يحتاج الحديث عن الدولة العراقية ومعطيات بنائها وانهيارها والمحددات التي ادت الى ذلك سواء كانت اقليمية او دولية او عربية الى تمعن تاريخي وقراءة تحليلية للوقائع والوثائق... هذه الوقائع والوثائق بعضها كان اما شفهي الاداء او انه لم يخرج بعد الى العلن من جانب الاطراف الذين ساهموا في تفتيت العراق لكون المشروع مازال قائماً، وهو المشروع الذي اريد البدء به من العراق لينتهي في نقطة اراد من خلالها الغرب تسوية خريطة المصالح الجديدة ورسم ملامح الشرق الاوسط الجديد الذي هو جزء من استراتيجية بعيدة المدى على غرار الاستراتيجية التي اتبعت بعد الحرب العالمية الاولى وما زالت قائمة بعض الشيء لحينه، فكانت النتيجة ان فتت العراق وحُلت مؤسساته وانتهكت مصالحه الاقتصادية بعدما تغيرت خريطته الاجتماعية وولد عنها اعراق وطوائف ومكونات سياسية تؤمن بالواقع الذي ارادته الولايات المتحدة للعراق.
منذ الاحتلال العثماني كان للعراق خصوصية تختلف عن خصوصية الاقاليم العربية الاخرى. حيث ان الباب العالي في الآستانة كان يتعامل معها بتوابع غير مستقلة وتتصل مباشرة بها. في حين كان العراق دون غيره من الاقاليم التي حكمتها الدولة العثمانية حينذاك يتم التعامل معه على اساس انه دولة قائمة بذاتها ولها قوانينهاالذاتية التي يرسمها الوالي المعّين من الآستانة ضمن الاسس الاجتماعية والاقتصادية والتربوية الخاصة بالعراق. ولكون حدود العراق في حينه كانت شاسعة اذ تمتد الى اعماق الجزيرة العربية ،عكفت الدولة العثمانية على تقسيم العراق الى ولايات متعددة بدءاً من القرن السابع عشر حتى اصبح للعراق في منتصف القرن الثامن عشر ثلاث ولايات، هي البصرة وبغداد والموصل.
ولو تتبعنا الخارطة السياسية الجغرافية لهذه الاقاليم لوجدنا ان كلاً منها كان يتمتع باداء دولة قائمة بذاتها على الرغم من تبعية ولايتي البصرة والموصل لولاية بغداد لكون الاخيرة هي المركز الاداري المرتبط مباشرة بالآستانة. السبب في تمتع تلك الاقاليم بصلاحيات دولة على الرغم من انها اقاليم تابعة لبغداد، يعود لامتدادت كل من تلك الولايات الى اعماق جغرافية خارج حدود العراق الحالية او كان اصل كل منها تبلغ مساحته اكثر من مساحة العراق الحالي .
استمر حال التعامل مع العراق بهذا الاسلوب حتى سقوط الدولة العثمانية عام 1918، نتيجة الحرب العالمية الاولى، وعليه، فان الدولة العراقية ضمن الاحتلال العثماني كان لها كيان خاص يختلف في مجموعة قوانينه عن مجموعة القوانين التي كانت تتمتع بها الاقاليم الاخرى في الدولة العربية المحتلة من جانب الدولة العثمانية نتيجة لوضع العراق الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي والاستراتيجي والديني الذي كان يتصارع عليه الاقوياء وصولاً الى الخليج العربي. هذه المسألة القانونية احدثت شرخاً كبيراً وصراعاً طويلاً وكبيراً حول العراق في ما بين الحلفاء في الحرب العالمية الاولى انفسهم قبل ان يكون مع الدولة العثمانية المنهارة التي بنيت على انقاضها الدولة التركية الحديثة، لذا لخص مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته، هذه الازمات التي طالت الدولة العراقية نتيجة تصارع القوى منذ بداية النشأة عام 1921 وحتى عام 1927 بالنواحي الآتية:
1- الخلاف الفرنسي- البريطاني على ولاية الموصل، الذي تلخص بضرورة تقاسم ما تخلفه الدولة العثمانية بين الدولتين. لكن يبدو ان انتاج اول برميل للنفط في ايران ضمن المناطق القريبة من السليمانية عام 1908، دفع بريطانيا الى مسح منطقة ولاية الموصل مسحاً جيولوجياً توصلت فيه الى ان تلك المنطقة غنية بالنفط ولا بد من السيطرة عليها بصورة لا يمكن لفرنسا ان تشاركها في خيراتها.
2- الخلاف البريطاني – التركي على ولاية الموصل، المبني اساساً على اعتراض تركيا بسبب تابعية ولاية الموصل لها، لأن احتلال تلك الولاية جاء بعد اعلان الهدنة. وهذا ما اعتبرته تركيا الحديثة خرقاً صريحاً لما تم الاتفاق عليه مسبقاً في معاهدة السلام ووقف اطلاق النار ونهاية الحرب العالمية الاولى.
ونتيجة لهذا الخلاف اصبح هناك توتر كبير في ولاية الموصل، اذ استقطب الاتراك قبائل كردية معارضة لبريطانيا واحتلالها العراق في حين تمكنت بريطانيا بدورها من استقطاب قبائل كردية اخرى لهذا الخصوص بعد ان اقنعتهم بضرورة اعلان الدولة الكردية ومنحها الاستقلال التام.
واستمرت هذه الحال حتى عام 1929، حين وقعت تركيا معاهدة لوزان التي لم توقعها تركيا، واكتفت بالتعليق على المعاهدة بقولها "ان تركيا تحتفظ بحقها في ولاية الموصل مهما امتد الزمن لترجعها للبلد الام". لكن خوف بريطانيا من خسارة ولاية الموصل باكملها واصرارها على ضرورة حماية آبار النفط في الجانب الايراني القريب من الحدود العراقية قرب منطقة السليمانية التابعة لدولة العراق الحديثة، جعلت تلحق عمق 67كم من الاراضي العراقية التابعة للسليمانية الى ايران. كما تم التنازل عن ديار بكر وبحيرة فان غلو لتركيا والتنازل عن محافظة حلب التابعة لولاية الموصل لفرنسا لالحاقها بسورية الكبرى شرط الحاق الاسكندرون وارض اخرى بتركيا. وبهذا تمكنت بريطانيا من جعل مسألة ولاية الموصل والصراع عليها مع تركيا وفرنسا مسألة شائكة تماماً.
3- الخلاف البريطاني- البريطاني على ولاية الموصل الذي نتج من الصراع البريطاني- التركي، والكردي- التركي على هذه الولاية. اذ كان لوزارة الدفاع البريطانية رأي مخالف لرأي وزارة الخارجية البريطانية حول ولاية الموصل وتابعيتها. ونتيجة لهذه ، واصرار وزارة الخارجية على ضرورة بقاء العراق دولة كما كانت عهد الدولة العثمانية قبل سقوطها، اقدمت وزارة الدفاع البريطانية بالتعاون مع وزارة المستعمرات على اقتطاع عربسنان والحاقها بايران في حزيران 1924، وحين تمكنت بريطانيا من اقتطاع عربسنان واهدائها لايران لغناها النفطي واعلان الكويت محمية بريطانية وتحديد الحدود مع العربية السعودية عام 1923... ونتيجة لما تم الحاقه بتركيا وايران وسورية والسعودية، اصبح العراق المعروف الآن عراقاً بهذه الحدود، اذ تحقق بهذا ما كان يريده وزير خارجية بريطانيا حينذاك كيرزن حين قال:" اطمح بعراق من دون منابع حياه" لاعتبارات صارت اليوم واضحة جداً بعد ان أخذ الصراع على المياه موقعة منذ ثمانينات القرن العشرين.
4- الخلاف العراقي- البريطاني الذي انبثق بعد الاحتلال البريطاني له وعرف باسم ثورة العشرين. ويبدو ان تصرف بريطانيا بتفتيت البقعة الجغرافية للعراق بهذه الصورة كانت نتيجة لثورة العشرين التي قادها المجتمع القبلي العراقي وبالتالي احرج ما يسمى المرجعيات الدينية بضرورة اتخاذ موقف ما، وهو موقف كان ايجابياً في بدايته الى حد ما، الا انه مال الى السلبية اثناء التفاوض مع قوى الاحتلال. هذا الخلاف بدوره ادى بالمحتل الى تغيير صنيعة الحكم في العراق يمكن من خلال حكمه.
تلك الخلافات الجوهرية التي صاحبت بريطانيا نتيجة احتلال العراق... تمكننا من اعطاء صورة حقيقية عن وجه الدولة العراقية التي تم تأسيسها على ركام ممارسات وقوانين اضطهادية لدولة محتلة اخرى اعقبت الدولة العثمانية المحتلة السابقة.
ومن خلال السياق التاريخي سنجد ان بريطانيا المحتلة الجديدة تمكنت منذ اول ايام احتلالها للعراق من وضع مجموعة قوانين ساهمت مساهمة فعالة في هيكلية الدولة ووضع اللبنة الاساسية على الرغم من عدم شرعيتها الا انها كانت لها مراميها وابعادها الاخرى.
ان الدولة العراقية التي بدأت مسار بنائها وشموخها منذ عام 1921، وتم اسقاطها عام 2003 بالاحتلال الانكلو- امريكي قد مرت بعدة مراحل مهمة قبل انهيارها وتفتيتها:
المرحلة الاولى- وهي مرحلة تأسيس الدولة العراقية منذ 1921، بالصورة التي كان يراها الانتداب البريطاني للعراق. وقد ارادت بريطانيا في حينه هيكلية الدولة العراقية ضمن السبل التي تريدها، المبينة على فصل السلطات لتجعل منها دولة عصرية شبيهة بما هو موجود في دولة غربية اوروبية جديدة آنذاك، الا ان اصطدام بريطانيا بالواقع الاجتماعي العراقي القبلي والقومي فيه جعلها تفشل في تسيير الامور وفق ما تشاء والتحكم في مقدراته النفطية والاقتصادية، فلجأت بريطانيا حتى بعد اعلان استقلال العراق بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، تأطير الحياة السياسية العراقية وفق أطر تتناغم مع سياساتها، الا انها جميعها باءت بالفشل مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتتوجت بقيام التحول عام 1958، ليكون العراق جمهورياً، بعد ان كان ملكياً ولينتقل الى مرحلته التاريخية الحديثة الثانية، فبعد التحول الى العراق الجمهوري ودخوله في المرحلة الثانية من تاريخ بناء الدولة العراقية الحديثة، لم يلغ منجزات المرحلة الاولى ولم يستبدل مشاريعها بمشاريع اخرى بل استمر في عملية البناء وفق التخطيط والحاجة ليكون دولة لها اقتصادياتها التي تعتمد عليها في المستقبل وتبني مؤسساتها التي تخرجها من حالة الدولة الفقيرة الى حالة الدولة المستقرة اقتصادياً. فقد ساعد الانفتاح العراقي على الشرق في هذه المرحلة على ارباك الغرب الذي اراد له ان يكون سوقاً استهلاكية لهم ولمدى عصور، حيث ادى الانفتاح على الشرق دوراً كبيراً في اعادة الدول الغربية النظر في علاقتها بالعراق كدولة وليس كساسة، ليبدأ التفكير في حينه بأمر تفتيت العراق من تلك المرحلة التاريخية. فقد بان بوضوح للطامعين بالعراق النفطي الزراعي المائي، ان العراق في هذه المرحلة بدأ يتطور نموه اكثر من الدول الاقليمية المجاوزة له.
كان هذا النمو امراً مزعجاً لشركات النفط التي تبحث عن مخرج تعتمده لعرقلة المسيرة، لذا عمدت الى العمل على ضرب استقرار العراق ريثما تتمكن من تعطيل المسار الحقيقي للنمو العراقي وخصوصاً ان كلا الدستورين الملكي الدائم والجمهوري المؤقت لم يعطيا مجالاً للتقسيمات العرقية والطائفية في العراق، واصرا على ضرورة مبدأ المواطنة الذي طبق بحذافيره...
ومع اطلالة عقد السبعينات باتت الدولة العراقية تخطط لتكون دولة اكثر عصرية في مرافقها الصناعية والتعليمية والصحية والخدمية فقد تمكن العراق من اعادة بناء الدولة ضمن خطوط حديثة، فشهد تطوراً كبيراً حيث باتت اكثر مؤسساته تدار بكادر تقني وفني عراقي بحت.
وعلى الرغم من دخول العراق في حرب ضروس ضد ايران، استمرت مدة ثماني سنوات الا ان الدولة العراقية تمكنت من استمرار المحافظة على ما انجزته في الفترة السابقة للحرب وجندت طاقاتها الممكنة لسد الثغر التي تحتاج اليها للمجهود الحربي. وحقق العراق بذلك كفاءة عالية في التصنيع العسكري والتقني لانتاج وتطوير الآلة واستعمالها عسكرياً ومدنياً. كما حافظ وحرص على ابقاء اداء الدولة والاعتماد على الذات في انتاج الحاجات.. وتمكن العراق من البقاء حتى انتهاء الحرب العراقية- الايرانية بكامل قواه كدولة يمكن استعادة عافيتها اذا ما تخلصت من آثار الحرب.. لكن دخول العراق الكويت وقبوله بقرارات مجلس الامن الصادرة بعد عام 1991، يمكن القول ان الدولة العراقية قد بدأت بالانهيار.
واصبح العراق لا يملك الا العقول والاختصاصات العلمية والانسانية الا انها من دون ادوات او مختبرات لتطويرها.ويبدو ان مخطط تفتيت الدولة العراقية وانهائها لم يكن قد أقر، ولكن ما حدث ما هو الا البداية لتفتيتها ضمن الاولويات الموضوعة والمرسومة لتكوين دويلات كما كان الامر قبل سقوط الدولة العثمانية، اذ استمر الحصار على الشعب وفق آلية اممية فيها حفنة من القرارات الدولية – عدم شرعيتها وعدم قانونيتها- وبهذا الكم من التدمير والتهميش والضرب العسكري باسلحة محرمة تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من احتلال العراق في 9/ نيسان/ 2003 من دون ان تراعى الشرعية الدولية التي تُطبل لها دوماً ومن دون مراعاة حقوق الانسان التي خلقت لها منظمات تستغلها لعدوانيتها وهمجيتها.
بهذه الحقبة دخل العراق المرحلة الثالثة من تاريخه الحديث ليكون دولة مأزومة ومزيفة ومقسمة اعراقاً وطوائف تحت غطاء الديمقراطية التي باتت اساساً لتدمير دولة مستقلة وجعلها ثلاث دول حتى وان كانت مع وقف التنفيذ او انها كذلك على الارض.
لم يكن العمل على انهيار الدولة العراقية قد خطط له اثناء الحرب العراقية الايرانية او قبل انتهائها بقليل، لكن باعتقادنا ان الغرب المتمثل بقيادة الولايات المتحدة كان ينظر الى العراق بوصفه الدولة التي فتحت ابواب جهنم على مصراعيها اما الغرب وبالتالي كان يجب تفتيتها واشغال اهلها بفتنة ربما طائفية او عرقية. والسبب في ذلك يعود الى دعوة رئيس الوزراء العراقي طاهر يحيى خلال فترة الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف باستعمال النفط كسلاح، جاء هذا الاعلان خلال حرب عام 1967 ضد اساسرائيل واثناء حرب الاستنزاف، ويبدو ان هذا الامر قد تطور بتأميم العراق لنفطه، ومن ثم استعماله كسلاح اذ تم حظر تصديره للغرب اثناء حرب تشرين الاول 1973... هذه المفاصل جعلت الغرب والولايات المتحدة تنظر الى الموضوع بجدية.
فبعد ان تمكنت الولايات المتحدة من تحديد الملامح الاساسية لما تريد فعله في العراق منذ الانتهاء من حرب الكويت وتأسيسها كتلاً سياسية عرقية طائفية تليق بالمشروع شرعت في التخطيط لانهاء الدولة العراقية واضمحلال وجودها.
وعلى الرغم من المساهمة الفعالة التي ابدتها دول العالم في حرب 1991، الا انه يبدو ان تلك الاسطورة قد بان زيفها وبدأ الكل يندب حظ استغلال الولايات المتحدة له ومساهمته الفعالة لاسقاط الدولة العراقية... لكن يبدو ان هذا غير كافٍ مطلقاً للولايات المتحدة وحلفائها من الغرب والشرق اذا ما عرفنا ان الحملة الامريكية كانت تستهدف ابعد من النظام الحاكم فكان لا بد من يسدل الستار على دولة اسمها العراق لتستكمل اللعبة التي من اجلها عبروا المحيطات...
ان اكمال المخطط الامريكي في التفتيت والاضمحلال وانشاء دول على ركام دولة معترف بها دولياً، يعتبر امراً باطلاً ضمن القوانين الدولية وميثاق الامم المتحدة اذ لم تكن هناك أي مراعاة للقوانين الدولية وشرعيتها.. فمجلس الامن بالاساس عمل وخطط بامرة الولايات المتحدة لانحسار الدولة العراقية بعد تفتيتها بدءاً من دخول اول فريق تفتيش ليجوب العراق شمالاً وجنوباً ولغاية السقوط والاضمحلال الذي صاحبه. فقد تخلل عملية تفتيت الدولة العراقية رسم سياسة مفادها ان تُسلب سيادة العراق بالتدريج لينعدم السلم والاستقرار فيه.. وكان اهم بنود هذه السياسة فرض الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا حظر الطيران على العراق جنوب خط عرض 32 وتوسيعه لاحقاً ليشمل خط عرض 33.
اذاً، بهذا الحظر يمكن ان نقول ان تقسيم العراق الى اجزاء قد بدأ فعلياً منذ اعلان تاريخ الحظر ليفقد العراق كدولة سيطرته على كامل ترابه هذا الحظر شجع الاكراد على اعلان دولتهم غير الرسمية المحمية امريكياً عام 1992، واجراء انتخابات سميت في حينها الانتخابات البرلمانية.
لم يكن اعلان الاكراد دولتهم غير الرسمية وبرلمانهم الذي اثبت عدم ديمقراطيته كما شبه لهم والذي كان رهن اشارة تعليمات الحزبين الكرديين الرئيسيين في السلم والحرب والاستقرار وعدم الاستقرار قد ساعد على بناء دولةجديدة للاكراد، كما اريد له بل كان اداة بيد الغرب من ناحية لاستكمال تفتيت العراق وهدفاً لمطامع الدول المجاورة من جانب آخر.
اذن، من دمر الدولة العراقية؟!
العنوان ذو ابعاد سياسية واقتصادية ومستقبلية وحضارية عديدة. فما لا شك فيه، ان العراق منذ النشأة كان يسبب ارباكاً لسياسة الدول الغربية في صراعها مع الشرق من جانب وفي اهداف الدولة العراقية التكاملية العربية من جانب آخر. وانطلاقاً من ذلك نسأل، هل الغرب كمجموعة دولية كانت لها اسسها الداعية الى تدمير الدولة العراقية؟ ام ان بريطانيا انفردت لاسباب كانت تعرفها وقد خططت لذلك منذ خروجها من العراق مع العهد الجمهوري، ام ان الولايات المتحدة خلقت صراعاً غير حقيقي وحرباً لا وجود لها لتتمكن من تدمير الدولة العراقية والاستحواذ على المنطقة من خلالها؟
ان هناك اجماعاً غربياً منذ فترة ليست بالقريبة على ضرورة تدمير العراق واحتلاله وجعله بلداً ضعيفاً، ويبدو ان حرص البلدان الغربية على المشاركة في انهاء اجتياح العراق للكويت كان باباً اساسياً للمساهمة في ذلك والفوز بما يمكن ان يفوز أي منها في العراق حتى ان الغرب والشرق مجتمعين نتيجة مراجعة حساباتهما المستقبلية جندا الامم المتحدة لتصدر قرارات شرعية لتدمير العراق رويداً رويداً منذ الحصار ولغاية الاحتلال الامريكي.
كل ذلك ناتج من قناعة دولية ومساهمة فعالة بان العراق لا بد ان يدمر، فدمر بأيديهم وبقوانين اممية كان جلها يصدر من مجلس الامن من دون تدخل من الدول المناهضة لاحتلال العراق وان وجدت فانها لا تضر ولا تنفع.
ولا شك، ان العامل الدولي القومي الذي كانت تتمتع به الولايات المتحدة وانفرادها بالسيطرة على العالم، ادى دوراً في تجنيد الدول العربية للوقوف معها وبالتالي فان الدول العربية ساهمت بصورة او اخرى في تدمير الدولة العراقية.
• الكتاب
تفتيت العراق، انهيار السلم المدني والدولة العراقية، تأليف- هيثم غالب الناهي، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2013، 384 صفحة.
مقالات اخرى للكاتب