في أدغال حروب الإستقلال والتخادم بأمريكا اللاتينة وإفريقيا وشرق آسيا والصين ولد مصطلح المليشيات، مجاميع غير نظامية تتسلل إلى إي فراغ وتهرب من أي ضغظ كما وصفها ماو وجياب وقال عنها جيفارا إنها أول من يضحي وآخر من ينتفع. بعد العهد الملكي ظهرت لدينا أول تشكيلات المليشيا، شيوعيون أواخر خمسينات القرن الماضي بمقاومة شعبية (حماية للثورة) قبل أن ينقلب عليهم رئيس النظام (والثورة) بأحداث الموصل وكركوك لتعقبهم بمقتله في إنقلاب (مشبوه) ميليشيا الحرس القومي الذي نكل بالشيوعيين ثأرا ليسقط بإنقلاب قاده رئيس الجمهورية (!). توقف ظهور المليشيات في عهد الأخوين عارف حتى عودة البعث بإنقلاب آخر بدأ بتشكيلات ميليشيا وطلائع الأطفال ثم الجيش الشعبي في الحرب مع إيران الذي أنتهى بعد الكويت أجيرا عند الطاغية يحرس صوره ويحمي نظامه ويتبارك بعيد ميلاده.
بعد سقوط النظام توقعنا عيشة القانون وسيادة الدولة، حتى بدأت دول وميزانيات تمويل حرب ضد العراق بميليشيا "مقاومات للفلول" أولدت بالأخير دولة الشر الداعشسلامية نتيجة إداء غير محمود لطبقة سياسية فجة في الوعي فقيرة بالثقافة خدعت البسطاء بالدين وإنتصرت عليهم بالطائفية. فولدت ميليشيات وحشد لمقاومة داعش الشر بعد فتوى جهاد الكفاء للمرجعية. ولأننا نعرف إن داعش تحتل غرب العراق وتمتهن أهله هناك لا ندري لماذا تكون مقرات بعض مقاوميها ومكاتبهم العسكرية، بيوت فخمة في الأحياء السكنية جنوب العراق (البصرة مثلا)؟
فحيث يسكن صديقي في حي سكني (لا ينكر رقيه) وعلى ركن شارع رئيسي عريض داخلي أستأجرت (أو إبتاعت) مليشيا بيتا كبيرا فخما ومنيفا. على الرصيف (لا في داخل البيت) وضعت سارية عالية (ملحوظة الإرتفاع) يرفرف عليها علم الحركة. أمام الباب وضعت سيارتي حراسة للدفع الرباعي (بيكب أمريكي) في الحوض الخلفي لكل منها مدفع رشاش ومقعد زائد سيارات مضللة وغير مضللة أخرى تقف أمام البيت مع كشك حراسة يضيف هيبة عسكرية. بعد أيام من إستقرارها، قال صديقي بدأت بقطع الشارع العريض بدعامات حديدية تمنع مرور السيارات لتترك الجيران (بقوة الواقع) يذهبون إلى شوارع أخرى، وكذلك تفعل عوائلهم. على الباب وفي أركان الشوارع يجلس شباب بإسلحة أتوماتيكية وزي مرقط يرمقون المارة بإرتياب. سألني صديقي: ترى ماذا يحدث لنا لو تم إشتباك بين هذه المليشيا التي تضع جداريات كبيرة برموز دينية بعمائم وشهداء مع ميليشيا أو قوة إرهابية أخرى (فالدولة منسية)؟ سكتت لأن الجواب مؤلم ومخجل عن شجعان يقاتلون في غرب العراق يلوذون أمنا بين العوائل والأطفال في الجنوب.
على بعد مئات أمتار من مقرها، أنفجرت قبل بضعة أسابيع سيارة مفخخة بالكراهية قبل الديناميت بين سيارات الناس، استشهد أربعة مدنيين بينهم أمرأة وجرح آخرين ورأيت ما حدث، ومثله حدث في مدينة الناصرية. في نشرته الأخبارية قال تلفزيون قناة معروفة إن تنظيم الدولة الإسلامية قتل أفرادا من الجيش العراقي في البصرة والناصرية بجنوب العراق وأسترسلت القناة تقرأ إن قوات الجيش العراقي قتلت 15 مدنيا في قصف للفلوجة في حربها مع التنظيم. وتتكرر نشرات الأخبار في إعلام وقح أعور في إن ما تقتله داعش أفراد من الجيش وما يقتله الجيش إناس مدنيون. راقبوا العهر والإنحراف مع مومس تحدثت عن الشرف وصدق الرأي كثيرا. حين قال البيان العراقي إن الإرهابين هم خلايا نائمة في الجنوب، سألت صديقي: لماذا تنام خلايا الإرهاب في بلادنا دون دول جوارنا يا ترى، أجاب إن ملء الفم ماء.
مقالات اخرى للكاتب