العراق تايمز ــ كتب كريم عبد: من ناحية معرفية، أقصد من ناحية الدقة والموضوعية، ليس هناك أكثر مشقّة من توصيف وتحليل الظواهر السياسية السلبية التي احتلت المشهد بعد نيسان (أبريل) 2003 وخصوصاً ما وصلت إليه الأمور خلال ولايتي المالكي الأولى (2006-2010) والثانية (2010-2014) حيث أصبح الفساد السياسي إلى جانب اغتيال المعارضين ونهب المال العام منهجاً علنياً وثقافة رسمية تواجهك آثارها في مختلف ظواهر الحياة العراقية.
ولم يعُد هذا النهج علنياً فقط، بل أصبح علامة على الذكاء! فبوسعك اتباعه ليقبلك دولة رئيس الوزراء ضمن (قائمة دولة القانون) كي تصبح عضواً في مجلس النواب، أو مسؤولاً حكومياً، أي واحداً من جوقة دجالين أصواتهم مبحوحة بالباطل وقد تمرسوا بالكذب والتدليس، وهم تجمّع من مختلف المهن والمناطق والمستويات، من المدينة والريف وجنوب البلاد وشمالها، أفندية ومعقّلين وأصحاب عمائم، القاسم المشترك بينهم هو الدناءة وصدأ العقل، ما أدى إلى إنعدام الإحساس بالكرامة الوطنية والدليل إن بعضهم نَقل عبوديته علانيةً من التلطي على أبواب صدام حسين إلى التسبيح باسم نوري المالكي، وهم جميعاً يشتركون بالتنافس على ترويج الأكاذيب والوقاحة في تشويه الحقائق، فليس من الغريب أن تسمع من بعضهم (إن العمران في بغداد أفضل
مما هو عليه في دبي) أو (الخدمات العامة في بغداد أفضل من الخدمات في نيويورك)!
كل ذلك من أجل إرضاء دولة الرئيس الذي هو بدوره لا يخفي ارتباطه وخضوعه للإيراني والأمريكي، أي إن هؤلاء عبيد عند عبيد ولكن الرواتب الضخمة والامتيازات غير المسبوقة جعلتهم يتباهون بعبوديتهم ! والواقع إن هذه الصفات هي أيضاً قاسم مشترك بين معظم أعضاء القوائم الإنتخابية لأحزاب المُحاصصة ولكن بدرجات متفاوته، دون أن ننسى الاستثناءات القليلة، لكنها استثناءات تُثبت القاعدة، فقد وصل الأمر بأعضاء (قائمة دولة القانون) إلى حضيض الإسفاف، وها هم يبشرون شعباً مظلوماً بـ (ولاية ثالثة) لتثبيت مشروع ديكتاتورية جديدة على أنقاض ديكتاتورية (القائد الضرورة) الذي ترك العراق حطاماً!!
الحقيقة إن حكم البعثيين (1963 – 2003) كان نقمة على العراق ستستمر آثارها لأكثر من خمسين سنة قادمة، فقد قامت أجهزة صدام حسين بإبادة المجتمع السياسي العراقي من مختلف الاتجاهات والتوجهات وخصوصاً المجتمع السياسي السني الذي كان صدام حسين يعتبر رموزه من الشخصيات الكفوءة والنزيه، منافسين له يُهدّدون مستقبل نظامه: وزراء وقادة أحزاب وكفاءات إدارية وعلمية وعسكرية انتهوا بين إعدام واغتيال وتشريد، لقد لاحق كل من كان يعتقد إنه يمكن أن يكون بديلاً له! فكانت النتيجة أن انهارت الدولة في أعقاب الاحتلال الأمريكي وعندما تلفت المعنيون بإعادة بناء الدولة لم يجدوا ما يسر الخاطر، وجدوا شخصيات حزبية معارضة عاشت على ادعاءات مثالية ولكن ما أن شمّت رائحة السلطة وامتيازاتها حتى أصبحت تتنافس على تقديم التنازلات للمحتلين لكي تحظى بالأولوية في العمالة وتنفيذ المخطط الأمريكي أو الإيراني حيث ألتقى هذان المخططان عند هدف واحد هو تحطيم الاقتصاد العراقي وتمزيق المجتمع، وهذا ما أفلحت به جميع الكتل المتحاصصة في البرلمان والحكومة (الشيعية والسنية والكردية) وكلٌّ حسب موقعه ونفوذه!!
وإذا كان هدف المُخطّطين المذكورين هو إماتة الصناعة والزراعة وتحويل العراق إلى بلد استهلاكي ترتفع فيه معدلات البطالة وتبور فيه الكفاءات العلمية والإدارية، ما
يدفع المزيد من العاطلين عن العمل إلى الميليشيات المتحاربة أو الإلتحاق بصفوف الجماعات الارهابية، فهذا ما حدث وهذا ما تم تنفيذه من قِبل الأحزاب المتحاصصة في البرلمان والحكومة. والأنكى من ذلك أن هذه الأحزاب متمثلة بالقوائم الانتخابية المتنافسة الآن على انتخابات 30 نيسان (أبريل) الجاري، ما يزالون مصرّين على الاستمرار بتنفيذ هذا البرنامج المشبوه، أو الصمت عنه، ففي جميع برامج القوائم الانتخابية لتلك الأحزاب لا يوجد أي ذكر حقيقي وواضح لإعادة الحياة للصناعة والزراعة أو خطط عملية لتنشيط سوق العمل لخفض معدلات البطالة، أو وجود حلول فعلية لعشر دورات من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل والذين يزدادون كل عام! حيث تحولوا إلى بيع السجائر في الشوارع أو العمل في البناء أو يدفع بعضهم رشاوى كي ينخرطوا في الجيش أو الشرطة كعناصر عاديين بينما ترتفع معدلات الجريمة وتعاطي المخدرات ناهيك عن الأمراض الفتاكة بسبب تردي الخدمات الصحية!!
ولكن ولكي نكون واقعيين أكثر، وبغض النظر عن طبيعة الحكومة التوافقية ووجود وزراء من كل المكونات والأحزاب الممثَّلة في مجلس النواب، فإن الحكم هو بيد (التحالف الوطني) الذي يتكون من (الأحزاب الدينية) التي اختارت نوري المالكي وبموافقة الامريكان والايرانيين ليكون رئيساً للوزراء حيث اصبحت بيده معظم الصلاحيات التنفيذية بحكم الدستور. ولذلك أصبح الشائع هو إن الشيعة هم الذين يحكمون العراق!! والواقع إن الشيعة براء من هذه التركيبة الحزبية المتعفنة سياسياً وأخلاقياً، فالشيعة هم أول المتضررين من هذه الخدعة، والدليل إن المحافظات الشيعية تعاني مثل بقية العراق من سوء الخدمات وانتشار الأمراض وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، فقد أماتت هذه الأحزاب الصناعة والزراعة حيث حوّلوا العراق إلى بلد استهلاكي يعيش على التجارة الخارجية وأصبح قادة هذه الأحزاب الدينية هم كبار التجار حيث يستورد العراق بضائع بأكثر من ستين مليار دولار سنوياً، لتتحول تالياً إلى فضلات! بينما بوسع هذه المبالغ الفلكية أن تعيد بناء الاقتصاد العراقي بما يكفل تشغيل جميع طالبي العمل، وتحقيق الإكتفاء الذاتي من المواد الاستهلاكية
والانشائيات، حيث الاكتفاء الذاتي هو أساس السيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي للحكومة.
لكن حكومة السياسيين التجار التي تستورد من كل من إيران وتركيا أكثر من عشرين مليار دولار سنوياً، جعلت سيادة العراق ومصالح شعبه، بل وحتى مستقبلها السياسي نفسه، رهينة بيد هاتين الدولتين ونتائج الصراع الدائر بينهما، حيث تستطيع أيٍّ منهما أن تُسقط الحكومة بمجرد إيقاف التصدير لعدة أسابيع، لأن ذلك سيربك الاسواق ويؤدي إلى مجاعة ناهيك عن ايقاف مصالح ملايين الناس المرتبطة بالأسواق وعمليات الاستيرد الهائلة.
ولنتساءل ونحن بصدد انتخابات نيابية ثالثة، عن هوية أقطاب ورموز ممثلي هذه القائمة الانتخابية التي تريد التجديد للمالكي ولاية ثالثة، بعد أن بدّدَ أكثر من 700 مليار دولار موازنات الثماني سنوات الماضية دون أن تُحلّ أية أزمة من الأزمات التي يعانيها العراقيون يومياً!!
تتراوح مواهب هؤلاء بين وزير للتعليم العالي يحمل شهادة دكتوراه مزورة! حيث طالبه بعض المعنيين عبر الفضائيات بإبراز شهادتي الماجستير والدكتوره ومتى ومن أي الجامعات حصل عليها؟ لكنه لم يفعل. وفي عهده أرتفعت معدلات الفساد في الوزارة، بينما أصبح تسلسل جامعة بغداد 701 بين جامعات العالم لناحية المستوى العلمي الهابط!
والوجه الثاني هو حسين شهرستاني عمل محللاً كيميائياً في المفاعل النووي العراقي في السبعينات، ثم سُجن وفقاً لمزاج صدام حسين، لكن هذا الضحية إدعى بعد أن هربته المخابرات الايرانية من سجون صدام آنذاك، إنه عالِم ذرة فصدّقه السذج أو أصحاب المآرب، فجاء به المالكي ليكون ساعده الأيمن، فعينه وزيراً للنفط ليدشن وزارته بعقد مشبوه مع شركة (شيل) المتعددة الجنسيات، أثار ردود أفعالاً سلبية واسعة من قبل كبار خبراء الطاقة العراقيين، حيث سلّم شركة شيل مقدرات الغاز العراقي بطريقة تؤدي إلى تعطيل الصناعات الكيميائية العراقية وعدم الاستفاد من الغاز في انتاج الكهرباء كما أكد الخبير الدولي في شؤون الطاقة البروفيسور صلاح الموسوي وكذلك البروفسور محمد علي زيني الذي نشر مقالات عديدة شرحت
الخطورة والخسائر المترتبة على عقد الوزير حسين شهرستاني مع الشركة المذكورة، تبعتها فضيحة توقيع عقدين، يُفترض إنهما لمصلحة وزارة الكهرباء، بأكثر من ثلاثة مليارات دولار مع شركة ألمانية مفلسة وأخرى كندية وهمية!!
وبعد عدة فضائح حول تردي انتاج الكهرباء شارك فيها الشهرستاني إلى جانب رئيس الوزراء كلفت الدولة مليارات الدولارات وهي مثبتة بالوثائق الدامغة لدى هيئة النزاهة، رفّعه المالكي وزيره شهرستاني كي يكون نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة! وبعد تأكد العراقيين من فشله واستمرار معاناتهم جراء تردي الخدمات الكهربائية وسواها، أطلق شهرستاني العنان لخياله فوعد العراقيين بأن العراق سيكتفي من الكهرباء بل ويقوم بتصديرها نهاية عام 2013 !! وهذا ما لم يحصل طبعاً.
ومن قائمة المالكي هذه أيضاً: وجه نسوي، هي عضو برلمان، ومرشحة للانتخابات الحالية، ولأن المالكي أفلس سياسياً فقد تبنى تصعيد النزعة الطائفية لأستقطاب مزيد من الناخبين، وهذه النائبة أفرطت بهذا الاتجاه بطريقة غير مسبوقة، حيث صرّحت قبل أسابيع: (أريد مقابل كل سبعة شيعة يُقتلون سبعة سنة يُقتلون أيضاً)!! هكذا بكل وقاحة!
وفي وثائق كشفتها فضائية البغدادية، إن هذه المرأة هي رفيقة بعثية سبق وأن نالت أوسمة من قبل صدام حسين، بينما منحها المالكي فيلا في بغداد، وأيضاً اشترت قبل شهور وعبر مكتب رئيس الوزراء عقاراً من الدولة، قيمته ما يقارب مليار ونصف مليار دينار عراقي، لتظهر هي في شريط موجود على اليوتيوب قائلة نعم لقد استفدنا جميعاً من السلطة (عقود ومناقصات وكومشنات ..) فلماذا نتخلى عنها الآن؟
هذه هي بعض شخصيات (قائمة دولة القانون) التي تريد التجديد للمالكي ولايةً ثالثة! لأن المالكي، حسب ما يزعمون، لم يُعط ما يكفي من الوقت لتنفيذ برنامجه!! برنامج العاهات الأخلاقية والجرب الفكري!!