك موقفها، ذلك أن هذا الموقف هو وحده الكفيل بحماية شعبها، لأن قدر سورية عبر تاريخها أن تكون المدافعة عن الكرامة والعزة في الفضاء القومي والإقليمي، والمدافعة عن الحقوق العربية، سواء رضي عنها الغرب بنزعاته الاستعمارية أم لا.
مقالات اخرى للكاتب