بعد التغيير الثاني للشعب المصري من خلال ازالة حكومة الاخوان المتمثلة بالرئيس المخلوع محمد مرسي توالت ردود الافعال, خصوصا من قبل العراقيين, فمنهم من ذهب الى اقصى اليمين والاخر الى اقصى الشمال والبعض الاخر كان قد اتخذ الوقوف على التل وكأنه لا يعيش حالة في العراق تستحق التغيير!!! ان احد الاطراف اخذ يمجد الشعب المصري ويستنكر سكوت الشعب العراقي على الظلم والفساد الاداري والمالي والاخلاقي في الدولة العراقية!!! بينما كان هناك طرف يمجد ببطولات الجيش المصري الذي استطاع ان يدخل التاريخ من اوسع ابوابه في حماية الدولة المصرية, وفي المقابل صب وابل غضبه على المؤسسات الامنية ومنها الجيش العراقي حتى خونوا الجيش برمته... اما الطرف الثالث فقد ابتهج بنصر الشعب المصري على حركة الاخوان والسلفية الوقحة, ولم يشير الى الوضع في العراق, وكان العراق يعيش في كوكب معزول عن العالم لا يؤثر ولا يتأثر!!! ان الشئ الجيد هو ان الجميع قد اتفق على ان التغيير هو الحل الوحيد...
ان حركة الاخوان حسب تصوري انها الابن الولود للحركة الوهابية والتي كتبنا عنها ستة حلقات بعنوان ( الفتنة ), وذكرنا ان حركة محمد بن عبدالوهاب التي هي صناعة مخابراتية بامتياز اطلق اتباعها على انفسهم (الاخوان) لانهم اعتبروا الاسلام منحصرا بهم فقط, ومن بعدهم جاءت حركة الاخوان المسلمين الذين اضافوا كلمة (المسلمين) لتمييزها عن الحركة الوهابية وهناك كلام على انها امتداد لخط مخابراتي ايضا, ان هذه الحركة الولود قد انجبت في العراق ولدا عقورا اسمه ( حزب الدعوة ), بينما اخذت تنتشر حركة الاخوان في البلاد الاسلامية السنية تحت نفس المسمى بما فيهم سنة العراق, ان اطلاق اسم حزب الدعوة على حركة الاخوان في العراق كان لسبب بسيط, وهو ان اسم الاخوان المسلمين غير مقبول من قبل الشيعة.
تأسس حزب الدعوة ( الاخوان ) على مقاسات شيعية من اجل ان يتقبله اتباع اهل البيت ( ع ) من حيث الشكل, واما من حيث المضمون فهو اخواني جملة وتفصيلا, ولهذا السبب كان هذا الحزب على طول الخط يتقاطع مع منهج اهل البيت ( ع ), لان منهج اهل البيت حصنه الائمة ( ع ) من الشوائب, لذلك كان عصيا على الاعداء, فكل فكر دخيل يعزل ويرمى الى الخارج, ومن هنا نجد اتباع هذا الحزب كلما اشتد ساعدهم عمدوا لحرب منهج اهل البيت ( ع ) ومراجع الدين العظام, ويمكنني القول بضرس قاطع انهم لم يعاصروا مرجعا الا وكانوا له خصما. ان هذا التقاطع بين اتباع منهج اهل البيت ( ع ) ومنهج الاخوان ( الدعاة ) ناشئ من خلال المضمون العقدي والحركي المبني على اساس القيم والثوابت.
في التسعة الاشهر الاولى لاستلام حزب الدعوة للحكم في العراق والمتمثل بالدكتور الجعفري, قلت للاحد القيادات الاسلامية التي هي على معرفة جيدة بهؤلاء, ان التجربة الاسلامية بدأت بانطلاقة خاطئة ومخيفة, بعد التسعة الاشهر التي حكم بها الدعاة استلمها داعية اخر وهو نوري المالكي والذي يبدو لي اكثر ذكاء من محمد مرسي, فالاثنين هدفهم واحد وهو السيطرة على الدولة بكل مفاصلها, لكن مرسي بدأ من الهرم الى القاعدة و المالكي بدأ من القاعدة الى الهرم, فبدأ حزب الدعوة بالاستحواذ على مفاصل الدولة من القاعدة صعودا لرأس الهرم وبشكل تدريجي من اجل عدم اثارة الشركاء السياسيين, في وقتها كان لدية لقاء مع مسؤولين كبار وطرحت عليهم هذه القضية, كان جوابهم انهم لا يعلمون بالذي يجري لكنها من صلاحيات رئيس الوزراء!!! ولم يأخذوا تحذيري مرة اخرة على محمل الجد حتى اصبح الشركاء السياسيين بدون شراكة وهذا يعني ( سياسيين فقط ).. فهذا هو الفرق الاول في طريقة اخونة الدولة المصرية ودعوجة الدولة العراقية. اما الفرق الثاني ان الكثير من الشيعة كانوا يشنعون علينا ما نكتبه ونقوله بحجة ان الحكومة شيعية ولا يصح الانتقاص منها, ومع السنين استفحل الامر, والان يبحثون عن منفذ للخروج من ازمة دكترة الديمقراطية وبيع العراق قطعة بعد قطعة من اجل الحفاظ على كرسي السلطة!!!
اذن ليس من الانصاف ان يلام الشعب العراقي على التخلف الذي فيه, فهو ضحية الاحزاب السياسية, ولو تقاسمت الاحزاب السياسية في مصر كعكة السلطة لما خرجت هذه الجماهير, ان البعض يقول ان لدينا صناديق انتخاب وكأن المصريون لا يمتلكون ذلك!!! فيريد من الشعب ان يغير موازين الحكم من خلال الصندوق فقط!!! كان بإمكان الاحزاب المصرية ان تنتظر الانتخابات القادمة, لكنهم ادركوا ان الدولة المصرية في طريقها الى الاخونة, اما نحن في العراق فنعلم ان الدولة تم دعوجتها من الباب الى المحراب ولم نحرك ساكنا وبالتالي نعتب على الشعب العراقي, ونقول انه لا يرقى الى مستوى الشعب المصري. وهناك حجج اخرى تطرح لا تستحق الرد عليها, فالجميع يعلم ان المسؤولية تقع على الاحزاب والحركات السياسية التي ان تحركت فهي لردة فعل يخص مصلحة ذلك الحزب او تلك الجماعة, وان سكتت فسكوتها لمصلحة تخصها, فمن غير الممكن ان نضع خطايا السياسيين على الشعب الذي يكفيه ان يدفع انهارا من الدماء بمجرد ان يختلف حزبان في العراق, وعلى السياسيين ان يقبلوا بحقيقة ان الاحزاب المصرية اكثر وعيا من الاحزاب العراقية وليس الشعب. فالشعب المصري لم يتحرك بالصدفة او عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي, وانما تحرك من خلال احزاب سياسية ومنظمات ونقابات... هي التي خططت وهي التي وجهت وهي التي رفعت الشعار واتفقت على الخلاص من حكم الاخوان والسلفية معا قبل ان تصبح الدولة المصرية تحت رحمة الاخوان, ولكن من الذي سيخلص العراق من تحت يد الدعوة بعد ان قبضوا على كل مفاصلها؟!.
مقالات اخرى للكاتب