دماء الثائرين دائما ما تكون مقدمة للثورات وغالبا ما تطيح بالانظمة الفاسدة فهي تنير الطريق للمظلومين وتزرع فيهم روح الانتصار من اجل تحقيق الحرية ، وجميع الثورات التي قامت بها الشعوب ضد الانظمة الاستبدادية كانت تسبقها صفعة تفيقها من سباتها، وتنزع عنها اغلال الخوف والارتجاف من الطواغيت ، فسيل الدماء شرط لنجاح الثورات ، حتى ان الارادة السماوية تنتصر للشهداء في الدنيا قبل الاخرة.
لم تكن دماء الشيخ الشهيد حسن شحاته الا بوادر مقدمات لثورة شعبية كبرى في مصر، فما فعله التكفيريون بهذا الشيخ الجليل ابهر العالم اجمع وصدم حتى الشعب المصري رغم حملات التضليل الاعلامية التي حاولت اخفاء الحقيقة عنه ، باعتبار حسن شحاته شيعي ويجوز قتله والتمثيل به فهو خارج عن الاسلام! هذا ما تناقلته وسائل اعلام الاخوان المسلمين كي تضع سند قانوني لتصفيته وشرعنة قتله.
ان قتل حسن شحاته جاء نتيجة فتاوى التكفير التي اصدرتها قيادات الاخوان المسلمين حيث انهم صوروا الشيعة لاتباعهم كبعبع وخارجين عن ملة الاسلام ويؤمنون بالخزعبلات ويعبدون القبور،حتى ان المخلوع مرسي لم تتسم تصريحاته بالدبلوماسية اوالاعتدال حيث بين العداء للشيعة من خلال خطاباته المجنونة اضافة الى رعايته لمؤتمرات التكفير بقيادة القرضاوي الذي اعلن الجهاد في سوريا وحث المصريين على الذهاب للقتال فيها، واعطاؤه مرسي سند قانوني بتصريحاته، بانه لن يحاسب اي مصري قد اشترك في القتال مع الجماعات المسلحة في سوريا .
انا لا اريد ان اقول ان من تظاهر من المصريين في ميادين مصر لاسقاط حكومة الاخوان جاءت نتيجة قتل حسن شحاته، لكن دماء هذا الشهيد هي كانت نقطة الصفر وبداية لاسقاط مرسي، وهي جاءت كردة فعل على اخطائه وتصريحاته هو وجماعته من السلفيين الذين ارادوا ان يحكموا مصر بقبضة من افكارهم التي تكفر الاخر والبعيدة كل البعد عن الاسلام والشريعة الاسلامية .
فالشعب المصري لا يرضى بالمتشددين والسلفيين رغم وجود نسبة منهم لا يستهان بها تنتمي للتيارات السلفية ، فالاخوان عملوا على اقصاء الاخر وتهميش اغلب التيارات المصرية حتى انهم واجهوا تظاهرات (تمرد) بفتاوى تطالب قتل هؤلاء المتظاهرين لانهم خرجوا على حاكمهم الشرعي، وقاموا بسرد حكايات اقرب الى الخيال لمؤيديهم حتى وصل بشيخ سلفي ان يقول بانه راى جبرائيل (عليه السلام) نزل الى الارض وصلى بمسجد رابعة العدوية ودعا للرئيس مرسي ان ينصره على اعدائه! هكذا وصلت حماقة هؤلاء كي يحافظوا على كرسي مرسي بعد ان انكشفت عورتهم.
مرسي انضم الى المخلوع حسني مبارك وما عمله مرسي بالشعب المصري خلال سنة واحدة يفوق ما قام به مبارك خلال ثلاثون عاما وان وضعنا مقارنة بين الاثنين سنرجح كفة مبارك على حكم الاخوان المسلمين، فهو يعد ملاكا مقارنة بمرسي!
تظاهرات (تمرد) او ما سميت بالثورة الثانية فتحت ابوابا جديدة لمصر ستقودها نحو صراع مسلح، فالاخوان المسلمين لن يرضوا بعزل مرسي بهذه الطريقة وسيكون الجيش هدفا لهم لانه قام بانقلاب عسكري ضدهم وانقلاب على شرعية انتخاب مرسي.
فما قام به السيسي يبين لنا ما ستكون عليه مصر مستقبلا، فالجيش المصري لم يلزم الحياد وانحاز لطرف عن اخر ولا اعرف ماذا يسمى هذا؟ انقلاب عسكري ام ديمقراطية؟! حين تضع رئيس منتخب تحت الاقامة الجبرية وتعتقل اغلب قيادات حزبه!
ان اختفاء السند القانوني والدستوري لعزل رئيس مصر يضع تحركات السيسي ضمن الانقلابات العسكرية ،فالسيسي معين من قبل مرسي وهو جاء نتيجة لانتخابات ديمقراطية ،ووزير الدفاع المصري تابع لرئاسة الوزراء ورئيس الجمهورية هو اعلى سلطة في البلد، فكيف يقوم وزير باقالة رئيس الدولة.
ياترى من اعطى الصلاحيات للسيسي بعزل مرسي؟ من يدقق النظر يرى ان هناك جهة خارجية اعطت الضوء الاخضر لعزل مرسي لانه لا يمثل رغباتها بالمنطقة او لجعل مصر ساحة للصراعات السياسية تتبعها صراعات طائفية وعرقية.
انا هنا لا اريد الدفاع عن جهة او الانتقاص من الاخرى وانما هناك حقائق يجب ان تبين ،فالثورة الثانية كما سميت خلفها اياد واشخاص تملك النفوذ والمال وتحظى بالدعم الدولي ولهذا هي استطاعت اسقاط مرسي بهذه الطريقة السهلة.
الشعب المصري سيبقى كبركان متفجر وسيبقى بين الطبل والرقص والمتشددين وحكايات الميادين، وحالات الاغتصاب ستطفوا على السطح مرة اخرى، ولن تكون ثورة حقيقية ،وستسرق من جديد للمرة الثانية على التوالي وسيتبعها ثورات قادمة.
وستبقى مصر تبحث عن حريتها المفقودة، وتتلاعب بها الايدي المسيطرة على الشرق الاوسط بحجج البحث عن الديمقراطية.
فمصر لم تهدأ ولن تهدأ وسيبقى شعبها بين الميدان والقصر، فهي في بداية عهد جديد (عصر الميدان والقصر) فمن سيحظى بحكم القصر سيجد تظاهرات ضده في الميدان حتى لو انه طلى شوارع القاهرة بالذهب لن يرضى عنه احد، فلمن ستكون الغلبة في النهاية ياترى للميدان ام للقصر.
مقالات اخرى للكاتب