عموم دول العالم تبحث عن علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية ، بوصفها أكبر قوة اقتصادية تحتل موقع الصدارة في صنع القرار الدولي، فضلا عن قدراتها العالية في التأثير وفي ادارة الكثير من المتغيرات في العالم من خلال احتكارها لاقتصاد المعرفة وسيطرتها على النظام المالي وحركة التجارة العالمية بجانب قدراتها العسكرية والمخابراتيةوما دام المنطق السياسي في التعامل الدولي مبني على أساس المصالح المتبادلة ، فليس من العيب استخدام الامكانيات الوطنية المتاحة ، اقتصادية كانت أو جيوسياسية، في استدراج مقومات تشكيل علاقات متبادلة مع الولايات المتحدة بما ينفع المصلحة الوطنية ويضمن حقوق الأجيال المقبلة في بلادنا، وبما لا يضر بمصالحنا مع دول الجوار والعالم.
على هذا الاساس ، ووفق المعطيات وما متاح من امكانيات يمكن للمتصدين ان يتبنوا رؤية للتعاطي مع مشروع العلاقات العراقية الأميركية، دون القفز على دلالات تاريخ مجريات الأحداث التي شهدتها بلادنا خلال الأربعة عشر عاما الماضية، بعد أن تجلت وبوضوح نتائج سياسة الاحتواء الاقتصادي والأمني التي أعد لها خلال سنوات ما بعد التغيير.
اذ لا يمكن لأي عاقل أن يقفز فوق تاريخ الأحداث ويستبعد دور الولايات المتحدة في سلسلة المعطيات التي شهدتها البلاد خلال سنوات ما بعد التغيير والتي أسست للمرحلة الحالية، فهي لم تسقط الدكتاتورية وتنفق ترليون دولار كفاتورة للحرب في العراق لسواد عيون العراقيين ، اذ لا يختلف اثنان انها جاءت لتحقيق هدف معين يخص مشروعها الشرق أوسطي انطلاقا من العراق بوصفه مقرا ومنطلقا لادارة هذا الشرق، وبالتالي فانها عمدت لتأثيث تواجدها عبر سياسة الفوضى الخلاقة في بلادنا، فهي ومنذ تولي الحاكم المدني بول بريمر ادارة شؤون البلاد عكفت على التأسيس لما نحن فيه الآن ، وكلنا يتذكر بداية التمهيد للارباك السياسي والتدهور الاقتصادي والأمني وانفلات السوق وتكريس الفساد الموروث منذ السنة الأولى للاحتلال عبر المئة قانون التي شرعها بريمر خلال سنة تواجده على دفة الادارة، مرورا بتمهيد حلبة النزاع الطائفي على الارض العراقية لدول الجوار المتصارعة على النفوذ الاقليمي والتي دفعت المتاجرين بالطائفية والطارئين على السياسة لمزيد من التخندقات والاصطفافات حتى وصل الانسان العراقي الى حافة اليأس جراء تغول الارهاب والطائفية والفساد على حساب مقدرات البلاد والعباد فضلا عن انغلاق أفق الخلاص من حالة الاحباط الناجمة عن هيمنة المنتفعين من السلطة وضياع مقدرات البلاد ، وانتهاء بـ(حدوتة) داعش التي لم يعرف لها أب او ام وهي تلفظ انفاسها الأخيرة بعد أن حرقت الحرث والنسل وخلفت الخراب، فيما البلاد تنزلق نحو المديونية وشروطها التي جيرت المستقبل لصالح ارادة الدائنين والمؤسسات المالية العالمية.
ازاء كل ذلك وسواه لابد من الوقوف والتأمل بشان ماآلت إليه الأحداث ومعطياتها وبشأن هذه المتغيرات التي تشهدها البلاد على أثر مراحل الاعداد لها ونحن ندخل مرحلة جديدة يراد لها أن تكون مرحلة بناء باموال الشركات الأميركية التي تحكم العالم مقابل هيمنتها على قطاع الصناعة النفطية.
فهل نحن مخيرين فيما سنذهب اليه وسنقوم ببناء علاقات متكافئة تحقق مصالحنا وتحفظ لبلادنا سيادتها واستقلال قرارها؟ ام اننا ازاء منزلق ليس لنا فيه الا القبول بمآلاته؟
فاذا كان الخيار الثاني هو الأقرب الى واقع الحال ، فمن الامانة والوطنية والشرف ان نتمسك بالممكن ونحن نخوض بالاتفاقات والعقود بما يضمن عدم القبول بأي اتفاق أو شرط يقيد ارادة الحكومات المقبلة في الدفاع عن حقوق الشعب والأجيال القادمة، وعدم خصخصة القطاع النفطي وانشاء شركة نفط وطنية تضمن لجميع العراقيين حقوقهم في الثروة مع صندوق للأجيال قبل اجراء أي تعديل على المادتين 111 و112 من الدستور واللتين بموجبهما قدمت مسودة قانون النفط والغاز من مجلس الوزراء الى مجلس النواب في العام 2007وبقي القانون حبيس الأدراج حتى اللحظة بفعل فاعل يريد تقديمه على مقاسات الشركات النفطية
العالمية.
ومن الحكمة مراجعة درس السنوات الاربع عشرة الماضية التي أشيعت فيها ثقافة الاحباط والياس ليكون القبول بـ(الصخونة) لمن يرى الموت غاية لمن كان وراء تقطيع أوصال الابرياء في الأسواق والشوارع والساحات ومن خرب الديار واشاع الفساد والفوضى واسس لضياع مقدرات البلاد .
وعلى الطارئين على الساسة أن يعوا ان المصالح السياسية والاقتصادية بين الدول لا تحكمها الأخلاق والقيم الشعارتية التي يتم اجترارها في اللقاءات الدبلوماسية، فمن يمتلك عناصر القوة والمنفعة يعطي ضمانات للصداقة بين الدول، وبخلاف ذلك فاننا ماضون باتجاه التبعية للأموال الأميركية التي ستحكم البلاد وتصنع قراره السياسي وتجعل الناس اجراء على
ارضهم.
مقالات اخرى للكاتب