أوضاع مأساوية تشهدها البلاد في نواح عدة تكاد تكون علامة فارقة في تاريخ الدولة العراقية، فالهرج والمرج يعشعشان في واقع مظلم تسوده ضبابية حالكة في ظل وجود أشباه قيادات امتلكت زمام الأمور ونصبت أنفسها كـ”جنرالات” منذ 2003، عبثت بأوراق الحياة العراقية البيضاء، لتحولها الى مستنقعات دموية حمر ملئت بدماء أناس أقل ما يقال عنهم “مظلومون” ومازالت تبطش! مستغلة بساطة الفرد العراقي وفطرته، فضلا عن ركاكة التنظيم الاجتماعي الذي بات يتشكل من فرق تناحرت فيما بينها مذهبيا وحزبيا وعرقيا ليكون نسيجه واهنا قابلا للخروقات وجميع الاحتمالات والفرضيات، والأخيرتان غالبا ما يكون أساسهما هشاً يفتقد للواقعية ولغة العقل، ولا يصمد أمام المعطيات التي تتوافر وتسود في الشارع العراقي.بين هذا وذاك عاش الشارع العراقي على أوهام المواعيد”العرقوبية” للإصلاح في هذا الواقع البائس التي لطالما أحاطت بها الشبهات جراء سلسلة الألاعيب والتخبطات العشوائية التي يطلقها السياسيون في ظل غياب واضح للغتي المصداقية والحياء، الأمر الذي أبقى الفرد تحت عقار تخديري مستمر طويل الأمد لم تحدد غاية نفاده التي تشير التوقعات الى نفادها قياسا الى انهيار معدلات الصبر جراء الإصرار على الاستهزاء بمقدراته، وتجريده من أبسط حقوقه علنا في ظل صمت عجيب من المجتمعين العربي والدولي.فسحة الصبر نفذت أجزاء منها لتحرك ضمائر حية- ألجمت مروءة وحياء- مؤججة فيها رياح غضب ما لبثت حتى اقتربت من كتل الأصنام (البرلمانيون) و(الوزراء) المتخندقون خلف أسوار اعتقدوا بأنها آمنة، في تظاهرات حاشدة كادت أن تؤكل ثمرها مالبثت لتجبر رئيس الوزراء لإجراء تغييرات كان وقعها مؤثرا بعد اقتلاع جملة القمم المتعالية-نواب الرؤساء الثلاث حسب التقسيمات الامريكية “البريمرية- المعشعشة في أروقة التشكيلات الحكومية منذ نشأتها بعد رياح التغيير الأمريكية، لكنها سرعان مالبثت لتعود الى مواقعها تدريجيا بعد فك الطوق من قبل المتظاهرين ومن خلفهم المرجعية في خطوة مفاجئة حسبها الأصنام نجاحا لسياساتهم كطريقة للثبات أمام عواصف المحتجين وسيولهم الغاضبة آنذاك.براكين الغضب كانت وجبات محفزة للتظاهرات لتنمو إزاء ذلك فجائيا متحولة الى اعتصمات اخترقت الملاذات الخندقية للمنطقة الخضراء محولة اصطلاحها الى “الحمراء”، وضاربة بحصونها “الشائكة” وضعا، والتي لطالما راهن المتقوقعون فيها أنها خطوط حمراء، بل فوق البنفسجية يصعب الاقتراب منها.طريق الاعتصامات أراد سالكوه أن يكون مهادا للإصلاحات التي تضمنت متطلبات لاقتلاعات بالجملة لجذور رسخت أنفسها بشرعية وبدونها تحت أديم الوزارات، ليتنقل أغلبها من وزارة لأخرى في ظل سكوت مطبق من الأفراد والقيادات والمرجعيات، اللهم إلا فيما نحن بصدده الآن، ما أدى الى تحولات انعكاسية في سقف المطاليب تحت عناويين أدقــها وأكثرها شيوعا “شلع قلع″، ليكون المصطلح الأخير حقيقة بعد التغيير الشامل للحقيبة الوزارية، الأمر الذي أصبح حديث الشارع العراقي بشقيه العامي والمثقف، حول مدى جدية البرمان في التصويت على الأسماء الجدد ومدى تعنته بلغة المحاصصات تحت شماعة الاستحقاقات في ظل الانسحاب من ساحات الاعتصامات هذا من جهة، ومن جهة أخرى أكثر أهمية وأشد غموضا طرحت عديد التساؤلات عن مدى قدرة هذه التشكيلة الفتية في الخروج بالبلد من عنق الزجاجة الذي وضع فيه جراء عبث قصدي من أسلافها، ومدى كفاءة ونزاهة الأسماء المطروحة، وتجردها من البؤر والكتل السياسية لتكون “مستقلة” بعملها وآرائها -والمصطلح الأخير عملة نادرة في الوقت الحالي- من أجل إصلاحات عميقة يمكن ان تلامس الواقعية لا كتلك الإصلاحات الكارتونية التي ينادي بها هذا الطرف وذاك؛ لذا اقتضى التنويه .
مقالات اخرى للكاتب