وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ".
عودنا من بعض السياسيين والنواب -أي مما يصح عليهم القول ب"الطبقة السياسية البرجوازية" الطغمة المتنفذة في البلد، الذين صاروا بمثابة الوريث الشرعي ل"الإقطاع السياسي والمالي" في البلاد، وأسسوا ليكونوا من أعمدته الباسقات على مستوى المنظومة العالمية في الصناعة والتجارة والاقتصاد والبورصة والمال والأعمال- من الناكثين والناكلين والحانثين ممن جافوا ناخبيهم وجمهورهم بالإتصاف بهذه الخصال الذميمة الآنفة الذكر، وبركوب موجة الفساد، أن يسمعونا عمدا جعجعاتهم الفارغة عند كل جلسة برلمانية ليغطوا بذلك على سوء سلوكهم ونماء أموالهم، وغياب دور برلمانهم، وسقطات قضائهم، وضعف حكومتهم، ونتانة ريح فساد مؤسسات ديموقراطيتهم.
والحال أن تطورت الفكرة إلى عرض سلسلة المسرحيات البرلمانية الإلهائية التي تصادر عقول البسطاء من المواطنين وتشاغف قلوبهم، وتشوش أفكارهم وخواطرهم، والسعي الدؤوب كذلك لافتعال الأزمات وخلط الأوراق، على غرار مسرحيات محاكمات "عزرا ناجي زلخة"، وجرائم "أبو طبر"هي الاخرى التي اشتهرت في بغداد بالقتل ونشر الرعب فيها، وإرتكاب التصفيات الجسدية الجماعية بمساعدة عصاباته المخابراتية المختلقة، كما وذاعت آنذاك حلقات استعراض بطولات وجنجلوتيات المصارع العراقي (الأمريكي) "عدنان القيسي"، من سبعينات القرن المنصرم عند عهد ربيع حزب البعث العربي بزعامته البوليسية على العراق وهيمنته الشمولية عليه، والفرق بين هذه السلسلة وتلك كالفرق بين ديكتاتورية البعث البائدة وبين بما يسمى بديموقراطية أحزاب العملية السياسية المعاصرة، ألا انهما يلتقيان في عملية الهاء المواطن ومصادرة دوره في التصرف بخيرات وثروات بلده وحرمانه منها، والحؤول بينه وبين أن يتحكم بدماء أبنائه، وتقييد حريته في اختيار المنجزات السياسية والإجتماعية والثقافية الصالحة لبلده، وحرمانه من التصويت المباشر لاختيار نوع حكومته وأسلوب نهجها وطبيعة نظامها.
فجلبة سلسلة المسرحيات البرلمانية الجارية ساهمت بتمرير ما لا يستطيع البرلمان تمريره من قرارات صفقوية في ظروف اعتيادية بعيدا عن وجود تلك الجلبة، فصار همهم الوحيد إرضاء مصالح أصحاب النفوذ والكيانات من الكتل والأحزاب السياسية والقومية وإرضاء أسيادهم القابعين خارج الحدود العراقية، وليس المهم أن يرضوا شعبهم الذي ذاق الأمرين، لذلك مررت الكثير من القرارات التي أمعضت المواطن كثيرا وإستفزته كقرار العفو وقرارات الإستجواب والتقشف وسحب الثقة، وعرقلة اصدار معظم القرارات المتعلقة بالأمن والمال، وإصدار قرارات لا علاقة لها بالمواطن أصلا ولا بمنفعة البلد واقعا، وما شابه.
لقد تناسى السياسيون ومن ضمنهم البرلمانيين تلك الأصوات المدوية التي جعلت من نفسها سلما ليتسلقوا به للوصول إلى رأس الهرم في السلطة، وتناسوا أن دوي تلكم الأصوات هي التي استطاعت أن توصلهم لأن يجلسوا تحت قبة البرلمان ليمثلوا الشعب برمته ولولاها ما كانوا أن يكونوا الا كما جاءوا ليتربعوا على كراسي الحكم للتحكم برقاب الناس ومصائرهم ومستقبل بلادهم، فقد صوت لهم الفقراء والكادحون والمحرومون والمظلومون والجياع والارامل واليتامى والمخلصون.
ويبقى الأمل معلقا في هبوب رياح الاصلاح والتغيير على يد من فازوا في الانتخابات، بعد خوضها على مضض وعلى حساب سلامة الناخب وأمنه الشخصي، ورغم انهم لا يملكون خارطة طريق واضحة المعالم وخطة عمل بارزة الابعاد للاطاحة بالفساد وتقويم حركة الاصلاح، ألا أنه بات من الضروري جدا التمسك بروح الحق المختطف المؤدي للاصلاح الذي يلبي طموح تلك الجماهير والجموع الانتخابية، أملا في الانقلاب على الواقع المرير المتسم بالجعجعة الفارغة إلى واقع حقيقي آخر وعمل اصلاحي ناجع من شأنه أن يقلب الأحوال والموازين الخاطئة من حال إلى حال، وفي أي فرصة سانحة قد يتقمصوا فيه على الأقل دور البرلماني النموذجي المواكب المخلص لأبناء جلدته والمؤتمن على اموالهم وأصواتهم وأفكارهم وجميع تطلعاتهم في الرقي وتأمين فرص العيش الرغيد لهم في بلد يعد من الأغنياء، بما في ذلك ما يؤمن لناخبيهم توفير: رغيف الخبز الرخيص ولقمة العيش الكريم، وحبة الدواء المجانية، وتأمين سلامة الناس وأمنهم والحفاظ على ممتلكاتهم واموالهم وأعراضهم، وتوفير القلم المدرسي الذي يخط الحرف الهجائي الأصيل ويرسم الكلمة الصادقة التي يتعلمها ابن العراق اليافع في مدارس التعليم المجاني الوطني الحكومي الهادف، فهل لهؤلاء البرلمانيون أن يتقمصوا تلك الأدوار النيرة ولو لمرة واحدة فقط؟.وما ضير في ذلك عندما ينقذوا البطاقة التموينية وينعشوا مفرداتها، وتوزيعها ممزوجة بالغيرة العراقية على مستحقيها من الناس في اوقاتها المحددة، وتخليصها من سباتها القابعة فيه، ليكونوا-أي السياسيين والحكام- على الأقل أحسن حالا ممن سبقهم من الحكام والسياسيين ممن قصروا بحق شعبهم؟.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي الذي ربما توجهه النخب المثقفة لبعض السياسيين والنواب من الذين ركبوا موجة الفساد والاستهتار بتبديد موارد البلد والتلاعب بمصير ومشاعر ناخبيهم، والسؤال هو: من قال لهم أن الناس إذا ما جاعوا وعروا وحرموا أن يصوتوا لهم مرة أخرى؟. فموعد الانتخابات القادم قد بان وقرب، وسلاح وصولهم للسلطة مرة أخرى رهن اشارة الفقراء والجياع والكادحين والمتقاعدين واليتامى والارامل والعاطلين عن العمل، وأن التاريخ القريب الآتي سيصدق هذا الزعم إن كان حقيقة أو محض افتراء.
وهناك حقيقة واعتقاد خاطئ يجب أن يدركه المرشحون هو أن مثل ناخبيهم كان لهم كمثل إلحاحب للعين، كما هو الحال في المرات السابقة بفعل وتأثير الثقة العمياء والطيبة العراقية المفرطة التي جبل عليها العراقيون، ونسوا بالمرة ما صنعوه بجماهيرهم في ما إئتمنوهم عليه في المرات السابقة، والحال فأن إعتقادهم هذا سيصير في قادم الأيام وتحديدا عند انجلاء غبرة الانتخابات محض سراب كلما يقتربوا منه يبتعد عنهم، فلم يعد بإمكانهم بعد تلك الكرات نشر غسيلهم على حبال الجماهير هذه المرة، فليتأسفوا وليتأسفوا، والعجب كل العجب من أمر وأحوال هؤلاء البشر، يتأسفون على مكسب ضاع لهم، ولا يأسفوا على وطن قد ضيعوه!! وهكذا أن تشكيل الحكومات العراقية الجديدة على اعقاب الانتخابات القادمة سيكون رهن التباينات الجماهيرية العميقة التي استجدت في الشارع العراقي كنتيجة لتصرفات وأداء بعض السياسيين الغير مرضي الذين يمثلون اقطاب أحزاب وكتل وجبهات سياسية في الدورات المنصرمة، والتي أدت إلى احداث تصدعات في نفس الذات العراقية قد تحتاج إلى أمد طويل لعلاجها وإصلاح ما عطب منها.
وما أحوجنا اليوم للاصلاح والتغيير في هذه المرحلة الحرجة، أو حتى للترميم الفوري والذي يجب أن يبدأ من رأس الهرم وصولا لقاعدته، وهذه المهمة مهمة جدا جدا، يجب أن يؤسس لها الناخبون عند وضع النقاط على الحروف في الانتخابات اللاحقة لتقر بهم عيون الشهداء والثكالى والارامل من نسائهم، واليتامى من ابنائهم، فهل هذا ممكن؟.
"رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ".
مقالات اخرى للكاتب